أول منزل امتلكه طه حسين..واشتراه من يوسف وهبي

«رامتان».. واحة فكر عميد الأدب العربي

متحف طه حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

صاحب بصمة خاصة في الثقافة العربية لدرجة أن أطلق عليه «عميد الأدب العربي»، إذ كان مثقفاً شاملاً استطاع الإلمام بالعديد من العلوم التي برع فيها ولم يكتف بتعلمها؛ بل قام بدور اجتماعي وسياسي كبير في إنهاض المجتمع المصري وتنوير العقل العربي، وهو صاحب شعار «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن».

بعد وفاة الدكتور طه حسين قررت وزارة الثقافة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي تحويل منزله الذي يحمل اسم «رامتان» إلى متحف ومركز ثقافي يضم العديد من الأنشطة الثقافية والفنية ويكون حلقة استقطاب للجمهور وللمبدعين.

يعود أصل «رامتان» إلى اللغة العربية، فهي مثنى لكمة «رامة»، وتعرف في البادية بأنها المكان الذي يستريح فيه المسافر أثناء تجواله، وقد أطلق عميد الأدب العربي هذا الاسم على منزله لشعوره بالراحة فيه واتساعه ورحابته، كما أن «رامتان» تعني مسكنين؛ إذ أسس طه حسين منزلين: الأول لنفسه وزوجته الفرنسية، والآخر لمؤنس نجله وزوجته ليلى العلايلي حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي.

لم يقف «رامتان» عند زمن طه حسين فقط، إذ انطلق ليكون واحداً من أهم المراكز الثقافية، يقدم العديد من الندوات الثقافية ويستضيف أبرز المبدعين. ولا يقف جمال المركز - البيت، عند الفعاليات الثقافية التي يقدمها؛ بل يشتم زائره رائحة أدب طه حسين ويتخيل مكان عميد الأدب العربي وكيف عاش في هذا المنزل وتحرك فيه، لا سيما أنه أحب التجول في حديقة المنزل.

أصل وتاريخ

يعود المنزل إلى عام 1955، وهو أول منزل يملكه طه حسين في حياته بعد أن اشتراه من الفنان يوسف وهبي، وكان يتكون المنزل من دورين وحديقة واسعة مليئة بالأشجار الغنية بالثمار، وعاش في هذا المنزل عشرين عاماً حتى وفاته في عام 1973م.

ظل المنزل ملكاً لورثة طه حسين حتى قررت وزارة الثقافة المصرية تحويله إلى متحف ومركز ثقافي تخليداً لذكراه؛ حيث اشترته الوزارة من الورثة تمهيداً لافتتاحه متحفاً ومركزاً ثقافياً في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، مستغلة في ذلك وجود المنزل في أحد شوارع حي الهرم الهادئة بمحافظة الجيزة.

وهو شارع هادئ يتلاءم مع ملامح المركز وحالته الثقافية الهادئة التي يبحر فيها بعيداً عن تيار السرعة الذي يتسم به العصر الحديث.

1994

وضع المهندس المعماري جمال بكري تصميم المتحف دون مقابل، وتم الافتتاح الرسمي عام 1991م بعد أن أهدت أسرة طه حسين جميع محتويات منزل الأديب الراحل إلى الدولة، بما في ذلك الأوسمة والميداليات والنياشين والقلادات والشهادات الخاصة بعميد الأدب العربي، وفي عام 1994م بنت وزارة الثقافة مركزاً ثقافياً تابعاً للمتحف في جزء من الحديقة الغربية.

تصميمات وسكينة

أول شيء تقع عليه عينا زائر المكان تمثال لرأس الدكتور طه حسين، في مقدمة المتحف، نحته الفنان عبدالقادر رزق عام 1936م، ويوفر مدخل المركز حالة من السكينة ومشابهة مع حالة الهدوء التي كانت تنتاب عميد الأدب العربي لحظة دخوله إلى حديقة منزله (مركز رامتان حالياً).

وحين يبدأ الزائر في التجوال داخل أركان المتحف المكون من طابقين سيجد سلماً بسيطاً يحيله إلى الدور العلوي؛ لينقله إلى غرفة المعيشة وغرفة نوم طه حسين التي كانت تضم بين جدرانها جائزة حقوق الإنسان التي حصل عليها من الأمم المتحدة، وكتبت بعدد من اللغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية).

تحيل غرفة نوم طه حسين إلى غرفة نوم زوجته سوزان وغرفة نوم ابنهما مؤنس التي تضم مكتبه أيضاً، كما يوجد في الدور العلوي غرفة الموسيقى والاستماع، التي كان يستمع فيها طه حسين وزوجته، وسيجد الزائر أيضاً الكرسي الذي كان يجلس عليه عميد الأدب العربي وقاعة الطعام البسيطة التي تشابهت ملامحها مع ملامح منزله البسيط، فضلاً عن المكان المخصص لابنه مؤنس.

أما المركز فهو أيضاً مكون من طابقين: الأول به غرفة المائدة المستديرة وغرفة الاجتماعات (أو المنصة).

وكذلك ساحة الاستقبال، أما الدور العلوي فيوجد به قاعات متنوعة، يستهلها الزائر بصالة المدخل، وبعد ذلك مكتبة المركز التي تضم آلاف الكتب والمراجع بلغات مختلفة ما بين العربية والأجنبية، ويجاورها قاعة الاطلاع المفتوحة للزائرين. يحدها من اليمين غرفة الكمبيوتر التي تتيح للزائر الاطلاع والتواصل مع الشبكة العنكبوتية، ويأتي مكتب الإدارة في أقصى يمين الدور العلوي.

يجاور المركز منزل طه حسين، ويأتي هو الآخر في طابقين: أرضي وعلوي، ويأتي المنزل على طراز بسيط غير متكلف تلاءم مع طبيعة أسرة عميد الأدب العربي، ويقع تمثال لطه حسين في استقبال المنزل.

المكتبة

يزخر المركز بمكتبة طه حسين التي خلفها من بعده وتضم مؤلفات عميد الأدب العربي إلى جانب ما أحب أن يقرأه من كتب باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.

وتتراوح الكتب ما بين المؤلفات البسيطة والمجلدات وصولاً إلى أمهات الكتب الضخمة، ويصل عدد الكتب إلى 6859 كتاباً؛ منها 3725 باللغة العربية و3134 باللغات الأجنبية، كما تضم المكتبة تمثالاً لطه حسين مصنوعاً من البرونز وهو يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية.

أنشطة

يقدم المركز أنشطة متعددة، بداية بالندوات والسهرات الأدبية والأمسيات الشعرية، فضلاً عن فتح أبواب المركز أمام المعارض التشكيلية، إلى جانب أكثر الأنشطة أهمية في المركز.

وهي مسابقة رامتان السنوية للشباب التي وصلت إلى دورتها الـ16 في عام 2016، وتختص المسابقة في مجالات القصة القصيرة والدراسات النقدية والشعر أيضاً، وتعتبر المسابقة شمولية وتقدم فرصة للشباب لإطلاق مواهبهم وإبداعهم، حيث تشترط المسابقة للتقديم فيها ألا يزيد عمر المتقدم على 35 عاماً؛ لتكون فرصة سانحة للشباب، من دون منافسة الكبار.

ويتقدم المئات من المبدعين الشباب في كل عام للمسابقة التي انطلقت منذ 16 عاماً مع بداية افتتاح المركز، وباتت واحدة من المسابقات الأدبية المميزة للمبدعين الشباب.

كما يعنى المركز بأمسيات التكريم الخاصة بالمبدعين والمفكرين والفنانين، مثل أمسية تكريم أمل دنقل والرئيس الراحل جمال عبدالناصر والقاص سعيد الكفراوي والفنان التشكيلي عز الدين نجيب، وغيرهم من المبدعين.

احتواء

وكان «رامتان» بمثابة حلقة ثقافية أو صالون أدبي يحتوي العديد من المثقفين والمبدعين في الخمسينيات والستينيات من القرن الـ20، حيث شهد انعقاد عديد من الصالونات الأدبية التي كان لها نصيب من الحوارات الثقافية العميقة، أمثال صالون العقاد وصالون مي زيادة، وكان من أبرز رواد هذه الصالونات توفيق الحكيم ويوسف السباعي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وحافظ إبراهيم.. وغيرهم، فضلاً عن بعض الكتاب الفرنسيين، كالكاتب الفرنسي أندريه جيد.

رؤية

قيّم رئيس ملتقى السرد العربي الدائم في القاهرة، الدكتور حسام عقل نشاط مركز رامتان الثقافي، بأنه خطوة مهمة لزيادة رقعة الثقافة في مصر ومن الأماكن القليلة التي لا تزال تعمل وسط الصعوبات والموارد البسيطة التي تكفلها المؤسسات الثقافية في مصر.

وعن تجربته مع المركز، قال لـ«البيان»: «شاركت في المركز على مدار ثلاثة أعوام من خلال عقد ندوات وفعاليات ثقافية، إلى جانب المواسم الثقافية التي كانت تلقى حضوراً ومشاركة كبيرين من جمهور المثقفين ومحبي الثقافة والمعرفة، وطرحنا العديد من القضايا التي تشغل الرأي العام في الساحة الثقافية وكيفية ربط الثقافة بالمجتمع، إلى جانب استضافة عديد من رموز الفكر والأدب».

«معك».. شهادة رفيقة العمر سوزان بريستو

تتحدث زوجة طه حسين سوزان بريستو في كتاب «معك» الذي تسرد فيه رحلتها مع زوجها الراحل عميد الأدب العربي فتقول إن «المنزل كان حلماً قديماً لهما ولم يتحقق إلا في عام 1956 عندما بلغ طه حسين من العمر 66 عاماً.

وكانت مدرسة الفنون الجميلة القائمة بالقرب من البيت الذي نسكنه في الزمالك تطالب بهذا البيت لتجعل منه ملحقاً لها، فقررنا بناء فيلا تضم شقة مستقلة يسكن فيها مؤنس وزوجته ليلى، ولما كنا نريد حديقة كبيرة وكان هذا مستحيلاً في الزمالك فاتجهنا نحو طريق الأهرام».

وتضيف قائلة: «وعندما أردنا تسمية هذه الدار طلبت والأولاد من طه أن يساعدنا في البحث في النصوص الأدبية القديمة عن اسم لها، وهكذا عثرنا على رامتان، ويعني مثنى رامة، والرامة هي موضع الراحة في البادية عندما تسير قافلة من القوافل وتستريح في مكان ما فإنه يسمى رامة».

شاهد على العصر ومرآة لمواقف الأديب الراحل الوطنية

لم يكن رامتان مجرد منزل وجدران يعيش طه حسين وأسرته بينهما، بل هو منزل شاهد على العصر، في هذا المنزل التقى طه حسين بأعضاء لجان مجمع اللغة العربية بعد أن انتخب رئيساً له خلفاً للأديب أحمد لطفي السيد، كما شهد المنزل مراسم منحه قلادة النيل، وشهد احتجاجه على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م؛ إذ قام برد وسام «اللجيون دونور» الذي منحته له الحكومة الفرنسية من طبقة «جراند أوفسييه» كنوعٍ من مظاهر الاحتجاج.

يحتوي المنزل على 36 وساماً ونيشاناً حصل عليها عميد الأدب العربي من الدول العربية والأجنبية، تقديراً لدوره العلمي والثقافي، وأهدت أسرة حسين هذه الأوسمة إلى الجهات المعنية بعد بيع المنزل وتحويله إلى متحف يحمل اسمه، إلى جانب ضم المنزل 579 وثيقة ما بين شهادات وبراءات متنوعة بين اللغة العربية واللغات الأجنبية.

Ⅶوزارة الثقافة حولته إلى متحف ومركز بعد وفاة طه حسين تقديراً لمكانته

Ⅶاحتوى على الصالونات الأدبية لكبار الأدباء أمثال: عباس العقاد ومي زيادة

Ⅶ20 عاماً والمكان شاهد على ثورته الثقافية ونجاحه واحتجاجاته السياسية

Ⅶمكتبته تضم 6859 عنواناً متنوعاً بين العربية واللغات الأجنبية

Ⅶطابقان يعكسان حياة طه حسين كما عاشها ويضمان مقتنياته وأوسمته

Ⅶأنشطة فنية وثقافية يحتضنها حالياً بموازاة مسابقة سنوية في مجالات الإبداع المختلفة

Email