الفلسطينيون وتحديات الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد الأول من أبريل مراسيم انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي. ويأمل الفلسطينيون من خلال هذا الانضمام إمكانية ملاحقة إسرائيل قضائيا، غير أن ذلك أمر صعب دون تقديم دلائل قانونية.

في بداية مارس/آذار الجاري وعقب اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، تقرر وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بكافة أشكاله مع منح الرئيس محمود عباس حق التصرف في هذا القرار كرئيس للسلطة التنفيذية في منظمة التحرير، وهي المخولة بتنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس المركزي. وركزت هذه الاجتماعات التي استغرقت يومين على تقديم الدعم الكامل لعباس للمضي قدما في ملف انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق المتورطين في جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية. وورغم الاحتجاج الأمريكي والإسرائيلي، تقدم الرئيس الفلسطيني بالفعل بطلب الانضمام للمحكمة الدولية بعد يوم واحد من رفض مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، كان الغرض منه تحديد سقف زمني لإقامة الدولة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات. ووقع الجانب الفلسطيني بداية العام الجاري اتفاقية روما التي تسمح بالانضمام إلى محكمة لاهاي الدولية إضافة إلى نحو عشرين معاهدة واتفاقية دولية. والآن تقام يوم الأربعاء الموافق للأول من أبريل/نيسان 2015، مراسيم قبول انضمام فلسطين إلى المحكمة، يحصل فيها الجانب الفلسطيني على كتاب رسمي بشأن الانضمام. وسيتيح ذلك للفلسطينيين طلب التحقيق في "جرائم" يعتقد أن إسرائيليين ارتكبوها في حقهم.

رد الفعل الإسرائيلي

جاء رد الفعل الإسرائيلي غاضبا على خطوات محمود عباس، فقررت الحكومة الإسرائيلية في الرابع من يناير/كانون الماضي تجميد أموال السلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب والتي توظفها في تسيير أعمالها ودفع رواتب عامليها. كما أعلنت إسرائيل في رد فعل انتقامي أنها ستبحث سبل توجيه ملاحقات بارتكاب جرائم حرب ضد زعماء فلسطينيين. وتقول الباحثة مارغريت يوهانسن في معهد الأبحاث للسلم والأمن في قسم العلوم السياسية بجامعة هامبورغ الألمانية أن الخطوة الفلسطينية "بالنسبة للإسرائيليين كانت تحركا أحادي الجانب. في حين وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على التوجه إلى الأمم المتحدة، بعد فشل جميع المفاوضات الثنائية". الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، حليفة إسرائيل الأولى، اعتبرت الخطوة الفلسطينية "غير مثمرة" و"تقويضا" لعملية السلام، كما طالب نائب في الكونغرس تقليص حجم المساعدات المخصصة للسلطة الفلسطينية.

الإصرار الفلسطيني

في غضون ذلك، "أصر الجانب الفلسطيني المضي قدما نحو انتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية"، كما تضيف مارغريت يوهانسن، موضحة "ليس المهم أن تتم محاكمة شخص في نهاية المطاف ولكن الأهم أن تطرح قضايا جرائم الحرب للبث فيها". منذ الثالث عشر من يونيو/حزيران الماضي أصبحت الجنائية الدولية الجهة الرسمية المخولة للنظر في مثل هذه الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية سواء من طرف فلسطينيين أو إسرائيليين.

وضمن ملف طلب الانضمام، قدم الفلسطينيون شكاوى لملاحقة إسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم إنسانية بحق مدنيين فلسطينيين. وقد أعقب ذلك إعلان المدعي العام للجنائية الدولية فتو بنسودة بدء تحقيق أولي، تُنشر تطوراته على موقع إلكتروني تم تخصيصه لمواكبة "التحقيقات الجارية حول فلسطين". وبالموازاة لذلك دعا الرئيس محمود عباس إلى تشكيل لجنة وطنية من مؤسسات أهلية وحقوقيين ومن أكاديميين لجمع بيانات تدعم موضوع الشكوى المقدمة.

انعكاسات على المستوى الداخلي

جميع هذه المعطيات تجر إلى التساؤل حول ما إذا كانت الأمور ستصل بالفعل إلى إجراء محاكمات بحق جنود أو مسؤولين إسرائيليين. ويبقى الرد على هذا الجواب رهين بمدى توفر القرائن والدلائل القانونية اللازمة لذلك. التحدي الأكبر يتجلى في مدى استعداد إسرائيل للتعامل مع الجنائية الدولية وتزويدها بالمعلومات اللازمة، كما تقول فلنتينا إزاروف أستاذة القانون الدولي بجامعة بيرزيت رام الله، ملاحظة أنه سيتم "النظر بعد ذلك إلى كيفية تعامل المؤسسات الفلسطينية المختلفة مع مثل هذه القضايا".

ويعني هذا التصريح أن ذلك سيكون رهن بمدى قدرة حكومة الوحدة الوطنية التي تمّ إنشاؤها في أبريل/ نيسان 2014 على تقديم المعلومات المتعلقة بأحزاب وجماعات لا تنتمي إليها، ومن دون تلك المعلومات لا يمكن فتح تحقيقات. الجانب الفلسطيني أيضا مجبر على تقديم معلومات حول موضوع الاستيطان، هذا الملف الذي يعتبره الفلسطينيون أنه يشكل العائق الأول أمام عملية السلام. إضافة إلى كل ذلك يحتاج المحقوقون الدوليون إلى معلومات حول ما حدث أثناء وبعد حرب غزة 2014.

الأهداف الفلسطينية على المستوى الداخلي

لن يكون لانضمام فلسطين إلى محكمة لاهاي نتائج على مستوى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني فحسب، بل قج تنعكس أيضا على المستوى الداخلي حيث إن أطرافا مختلفة ستسعى إلى الاستفادة من هذه الخطوة. فحركة حماس بقطاع غزة تدعم تحركات الرئيس محمود عباس في هذا الاتجاه، بيد أنها هي أيضا مهددة بالانزلاق إلى دائرة الاتهامات. وعبرت أساتذة العلوم السياسية مارغاريت يوهانسن عن اعتقادها أن حماس قد ترى في ذلك "فرصة للظهور في صورة معتدلة مقارنة بمنافسيها الأكثر راديكالية".

Email