ثورات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثورة الاجتماعية أكثر أهمية من الثورات السياسية أو العسكرية، مقولة مررت عليها ذات يوم وبقيت حاضرة في ذاكرتي، حتى جاء اليوم الذي باتت فيه الثورة الاجتماعية ضرورة ملحة كي يحصل التغير المنشود. ولعل ما تحتاجه الثورة السورية هو التغير في المحتوى كي تصبح الأرضية ممهدة لحركة أكثر شمولية من مجرد ثورة ضد نظام أو فساد سياسي أو عسكري فقط.

درجة الوعي الاجتماعي تحدد حاجة الناس إلى أنواع الثورات، مثلاً ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917، والثورة الكوبية 1958، حيث نقلت الملكية الرأسمالية (أو ما قبل الرأسمالية في بعض الأحيان) إلى نظام ملكية ما بعد الرأسمالية، والثورات الدينية (إيران نموذجاً) أو الثقافية (الصين)، أو الثورات الشاملة (الفرنسية 1789) والتي قامت في فترة تحولات سياسية واجتماعية كبرى في التاريخ السياسي والثقافي لفرنسا وأوروبا والعالم.

الثورة الاجتماعية هي مصطلح واسع الدلالة تبعاً للجغرافية التي تحتاج الثورة، وهي تختلف عن الثورة السياسية المحضة، التي تقوم بتغيير شكل ونظام الحكم، وكثيراً ما تصطدم الرغبات الطوباوية لمفكري الثورات بضيق الأفق الاجتماعي، فعلى سبيل المثال (يريد البعض ثورة في سوريا مع الحفاظ على نخب سياسية وعسكرية في السلطة بحجة الوطنية). هنا واحدة من المعضلات الكبيرة التي تعيق أي تغير اجتماعي، لأن تلك النخب تتجاور مصالحها مع منظومة الفساد، وتتغذى منها وتتخم عليها.

الثورة في محصلتها العامة تهدف إلى إعادة تنظيم المجتمع كله، وليست حركة الحقوق المدنية الأميركية، والهيبيز وحركات الإصلاح المضادة والهوية الشخصية وحرية التعبير والموسيقى والفنون والأزياء، إلا ثورات اجتماعية (سليمة)، ولكن محتواها مختلف، ثورات تشبه الاحتجاج الثقافي بطاقة تعبيرية خالية من العنف.

لكن وإن اختلفت أهداف الثورات، إلا أن فيها من العمق والدلالة ما يستحق الالتفات، وخاصة أن بعضها ذهب نحو العنف والتطرف والتكفير.. ودق الأعناق!

Email