القصص الحق ـ ناقة صالح

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 7 رمضان 1423 هـ الموافق 12 نوفمبر 2002 يقول الحق سبحانه وتعالى: «وياقوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب»[هود] حينما يقال: هذه ناقة الله فهذا دليل على أنهم طلبوا من صالح معجزة وأن الله استجاب لرسوله وأعطاه المعجزة التى طلبوها. فقد قالوا لصالح إن كنت رسولاً حقاً فأت لنا من هذه الصخرة بناقة. وسبب طلبهم الناقة من الصخرة أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً وفى الآية يقول تعالى: «وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين»[الشعراء: 149] فكان قوم صالح ينحتون من الجبال بيوتاً وعندما تذهب بين الشام والمدينة تجد مدائن صالح منحوتة فى الجبال لقد قالوا له: نريد أن تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة والله سبحانه وتعالى أجابهم فانفلقت الصخرة وخرجت منها ناقة والناقة حامل على وفق ما طلبوها لم يكن فى استطاعتهم فى هذه الحالة أن يكذبوا الآية التى حدثت أمامهم لأنها رؤية عين ورؤية يقين فهم لا يستطيعون التكذيب لما حدث أمامهم ولكنهم ينتقلون إلى الآية نفسها فيعقرونها وهم يعتقدون أن هذا إبطال للمعجزة لأن الناقة بعد أن عقروها لا تستطيع السير فيقولون هذه آية باطلة. قوله تعالى: «وياقوم هذه ناقة الله»[هود: 64] وعندما تسمع شيئاً منسوباً إلى الله سبحانه وتعالى اعرف أن له عظمة من عظمة المضاف عندما نقول مثلاً هذا بيت الله فإن المعنى ينصرف إلى الكعبة والمسجد بيت الله لأنه خصص له قطعة من الأرض لا يتم عليها إلا ذكر الله وعبادته ولذلك فهى أرض الله خالصة لعبادة الله ولا يزاول فيها أى عمل دنيوى ولكن الفرق بين بيت الله فى مكة وبين مساجد الله فى الأرض أن الكعبة هى بيت الله باختيار الله والمساجد هى بيوت الله باختيار خلق الله ولذلك كان بيت الله باختيار الله، وكل بيوت الله باختيار الله. فعندما نقول (ناقة الله) فهى ناقة باختيار الله ومادامت منسوبة إلى الله سبحانه وتعالى فإنها تأخذ العظمة المناسبة. وفي السيرة أن ابن أبى لهب كان متزوجاً من بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما اشتد العناد بين أبى لهب والرسول صلى الله عليه وسلم قال له أبوه: لابد أن تطلق ابنة محمد فطلقها فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما معناه: أكلك كلب من كلاب الله وسمع أبو لهب بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله إنى لأتوجس شراً من دعوة محمد على ابنى، وخرج أبو لهب وابنه فى قافلة وكانوا إذا جاء الليل ينيمون ولده فى مكان وحوله كل رجال القافلة ويجندون الحرس حوله لأنهم خائفون من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرة وهم نيام إذا بأسد يقفز من فوق الرجال ويأكل ابن أبى لهب فتحققت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كلب الله أسداً. يقول الحق سبحانه وتعالى: (وياقوم هذه ناقة الله لكم آية). معجزة طلبتموها فحققها الله سبحانه لا تستطيعون تكذيبها لأنها حدثت أمامكم وخرجت الناقة من الصخرة تحد لمراحل الخلق لأن الكائنات الأرضية إما جماد وإما أن يأخذ الجماد صورة النمو فيصير نباتاً أو يأخذ صفة الحس والحركة فيصير حيواناً أو يأخذ صفة الفكر فيصير إنساناً هذه أجناس الوجود. وكان من الممكن أن تخرج شجرة من الصخرة فى كون هذا إعجازاً ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يخرج نباتاً من الصخرة بل أخرج حيواناً ناقة تحمل فى بطنها جنيناً أى إنها حملت وهى حجر، وما دامت ناقة الله ومعجزة طلبتموها فحققها الله لكم وجعلها مشهودة منكم فحافظوا عليها لا تتعرضوا لها حين تشرب وحين تأكل اتركوها. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: «فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب». فهى ناقة الله اتركوها ترعى ذلك فسيأتيكم عذاب الله وسيكون قريباً. وهكذا أعطاهم العظات كلها لقد أردتم اية فجاءتكم ناقة الله تحمل جنينها فى بطنها كما طلبتم تماماً وكانت معجزة مشهودة لا تتعرضوا لها أو تمسوها بسوء وإلا أتاكم العذاب من الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى حين طلب الكفار اية ويحققها مشهودة لهم ولا يؤمنون بها يحق عليهم العذاب، ماذا فعلت ثمود؟ وجدوا الناقة تأكل من زرع الكفار فتمسحه مسحاً وتأتى لزرع المؤمنين فلا تقربه وإذا شربت شربت كمية من الماء بحيث لم يبق فى الآبار إلا اليسير فيأتون هم ليرووا فى اليوم الثانى فلا يجدون ماء ويأتى اليوم الثالث فتمتليء الآبار بالماء. فقد حدد الله سبحانه وتعالى أن للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم لم يستطيعوا الاحتمال فعقروها، فقال تبارك وتعالى: «فقال تمتعوا فى داركم تلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب» [هود: 65] عندما عقروا الناقة قال لهم صالح عيشوا ثلاثة أيام لن يمسكم فيها شيء ثم يأتى وعد الله بالعذاب فى اليوم الرابع، يقول الحق سبحانه وتعالى: ( فلما جآء أمرنا)[هود: 66] ولم يقل فلما جاءت الصاعقة أو الصيحة بل جاء الأمر من الله بالعذاب، وهو أمر مطاع لأن الحق سبحانه وتعالى له الأمر كله يقول للشيء: كن فيكون. والحق سبحانه وتعالى يقول: «فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين أمنوا معه برحمة منا» الفاعل واحد هو الله سبحانه وتعالى والأمر واحد فكيف ينجو المؤمنون ويهلك الكافرون؟ هذه هى عظمة الخالق سبحانه وتعالى يبطل طبائع الأشياء أو يمضيها، وقد ألقى إبراهيم عليه السلام فى النار ولو كان المراد ألا يحترق إبراهيم فى النار لما مكن الله خصومه منه فأمسكوا به أو لأخفاه عنهم ولكنه مكنهم منه واشعلوا النار ولو أن الله سبحانه وتعالى لا يريد إحراق إبراهيم لنزلت السيول وأطفأت النار، ولكن الله تعالى أبقى النار مشتعلة وأخذوا إبراهيم وألقوه فيها. لأن الله تعالى يريد أن يقطع عليهم سبيل المعاذير فلا يقولوا لو أمسكناه لأحرقناه ولكنه أفلت منا أو يقولوا: لو لم ينزل المطر لبقيت النار مشتعلة ولكن خالق الأشياء يغير طبيعتها متى شاء ولذلك أصدر الله تعالى أمره إلى النار «قلنا يانار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم» [الأنبياء] وهكذا كانت الصيحة أو الريح أو الرجفة، فالقوم كلهم موجودون فى مكان واحد كافرهم ومؤمنهم. تأتى الصيحة فيهلك الكافر وبجواره المؤمن لا يحدث له شيء لأن الله سبحانه وتعالى هو الآمر لكل خلقه.

Email