الكون الزجاجي.. هارفارد وقياس النجمات

قصص إنسانية تروي الإسهام النوعي للمرأة في مسارات العلوم وتواريخها

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد أواخر القرن التاسع عشر، تحول علم الفلك من علم رسم خرائط النجوم إلى دراسة حركتها، وقياس مدى سطوعها، وتحديد تركيبتها الكيميائية. وشكل مرصد هارفرد واجهة تلك الخطوة التقدمية، بفضل ريادته في استخدام الصورة، والأهم بفعل توظيف طاقم من النساء «الحواسيب» لتفسير تلك الصور. وتجمع دافا سوبيل في كتابها « الكون الزجاجي: كيف أخذت سيدات مرصد هارفارد قياس النجمات « بين العلم والسيرة الذاتية وتاريخ تكريم تأخر موعده لمجموعة نساء لامعات ساعدن في تغيير طريقة فهمنا للكون.

وتضاهي خبرة سوبيل في رصد موضوعات واعدة تميز عالمات الفلك الاستثنائيات اللواتي تكتب عنهن في الكون الزجاجي في رصد النجوم المتغيرة. تترجم سوبيل المعلومات المعقدة إلى قضمات طيّعة منكّهة بقصص ذات اهتمام إنساني، فتجعل العلوم الصعبة مستساغة للجمهور العادي. ويلقي كتابه الأخير الضوء على دور المرأة المساء تقديره في تاريخ العلم.

أما النساء اللواتي عملن في مرصد جامعة هارفرد في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لم يوصفن بعالمات الفلك بدايةً، واستغرق الأمر عقوداً طويلة قبل أن تكسبهن «القفزات الجبارة في معرفة الكون» المكانة والاعتبار. لقد كنّ مساعدات، أو «حواسيب» بشرية، ماهرات حسابياً، متفانيات في مراقبة النجوم، وتحولن فيما بعد إلى التخصص في مجال الفيزياء وعلم الفلك ودراسة ..وغير ذلك.

وتشير سوبيل في الوقت عينه إلى أن «عبيدات هذا الروتين بالإرادة» كنّ محظوظات بالحصول على عمل في ميدان ندرت فيه الفرص المتاحة للنساء. كما وفقن في العمل تحت رعاية شخصين من أصحاب الفكر التقدمي هما إدوارد بيكرينغ وهارلو شايبلي اللذين توليا تباعاً إدارة المرصد في الفترة الممتدة بين أعوام 1877 و 1952. وقد تضمنت مساعيهما الريادية في علم الفلك بتأسيس المنح البحثية والبعثات الأكاديمية تحديداً للنساء، الموازية لعمل المرصد الرائد في تصوير ودراسة أطياف النجوم.

وتصور سوبيل بوضوح كوكبة الأشخاص المتشابكة والمتضامنة اللازمة لفك ألغاز النجوم وأسرارها

وتبين أنه يعتبر إقدام وتفاني النساء اللواتي لا يزلن يحظين باحترام كبير في هذا المجال موضع إعجاب وتقدير. وقد كنّ في السنوات الأولى متزوجات بعملهن، لتعمل معظمهن بعد فترة الكساد الكبير إلى الموازنة بين الزواج والأولاد والعمل لستة أيام في المرصد.

استقدمت ويليمينا فليمينغ، التي كانت تشغل وظيفة معلمة في بلدها الأم اسكتلندا، للعمل كخادمة لدى عائلة بيكرينغ بعد اختفاء زوجها، الذي تركها في «وضع حساس». إلا أنهم لاحظوا مدى قدراتها لحسن الحظ. وتمكنت على امتداد عشرات السنين من رصد وتصنيف ما يزيد عن عشرة آلاف نجمة باستخدام مخطط استحدثته بنفسها، ونجحت في اكتشاف عشر مستعرات (نجمات جديدة) وأكثر من 300 نجم متغير. وأصبحت في العام 1899، بإصرار من بيكرينغ نفسه أول امرأة تتولى رسمياً أول منصب في جامعة هارفرد، لتشغل في عمر الثانية والأربعين موقع القيّم على الصور الفوتوغرافية الفلكية.

لم تتوسع سوبيل كثيراً بتناول هذه النقطة، إلا أن سجل جامعة هارفرد المتعلق بالنساء في مجال العلوم لم يكن ممتازاً حتى حلول العام 2005، حين عزا رئيس الجامعة آنذاك لورنس سامرز بشكل مثير للجدل، تدني مستوى تمثيل العالمات النساء في الجامعات المرموقة إلى الفروقات الطبيعية بين الجنسين. وعلى الرغم من عرائض شايبلي المتكررة لم تحصل آني جامب كانون، خريجة جامعة ويليسلي الحائزة على اعتراف عالمي بمخطط التصنيف المنقح الذي لا يزال قيد الاستعمال لليوم، على لقب رسمي من هارفرد حتى العام 1938، أي قبل ثلاث سنوات فقط من وفاتها.

وعلى نحو مماثل أمعن رئيس جامعة هارفرد أبوت لورنس لويل في رفض توظيف سيسيليا باين غابوشكين في الكلية على الرغم من أطروحتها الرائدة عام 1925 التي خولتها نيل شهادة الدكتوراه في علم الفلك من جامعة هارفرد، الأولى من نوعها التي تمنح لامرأة. وجاهدت سوبيل بدافع الضرورة في كشف طبيعة اكتشافات عالمات الفلك وإنجازاتهن، بأسلوب يتسم بالكثير من الوضوح في معظم الأحيان. وإنه فيما يتعلق بتلك النساء، فإن شجاعتهن وإصرارهن وعمق رؤيتهن وإدراكهن جعل كتاب الكون الزجاجي يشع تألقاً بإيجابية.

الكتاب:

الكون الزجاجي: كيف أخذت سيدات مرصد هارفارد قياس النجمات

تأليف:

تأليف: دافا سوبيل

الناشر:

فايكينغ 2016

الصفحات:

336

القطع:

المتوسط

The Glass Universe: How the Ladies of the Harvard Observatory Took the Measure of the Stars.

Dava Sobel

Viking 2016

PP 336

Email