أوزبكستان..من الهيمنة «السوفييتية» إلى الاستقلال

دولة آسيوية مسلمة نجحت في حفظ هويتها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1938 نشر عالم الجغرافيا السويدي «ﺴﭭن هيدين» كتابه الشهير تحت عنوان«طريق الحرير»، ويومها بدأ أهل السياسة وعلماء الجغرافيا والتاريخ يستعيدون معالم هذا الطريق شبه الأسطوري الذي كان.

ولايزال، يشق مساره عبر المفازات الفاصلة بين أصقاع الشرق الأقصى- اليابان والصين، عابراً في ذلك مساحات بغير حصر مغطاة بحشائش الإستبس وصولاً إلى السواحل الشرقية من البحر الأبيض المتوسط. ووقت صدور كتاب المفكر السويدي «هيدين» كانت هذه الساحات الممتدة حول أرباض وسط آسيا..

خاضعة لسيطرة مُحكمة ونفوذ سلطوي من جانب الكرملين الروسي- أو بالأدق السوفييتي حيث شهدت ثلاثينيات القرن الماضي- كما هو معروف- ذروة الحكم الديكتاتوري الذي فرضه «الرفيق» جوزيف ستالين على ذلك الكيان الذي حمل يومها اسم«الاتحاد السوفييتي» وكان يشمل، إلى جانب روسيا الأم كما كما كانوا يسمونها – كيانات تابعة أخرى تضمها منطقة آسيا الوسطى، وفي مقدمتها: أوزبكستان.

وفي دائرة الضوء الذي سلط أخيراً على جمهورية أوزبكستان أصدر البروفيسور أديب خالد، أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعات الولايات المتحدة، واحداً من أحدث كتبه تحت العنوان التالي: صنع (إقامة) أوزبكستان.

وفي تصورنا أن هذا الكتاب يكتسب أهميته باعتباره دراسة أكاديمية رصينة، يمكن أن تزود القارئ العربي- المسلم بقدر وافر من المعلومات الأساسية عن الجمهورية الوسط- آسيوية التي تستند إلى تراث عريق وثرّي من تاريخ تزّينه وتنير معالمه عقيدة الإسلام التي لا تزال تجلياتها ماثلة بدورها في ضمير السكان.

وأيضاً من المواريث العقيدية والفكرية والبحوث الكلاسيكية فضلاً عن ذخائر المعمار المسلم وخاصة مساجد العبادة ودور العلم وصولاً إلى تطوّر ونضوج هذا الكيان الأوزبكي منذ ظهور أوزبكستان على خارطة القرن العشرين، وخاصة في عام 1924 على نحو ما يوضح مؤلف الكتاب.

ويذهب مؤلفنا أيضاً إلى أن علاقة، ومن ثم هيمنة، موسكو الشيوعية على أوزبكستان إبّان الحقبة السوفييتية التي أشرنا إليها، لم تكن بالأمر السهل ولا بالجهد الميسور. إذ يقول: صادفت مقاومة وحروباً وثورات قامت بها قطاعات شتى من شعوب الأوزبك المسلمة، وفي غمارها احتدمت الصدامات بين مثقفي الأوزبك .

ومن كان يعايشهم عبر عقود القرن المنصرم من زمرة البلشفيك- الشيوعيين، وهو ما أفضى بمؤلف الكتاب إلى أن يخلص، بحق وموضوعية أيضاً، للقول بأن أوزبكستان المعاصرة لم تكن من صنع السياسات السوفييتية بل جاءت وتطورت ونضجت واكتهلت بوصفها .

– كما يؤكد مؤلفنا- مشروعاً قام على أمره جموع الأنتلجنسيا – صفوة المثقفين ونخبة المفكرين من أبناء هذا الصقع الآسيوي، وهو المشروع الذي ظلت ركائزه متمثلة في إنضاج وتطوير العلاقة الحيوية بين عقيدة الإسلام وبين تطور مسيرة الحضارة عبر عقود القرن العشرين وما بعدها.

ولا يفوت مؤلف الكتاب أن يركز على دعوته الموجهة إلى جموع الباحثين والدارسين لجمهورية أوزبكستان وجاراتها من جمهوريات هذا المحور الآسيوي.

– لكي تنطلق بحوثهم من: بدايات وإلى مآلات الواقع المحلي- الوطني- القومي- العقائدي في تلك الجمهوريات الآسيوية- المسلمة بالذات- دون التعويل التقليدي على السرديات والمقولات والطروحات الموروثة عن المصادر السوفييتية بكل تحيزاتها الفكرية والإقليمية والآيديولوجية بطبيعة الحال.

وهكذا، تركز بحوث الكتاب على ما يصفه المؤلف بأنه حالات ومراحل ومظاهر الاحتكاك الذي ظل محتدماً عبر سنوات القرن العشرين وبصورة جماعية، بين جماهير ومثقفي الأوزبك وبين «الأشخاص السوفييت» القادمين من المتروبول الشيوعي في موسكو وهم يحملون في جعبتهم إعلام وهيمنة الكرملين الشيوعي.

صحيح – يعترف مؤلفنا- أن صراع السوفييت القادمين من روسيا السوﭭييتية مع الأوزبكيين من أهل الوطن الآسيوي المسلم، كان يصدر عن رغبة في تحديث الجمهورية الأوزبكية وخاصة في مجالات البحث العلمي والممارسات التقنية.

وصحيح أن حقبة ستالين بكل عنفها، بل دمويتها، شهدت حالات صارخة من الاستبداد الديكتاتوري ضد الشعب والعنصر الأوزبكي، إلا أن النضال الشريف الذي انطلق منه هؤلاء المثقفون من أبناء آسيا الوسطى- ما لبث أن أنتج- كما يؤكد المؤلف أيضاً- ثمرات يانعة، وباقية أيضاً في مسيرة النضال الأوزبكي.

وفي سجل الإبداع الفكري والمواريث الثقافية التي ظلت مستندة إلى التراث الروحي- الحضاري للعقيدة الإسلامية، وهو ما أتاح لأوزبكستان منذ العقد التسعيني المنصرم أن تشّيد جسوراً وطيدة وممهدة لمسيرتها كجمهورية مستقلة، لها شخصيتها الوطنية وطابعها الروحي وتفردها العقائدي، إضافة إلى تزويدها بالقدرة اللازمة على استشراف المستقبل.

Email