بين المطارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

العائدون هذه الأيام من صيفهم، سيدركون معنى تلك الساعات الطويلة التي يمضيها المسافر في المطارات، أو على مقاعد الطائرة في رحلات طويلة تمتد لساعات وساعات، معنى أن يكون المسافر بلا رفيق سفر، أو ما خلده المتنبي (خير جليس في الأنام كتاب).

من منا لم يلاحظ الكتب بين أيدي المسافرين، أينما اتجهوا كتابهم بين أيديهم، ومطاراتهم يتصدر محلاتها الكتاب الأكثر مبيعاً، عادة من الصغر يتوارثها مسافرو الغرب، ليس للتثقيف والاطلاع فقط، بل حتى لا يزعجوا الآخرين بأصواتهم وثرثراتهم، وأغنياتهم، القراءة تعلمهم الصمت، والإصغاء للأفكار العظيمة، لأنها قادت العالم بهدوء نحو ثورة المعرفة.

يثور العالم كلما أحس بركود المياه في البحيرة، ينتبه العلماء والفنانون والمثقفون إلى حاجة البشرية لثورات معرفية ومدارس فكرية وفنية، فيسارعون نحو سد ما تطلبه من أمواج تغير حركة الماء، لذلك كان القارئ الإلكتروني واحداً من أهم الاختراعات، حيث يمكن للإنسان أن يحمل مكتبة بكاملها من مطار إلى آخر، ومن جغرافيا إلى جغرافيا.

مشهد القُراء عبر المطارات، يمنح إحساساً بقوة العقل المعرفي، لأن المعرفة تنتصر على الشر، وتقصي الأشرار إلى كهوفهم، هؤلاء الذين لا مكان لهم على خريطة العالم سوى البطش بكل من يخالف نظرتهم للحياة، هؤلاء عددهم قليل، لكن وجودهم مؤذٍ، أعداء المعرفة لا يقرؤون ولا يصغون لعظمة الفكر، هل نقلد من لا يقرأ ويطلع، أم نسد حاجة الأسئلة الكثيرة في حياتنا عبر المطالعة؟.

الجواب شاهدناه جميعاً في مطارات العالم، حيث القراءة ليست مجرد عادة اجتماعية، بل حماية ثقافية للفكر والروح، وتحريض على المزيد من الثقة بالنفس، ليكتمل المشهد الحضاري، وتتعاضد مع كل مفردات الحياة، فما معنى القوة دون معرفة، وما معنى الثراء دونها، وما معنى الوجود إذا لم نتلمس خطوات الضوء في ليل يعيدنا إلى عصور من الظلام.

Email