قوم عاد عبرة لمن يعتبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 21 رمضان 1423 هـ الموافق 26 نوفمبر 2002 قوم عاد: سجل القرآن الكريم بوصف لقوم عاد دقيق للغاية حتى ينتبه من يأتي بعدهم ويتعظ ويكون قوم عاد عظة فى تاريخ الأمم المسجلة فى القصص القرآنى ، ولنقترب بتاريخ هذه الأمة الذى بعث فيها الله جل شأنه سيدنا هود ليرشدهم إلى الطريق المستقيم إذ كان قوم عاد يعبدون التماثيل الذين ينحتونها ويشركون بالله شركاً عظيماً فقد جعلوا هذه التماثيل آلهة مع الله جل وعلا وفى هذا كان ضلالهم فى العقول وضلال فى القلوب وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم فى قوة الأجسام والطول والشدة حيث كانوا عمالقة أقوياء إلى الدرجة التى قالوا فيها كما ذكر الله عنهم فى سورة فصلت آية 15 «وقالوا من أشد منا قوة» صدق الله العظيم. وهكذا كانت صفات قوم عاد التفاخر والتباهى بقوتهم وتعاظمهم على باقى خلق الله ممن حولهم من القبائل ونسوا أن الله وحده هو القوى وأن الله وحده هو العظيم وأخبرهم سيدنا هود بما جاء فى سورة هود الآية 50 «ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره» صدق الله العظيم. وهذه الآية يقولها جميع الأنبياء والرسل والشهادة الأولى إلى الاسلام وإلى جميع الأديان السماوية ولكن حرفها الرهبان فإن الله وحده لا شريك له وكان لابد أن يفكر قوم عاد فى أن الله أعطاهم بسطة فى الجسم وشدة فى البأس وأن الله أسكنهم الأرض التى تمنح الخير والزرع وأن الله وحده هو الذى أرسل عليهم المطر الذى يحيي به الأرض ولكن الشيطان دخل أجسامهم ليروا أنهم أقوى من على الأرض جميعاً فأصابهم الكبرياء وزادوا فى العناد والغطرسة والتعاظم على نبيهم سيدنا هود ثم قالوا له بما جاء فى سورة هود الآية 53 «وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين» صدق الله العظيم وبهذا التحدى الذى قاله قوم عاد لنبيهم الكريم هود لم يبق أمام سيدنا هود إلا التوجه إلى الله وحده فهو رجل واحد يواجه قوماً غلاظاً شداداً حمقى يتصورون أن أصنام الحجارة التى صنعوها بأيديهم هى آلهتهم وأخبرهم سيدنا هود بأنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوماً غيرهم وسوف يستبدل بهم قوماً أخرين وهو ما أشارت إليه الآية 56، 57. «فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً ان ربى على كل شيء حفيظ» صدق الله العظيم. وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم وتوكل على الله الذى خلقه وأدرك أن العذاب وقع بمن كفر من قومه هذا قانون من قوانين الحياة على كوكب الارض فإن الله يعذب الذين كفروا مهما كانوا اقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة فكل خلق الله عبيد له. عاد الأولى: ذكر الله تعالى عن قوم عاد انهم عاد الأولى وذلك فى سورة النجم آية 50 «وأنه أهلك عاد الأولى» صدق الله العظيم وعاد الأولى هى قوم هود الذى حق عليهم الهلاك بإحدى جنود الله الأشداء وهى الريح والتى تعمل بقدره الله وحده لا شريك له فى هذه القدرة سواء كان ذلك بالنسبة لقوة الريح أو اتجاهها أو سرعتها فالصنعة هى صنعة الله عز وجل ولا هيمنة للإنسان من قريب أو بعيد على هذه الريح إلا فيما ينتفع بها فى حركة الحياة. والريح إن لم تكن ناطقة بالكلام دائماً ناطقة بالعمل فإنها تعمل كالرسل فهى تأتى بالبشرى حينما تحمل السحاب الثقال إلى بلد ميت ليحيي بها الأرض بعد موتها وهو ما اشارت إليه الآية 9 من سورة فاطر «والله الذى أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور» صدق الله العظيم. كما وأن الريح تأتى كنذير وخير شاهد على ذلك ما قامت به فى الزمان البعيد حيث أهلكت قوم عاد وبما جاء فى سورة الحاقة آية 6 «واما عاد فأهلكوا بريح صرر عاتية» صدق الله العظيم. ما شكل هذا الهلاك لقوم عاد؟ لقد هبت الريح بصفير شديد ذات صوت عال فارتعشت الطيور وهربت بعيداً عن جو المعركة القادمة فهى تعلم بأن هذه ريح السموم التى لا تبقى ولا تذر واهتزت الأشجار لتميل إلى اليمين ثم إلى اليسار فإلى الشرق ثم إلى الغرب ولكن لا مفر وعليها الصمود فيما ابتلاها الله ثم جاءت الريح على قوم عاد وارتعش الانسان من الجلد إلى اللحم إلى العظام إلى النخاع ثم فر قوم عاد إلى الخيام ليختبئوا داخلها ولكن تطايرت الخيام فى الهواء وتمزق جلد قوم عاد إنها رياح الدبور التى لا تمس شيئاً إلا وقتلته بل أهلكته ودمرته وامتصت قلبه وجعلته كالرميم استمرت الريح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط وهو ما أشارت إليه سورة الحاقة آية7 «سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية» صدق الله العظيم. نجا سيدنا هود ومن آمن معه وهلك الجبابرة بريح الدبور وأنزل الستار على عاد الأولى فهل سكنت الريح بعد هذا التاريخ أم استمرت فى عملها إلى يومنا هذا إن الريح تنتظر أمر الله تعالى لتحطم كل من نسى الله ونسى ذكر الله ونسى ان الله هو الحى القيوم الذى لا يموت وأنه هو مدبر الأكوان وأنه بكل شيء عليم وقد جاءت كلمة الرياح لفعل الخير بينما جاءت كلمة الريح للمدلول على الشر ولذلك فإن الرياح للبشير بينما الريح للنذير. عاد الثانية والثالثة والرابعة: لم يحدد لنا القرآن الكريم من هم أهل عاد الثانية والثالثة والرابعة ولكن بعد أن تعرفنا على صفات قوم عاد الأولى وهى الغطرسة والتعاظم وإذا بطشوا فإنهم جبارون وقلوبهم خالية من الرحمة وتتكرر صفات قوم عاد الأولى مع معركة الزمن فأفاد بعض علماء التفسير أن عاد الثانية تنطبق على قوم ثمود فجاءتهم صيحة واحدة قضت عليهم وهو ما أشارت إليه الآية 31 من سورة القمر «إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر» صدق الله العظيم. انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة وانقضت الصيحة على الجبال التى كانوا يعيشون فيها فهلك كل شيء حتى أنها كانت صرخة واحدة لم يكن أولها يبدأ أو أخرها يجيء حتى كان كفار قوم ثمود قد صعقوا جميعاً صعقة واحدة. وماذا عن قوم عاد الثالثة وهى قريبة من عصرنا حيث ألمانيا الهتلرية بنفس صفات قوم عاد الغطرسة والتعاظم والتكبر والتجبر وكان لجيشها فى الاستعراضات مشية يطلق عليها مشية الأوزة حيث يقوم الجندى الهتلرى بضرب الأرض بكعب الحذاء ليسمع المشاهدون لهذا الاستعراض القوى ضرب النعال الأرض وقامت الجيوش الهتلرية باكتساح اوروبا كلها وعلى رأسها فرنسا فى خمسة أيام ثم دار الزمن دورته وانتهى هتلر وانتهت قوم عاد الثالثة بما تحمل من صفات الغطرسة والجبروت والتعاظم. ولقد تعرض الأسطول البحرى للقوات الأميركية الذى كان يعمل فى جنوب شرق الفلبين فى 12 ديسمبر سنة 1944 لريح الدبور فحطمت الأسطول البحرى بعدد 19 سفينة ما بين طرادات ومدمرات وحاملات طائرات وتتطاير هذا الأسطول البحرى العملاق فى الهواء وكأنه قطع من الورق أو لعب أطفال وانتهت المعركة بين ريح الدبور والأسطول الأميركي بخسائر فادحة حيث قتل ما يزيد على ألف ضابط وبحار فهل كانت ذلك هى عاد الرابعة وخاصة انها استخدمت فيما بعد القنابل الذرية على جزيرة هيروشيما ثم تلتها بقنبلة ذرية أخرى على جزيرة نجازاكى فى أغسطس 1945 وكان قتلى الجزيرتين يزيد على ربع مليون نسمة تحولوا فيها الناس إلى عجينة بانصهار جلودهم وعظامهم فطمست وجوههم وانتهت الحياة على الجزيرتين ويبقى السؤال ان الله أخبرنا بقوم عاد الأولى وترك العدد مطلق لتتوالى أقوام أخرى من نفس أحفاد قوم عاد الذين يتميزون بالغطرسة والتعاظم والقوة فهل للإنسان القدرة على الهروب من عقاب الله ومن أسلحة الله على التى لا تعد ولا تحصى ولم نذكر منها سوى نوع واحد وهو الريح فما بالنا بالأسلحة الأخرى كالصيحة وكالمذنبات والنيازك والزلزلة والطوفان والبحر المسجور ثم نوع آخر من جنود الله الأشداء وهى الميكروبات من الجمرة الخبيثة إلى الايدز إلى المجهولات وليس أمام الانسان إلا طلب المغفرة والرحمة من رب العالمين.

Email