لا يكذبون لكنهم يتجملون

فنانون منشغلون بشعورهم المستعارة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا توازي خشية الممثلات على أعمارهن وفقدان ألقهن مع صعود أجيال جديدة على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، إلا خوفاً غير مشروع من قبل الفنانين «الذكور» على اجتياح الزمن لهم، وسط رغباتهم التي تتمنى أن يقف العمر عندهم، كي يحققوا قدراً أكبر من إعجاب الناس وحب الآخرين لهم،

وغالباً ما يتذرع العاملون في مهنة الفن على أن أدوارهم تحتاج لصباغة الشعر وحلاقة الذقن والشارب أو لوضع شعر مستعار على رؤوسهم! أول ما يلتفت إليه الناس المعروفون بفضولهم وشغفهم بالتفاصيل أحياناً، في أي مكان عام يرون فيه ممثلاً ما هو شعره وطوله وابتسامته ولون عينيه وهل يرتدي خاتماً.. وما إلى ذلك!

وتبدو دهشة المرء من شكل الفنان مشروعة لأنه يراه متبدل الهيئة والحال كل يوم وفي كل عمل له، وبطبيعة الحال، يقع العديد من الممثلين أحياناً ضحية إحراج لأنهم سيضطرون للاجابة عن سؤال غير لائق قد يصفعهم صفعاً: هل الشعر الموجود على رأسك طبيعي أم مستعار؟ هل هذا هو لون شعرك؟

وغالباً ما تأتي الإجابة سريعة مقتضبة، أو يلجأ الممثل لتمييع الحديث والابتعاد عن الإجابة قدر الإمكان، لانه يدرك أن أحداً ما قد عرّاه وجرّده من شعره وربما هذا أصعب عليه من تجريده من ثيابه! الأمر ليس جزءاً من مشهد درامي بل هو حالة سجلتها على وجه أحد الفنانين الذين شاهدتهم في أحد الأسواق،

وقد التف الناس من حوله وبادروا إلى سؤاله عن أشياء شخصية منها شعره، فأدركت الإحراج الذي وقع به، وتوقعت أن يكون قد هيأ نفسه لإحراج كهذا. الموقف قد لا يتكرر ثانية، وقد يتكرر كل يوم، ولكنه في أي حال من الأحوال يظل مصدر هوس لدى الممثل في أن يظهر دائماً بأفضل هيئة وشكل.

وعبر الشاشة العربية وفي الأعمال الدرامية العربية نتذكر معاً بعض الممثلين وقد بدأوا باستخدام الشعر المستعار درءاً لشعورهم الخفيفة أو الغائبة نهائياً من على جلد الرأس، والتي تبعد عنهم شبح التقدم في العمر.

وفي أحيان كثيرة تمر اللعبة على المشاهدين وربما يستمرئ المشاهد هذه اللعبة بقرار منه، وبالتالي يألف منظر الفنان في حلته غير الطبيعية، ولا يقبله في منظر آخر حتى لو عاد إلى شكله الأصلي.. وكثيراً ما نتابع من الممثلين العرب المعروفين والمحبوبين لدى المشاهد مثل وحيد سيف وأحمد ماهر وسمير غانم وياسر العظمة وجمال سليمان وزهير عبد الكريم وسلوم حداد وفراس إبراهيم.

وقد ظهر الشعر المستعار على رؤوسهم في الأعمال الدرامية التي نتابعها. ومن الفنانين من يتخذ من هذا الشعر وسيلة للتمثيل فقط، شأنه في هذا شأن أي غرض فني أو إكسسوار، مثل نور الشريف كما تابعناه في حلقات متأخرة من «الحاج متولي»،

وسلوم حداد في «مذكرات عائلة» أو سيد عزمي في مسلسل «أم كلثوم» أو أيمن زيدان في المسلسل الكوميدي «يوم بيوم» الذي قدمه مطلع التسعينات، أما بعض الفنانين فإنه لا يروق لهم التخلي عن هذا الشعر المستعار حتى في الأماكن العامة التي يزورونها، وبالتالي فإنهم يقدمون أنفسهم في الحقيقة

كما هم على الشاشة من حيث الشكل، والعكس صحيح أيضاً.وإذا كان الشعر المستعار لياسر العظمة الممثل الكوميدي السوري قد تحوّل إلى جزء مهم من تركيبته الشخصية، ومن تركيبة الشخصيات التي يقوم بأدائها وتجسيدها عبر اللعب على الشكل الخارجي في السلسلة الكوميدية الشهيرة «مرايا»،

فإن هذا الفنان الذي اعتاد المشاهد العربي أن يتابعه عبر الفضائيات كل عام، لم يسبق له أن تخلى عن الشعر الذي يغطي رأسه في مرة من المرات التي قدم خلالها عشرات الأدوار الدرامية، وهو يحرص على أن يكون بالمظهر نفسه الذي هو عليه في المسلسلات وفي الأماكن العامة،

علماً بأن ياسر العظمة قد سبق له أن قام بأداء بعض الأدوار المسرحية لصالح المسرح العسكري في دمشق في الستينات من القرن الماضي من دون أي شعر مزيف، وقد بدأ على شعره حينها التعب والضعف وربما كانت «باروكته» هي الأقدم بين الفنانين الذين يعتمدونها عربياً.

أما الفنان الكوميدي المصري سمير غانم فهو الآخر لم يسبق له أن تخلى عن شعره المستعار الذي ظل يمنحه الشباب والحيوية على الرغم من أنه يقف الآن على أعتاب الرابعة والستين من العمر، وكما هي بدايات ياسر العظمة ظهر سمير غانم في بعض الأعمال السينمائية والمسرحية من دون شعر مستعار، وتحديداً أثناء تقديم عروضه مع طاقم ثلاثي أضواء المسرح، حيث يعتبر أحد أعضائه المهمين.

وخلال منتصف فترة التسعينات تخلى سمير غانم عن شعره لأجل عيون ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق، وفي الدور الدرامي الذي جسد فيه شخصيته في أحد برامج الفوازير خلال شهر رمضان، وقد كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي تخلى فيها غانم عن شعره، أو ذلك الشعر المستعار الذي يضعه على رأسه.

أما أحمد ماهر الممثل المسرحي التلفزيوني الذي قدم العديد من الأعمال الدرامية بالشعر المستعار، فقلة قليلة من الناس يعرفون أنه يضع «باروكة» على رأسه، وقد فاجأهم في الفيلم السينمائي «ناصر 56» مع المخرج محمد فاضل بأنه يجسد واحدة من شخصيات الفيلم من دون شعره، والطريف أن الناس اعتقدت انه قام بحلق شعر رأسه من أجل الدور، ولكن الأمر كان على العكس تماما.

والسؤال هنا هل يضحي الفنان بسمعة شكله في حال أراد المخرج أو تطلبت الشخصية التي يقدمها أن يكون حليق الرأس؟الفنان السوري جمال سليمان وبعد أن اعتمد على« باروكة» ثابتة لمدة تزيد على أربع سنوات، أدرك أن الشخصيات التي يقدمها أو سيقدمها تحتاج إلى واقعية،

لذا لابد من ترك الشعر المستعار، تحديداً في الأعمال الاجتماعية، وبهذا صرنا نستطيع مشاهدته الآن في أحدث أدواره التي تقدم على الشاشة بشعره الطبيعي، ونستطيع بالصور أن نقول تحت كل صورة من صور جمال (قبل، وبعد).

الممثل السوري فراس إبراهيم قدم عدداً من الأدوار الدرامية بشعره الأساسي، ولكنه نزولاً عن رغبة المخرج هيثم حقي في مسلسل «خان الحرير» قام بوضع قطعة من الشعر اللاصق في مقدمة رأسه الأمر الذي راق له في وقت لاحق، وصارت هذه القطعة جزءاً لا يتجزأ من شعره في الأعمال الدرامية وفي الحياة العادية من دون أية مشكلة لديه في هذا.

ولسلوم حداد رأي خاص في هذا الموضوع، فهو على العكس من كل زملائه نادراً ما ترى شعراً على رأسه، وبالمقابل لا يمانع في ارتداء الشعر المستعار في العمل الدرامي الذي يقوم به، ولكنه ليس على استعداد لارتدائه في الحياة اليومية التي يعيشها بين أهله وأصدقائه.

ويعتبر سلوم حداد من أكثر الفنانين السوريين حلقاً لشعورهم وقد فعل هذا غير مرة في الأعمال الدرامية التي قام بأدائها، وخير تجسيد لهذا مسلسل «الكواسر» وقد حلق شعره تماماً بناءً على طلب المخرج نجدت أنزور. والطريف أن الممثل يقوم بتجديد شعره وأسنانه فيما تجد «كرشه» متدلية أمامه فأين هو هذا الاهتمام بالشكل؟

أذكر أن جاك نيكلسون النجم الهوليوودي الشهير قال مرة : «لا أقيم اعتباراً للآراء التي تنتقد شكلي وهيئتي أو لون شعري، ولا أخاف من المشاهدين إلا عندما يجدون جسدي قد ترهل أو كنت أضعف من أن أقنعهم أثناء أداء حركة ما». وحينما ينتهي هذا كله تسأل أحدهم: لماذا تفعل هذا بمنظرك؟ فيجيبك بسرعة: ماذا أفعل أنا لا اكذب ولكني أتجمل!.

تحقيق: جمال آدم

Email