أما قبل

أعداء الحضارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشهد عناصر «داعش» وهم يحطمون شواهد القبور والمقامات منذ أيام في الموصل، لا يختلف عن المشهد ذاته، عندما حطموا تمثالاً للخليفة هارون الرشيد في الرقة أو لأبي العلاء المعري في معرة النعمان، وهم ذاتهم الذين فجروا تماثيل بوميان في أفغانستان، وكأن ريح الحقد على الحضارات هبت هبوباً على الشرق فملأت رئتيه بالغبار.

المشهد يكبر ويتطور وينتقل من جغرافية لأخرى، وكأن عدوى ضربت الشرق فتحول من شرق فجّر الحضارات إلى مدمر لها، لا ينتج سوى الجهل والفقر والتخلف، ويزيد عليها ما شاء من حز للرقاب وهدم للأضرحة، واعتداء على الكرامات وتقليل لقيمة الإنسان، ناهيك عن صورة قاتمة للإسلام يعيد تصديرها إلى العالم، لتحل محل الإسلام المتسامح والعقلاني.

لقد صدمت «داعش» مخيلة العالم عندما تفوق بضعة آلاف من مقاتليها على مئات الآلاف من دولة القانون، واجتاحوا ثلث العراق في عدة أيام بطريقة بثت الرعب في القلوب، ولسان حال الناس الأبرياء يستغرب: لماذا لم تحمنا الدولة من هكذا غزو، ولماذا دول كهذه تستقوي على مواطنيها بحجة توفير الأمن لهم، ولكنها في النائبات قليل!

لا يكفي أن تكون وريثاً لحضارة، بل يجب أن تكون جديراً بها، قادراً على حمايتها ورد الأعداء عنها، العراق الذي يُدمر اليوم، وتُهجر أعرق عائلاته، يبعث برسالة شديدة السواد إلى العالم الذي أصبح الشرق عبئاً ثقيلاً عليه، وأخشى أن يذهب قادته نحو ما قاله رابين ذات يوم «أتمنى أن أصحو فأجد أن قطاع غزة قد ابتلعه البحر». أن يستيقظوا من سباتهم ليجدوا أن شرقنا اختفى عن الوجود. قبل أن يقرع أعداء الحضارات أبوابهم.

Email