تحليل اقتصادي: إستراتيجية الطاقة الأوروبية والفرص العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوجه الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية. تُرى ما هي فرص الدول العربية لتزويد السوق الأوروبية بمزيد من النفط والغاز، لاسيما وأن هذه السوق لا تعتمد بشكل قوى على الطاقة العربية.

مع بدء الأزمة الأوكرانية الحالية ازدادت المخاوف مجددا من احتمال توقف إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي الأوكرانية. وتزود روسيا دول الاتحاد بأكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز والنفط. ويعتمد الاتحاد على الخارج في استيراد ما يزايد على 35 بالمائة من احتياجاته. وتعد النرويج والجزائر وليبيا (خلال عهد القذافي) من أهم الدول المصدرة للطاقة إلى أوروبا بعد روسيا.

سياسة أوروبية جديدة للطاقة

تبعية الاتحاد الأوروبي للخارج فيما يتعلق بمصادر الطاقة من جهة، واشتداد حدة الأزمات في مناطق استخراجها ومرورها من جهة اخرى دفعت الاتحاد إلى تكثيف جهوده من أجل إتباع سياسة جديدة تهدف إلى مزيد من تنويع هذه المصادر. ومما يعنيه ذلك تقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية. وعلى هذا الأساس أعدت المفوضية الأوروبية خلال النصف الثاني من فبراير/شباط 2015 مسودة إستراتيجية جديدة تهدف إلى إقامة اتحاد أوروبي للطاقة يعمل على "مواجهة التبعية وضمان أمن الإمدادات والاستدامة وتوفير القدرة التنافسية للموسسات الأوروبية". وجاء في الورقة أن ضمان أمن الإمدادات يفرض تنويع مصادر الحصول عليها وتعدد الموردين وطرق الاستيراد. وسيناقش وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي المسودة المذكورة أوائل مارس/ آذار 2015 بهدف بلورة نقاطها قبل إقرارها وبدء العمل بها.

أي دور للنرويج وشمال أوروبا؟

كثر مؤخرا الحديث عن مصادر جديدة للطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ومع تعطل مشاريع نقل النفط والغاز من آذربيجان ووسط آسيا إلى اوروبا برز اسم النرويج والولايات المتحدة وكندا كموردين للمزيد من الغاز والنفط. غير أن المشكلة تكمن في أن النرويج القريبة من الاتحاد ليس لديها احتياطات كافية من مصادر الطاقة لتلبية الطلب المتزايد في الأسواق الأوروبية. أما الولايات المتحدة وكندا فإن لديهما احتياطات ضخمة للتصدير إلى أوروبا، لاسيما بعد التزايد السريع في إنتاج النفط الصخري من الحقول الأمريكية والكندية بسبب تحسن تقنيات استخراجه. غير أن المشكلة بالنسبة إلى أوروبا تكمن في ارتفاع تكاليف نقل مصادر الطاقة عبر الأطلسي بسبب البعد الجغرافي والحاجة إلى بنية تحتية لضغط الغاز وتسييله ونقله في سفن عالية التكلفة ومجهزة حصرا لذلك. كما أن الموانئ الأوروبية لم تجهز بعد لاستقبال مثل هذه السفن. ويزيد من صعوبة الأمر الحاجة إلى بنية تحتية لنقل وضخ حمولة السفن عبر شبكات الطاقة الأوروبية.

أهمية مصادر الطاقة العربية لأوروبا

ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة من شمال أمريكا ومحدودية الاحتياطات النرويجية، إضافة إلى توقف مشاريع جر النفط والغاز من وسط آسيا يعني بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ضرورة التوجه جنوبا، أي نحو أفريقيا والشرق الأوسط للحصول على المصادر المطلوبة. ومما يعنيه ذلك أن الدول العربية سواء في شمال أفريقيا أو في منطقة الخليج لديها فرص هامة لتوريد المزيد من النفط والغاز ومصادر الطاقة الأخرى إلى الاتحاد الأوروبي. وهنا تبدو الجزائر في مقدمة الدول العربية المرشحة لتزويد أوروبا بمزيد من الغاز والنفط على ضوء الاضطرابات المتسمرة في ليبيا وغياب الاستقرار السياسي فيها. ويدل على ذلك توجه الشركات الألمانية بشكل متزايد للمشاركة في مشاريع النفط والغاز الجزائرية. وبالنسبة للمغرب وتونس هناك جهود أوروبية من قبل الحكومات والشركات لإقامة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة الشمسية من أجل تزويد الأسواق المحلية والتصدير إلى أوروبا.

فرص لتعاون أفضل مع الخليج

على صعيد دول الخليج، ورغم أنها تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، فإن صادراتها من النفط والغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي ما تزال متواضعة للغاية، فالسوق الألمانية التي تعد أكبر سوق أوروبية، لا تستورد على سبيل المثال سوى 4 بالمائة من احتياجاتها من نفط الخليج. غير أن الاستراتيجية الأوروبية الجديدة في مجال الطاقة تحمل في طياتها التوجه نحو الاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة العربية حتى من منطقة الخليج بسبب رخص تكاليف الإنتاج فيها وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي بشكل سريع خلال السنوات العشر الماضية. يضاف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى دول الخليج كحليف استراتيجي لها في المجالين السياسي والاقتصادي. ولعل تكثيف زيارات المسؤولين الألمان والأوروبيين إلى دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرا أحد مؤشرات التوجه الأوروبي نحو الاعتماد على مصادر الطاقة العربية بشكل أقوى. كما أن المشاركة المتزايدة للشركات الألمانية في مشاريع الغاز والنفط القطرية والخليجية خطوة هامة لتحقيق ذلك.

Email