شاعر العذوبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعطى عبدالرحمن الأبنودي نيل مصر طعم البرتقال، ومنح عشاق الغيطان شهادات في عذوبة المعنى ببساطته ورقة تعابيره التي لا تحتاج إلى الكثير من الوقت لتصل القلب ولتجسر الطريق بين الأجيال؛ ليتناقلوا كلماته من زمن إلى زمن، ومن شوق إلى شوق، ولهفة إلى لهفة.

قصائده الوطنية لفتت الأنظار، لكن كلماته العاطفية التي شداها مطربون من عصر الجمال والنبالة علقت في الأذهان، ولطالما كان يعيش كاتب الأشعار الغنائية في مناطق الظل، بينما يتقدم صوت المغني الصفوف، وقلة من هؤلاء المغنين الذين يشيرون في مقدمة حفلاتهم إلى اسم كاتب الأغنية، العندليب الأسمر كان لديه ذلك التقليد. لم يكن الأبنودي شاعراً مجهولاً..

فقد صدح بكلماته عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة ووردة وشادية وصباح، وأخيراً محمد منير، وقبل هؤلاء جميعاً المطرب الشعبي محمد رشدي الذي كان الأبنودي يحمل له تقديراً خاصاً، وتعد أغنيته (تحت الشجر يا وهيبة) قمة في الوجدان الشعبي؛ لما تحمله من طاقة تعبيرية عفوية (تحت الشجر يا وهيبه.. يا ما كلنا برتقان / كحلة عينيك يا وهيبه / جارحه قلوب الجدعان / الليل بينعس على البيوت وعلى الغيطان / والبدر يهمس بالسنابل والعيدان / يا عيونك النايمين ومش سألين / وعيون ولاد كل البلد صاحيين).

رغم بساطة معانيها، حمل صوت محمد رشدي أغنية كهذه إلى كل عشاق الفن، وبقيت في الذاكرة لأعوام طويلة، ومثلها بقيت أغنيات (عيون القلب)، و(مال عليّ مال)، وغيرهما في الوجدان العربي، لأنها نابعة من عمق الفطرية والعفوية التي لا تكلف فيها، كذلك كانت حياة الأبنودي، فهو ليس شاعراً إيديولوجياً ترك صوته على متغيرات الزمن السياسي، إنه شاعر شعبي قيمته في استمرارية زمنه طالما رددت الحناجر روائعه البسيطة.

Email