4 قصص ومجموعة معايشات تعكس قضايا مجتمعية

«ليلة البلور».. خيوط الواقع وعوالم التساؤل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شخصية في طابعها وذاتية محضة في هواجسها ربما تبدو لنا توليفات القصص التي تشتمل عليها مجموعة الأديب البحريني، عبد القادر عقيل، الجديدة، «ليلة البلور»، في استهلالاتها.

إلا أن الإبحار أكثر في عوالمها وفضاءاتها السردية يجعلنا نطل من نوافذ عديدة، على الكثير من المجريات والمسائل الحياتية والمجتمعية العامة، لنغوص معها في جوانب قضايانا العربية المصيرية، وما أفرزته من معاناة وويلات لا نزال ندفع ثمنها كأشخاص ودول، إذ لا يتوقف سيل مشروعات استهدافنا عبر خطط خبيثة، أينما حللنا وكنا.

يختار عقيل لقصصه الأربع، عناوين هي عبارة عن أرقام: «1-2-3-4». وتبدأ أولى قصصه مع صورة يرسمها لحال كاتب وناشط بينما هو في الطائرة ومتوجه نحو باريس، إذ يتعرف فجأة إلى مضيفة كانت توليه كبير الاهتمام، ومن ثم يفاجأ بعد تبادل الحديث معها أنها صاحبة نزعة عدوانية خفية تجاه العرب.

وهو فعلياً ما يتثبت له على أرض الواقع لاحقاً، بعد أن تتحول رحلته تلك، التي كان يعتزم من خلالها المشاركة في إحدى الفعاليات، إلى قصة اختطاف مريرة، بعد أن تختطفه مجموعة تابعة لإحدى الجهات، فيشرع مسلسل معاناته وخضوعه للعذابات والتحقيقات، لكون هؤلاء، ومعهم تلك المتزعمة الشقراء، التي صادفها في الطائرة، يتهمونه بالإجرام والتآمر على مصالح الدول.

وتتضح في هذه القصة، بجلاء، تلك التقانة الكبيرة للكاتب في التوصيف وحكي تفاصيل المشاهد بدقة، فهو يحيلنا معها وفي صياغاتها وعلى جناحي التشويق، إلى مطارح متنوعة ومواقف وأحاسيس بانورامية.

وأما في القصة 2، فنطل على مروج عابقة بالتأمل والتفكر في حال البشر وعن وجودنا ومصائرنا، ويتبدى هنا مدى العمق في التفكير والتساؤل لدى الكاتب، عبر تقليبه جملة تساؤلات يحاول معها التعرف إلى الكثير من الأشياء الغامضة والساكنة المحيطة بنا. وفي معمعة هذا التوجه، يحكي لنا المؤلف عن الموت واللامبالاة، وتفشي العبث، وعن أهوال الفقد والنهايات الموسومة بالمعاناة والحزن.

مآسي الحروب وجراحاتها وفتكها بالناس وما تخلفه من كوارث، يطرقها المؤلف عقيل في أسلوب جاذب ذكي يعرض في خضمه لمعاناة أسرة تسقط في دوامات الحزن والويل والنكبات، بفعل قصف مدينتها بالطائرات والقنابل الذي طالها بكبير الأضرار، ذلك بعد أن كانت في رغد وهناء عيش، وأفرادها يشغلهم التعلق بالقراءة والحياة.

وهكذا ينقلنا الكاتب إلى مفاصل كثيرة في هذي المعاناة، ليطلعنا على حال الناس بينما يصدون النار والقصف بأجسادهم العارية، ويختم عقيل قصته : «شعرتُ بانقباضٍ في معدتي، وصعوبة في التنفس، كنتُ أختنقُ، وأصبتُ بدوارٍ شديد، وبدأت أفقدُ الوعي. شاهدتُ مئات الأطفال يتقدمون نحوي، كلّ يحملُ في يده عصفوراً ميتاً، كانوا يبتسمون ويرددون بصوتٍ واحد: (يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن حال)».

حلم وكلمة تتردد في ذهنه بقوة «كونستنانتلي»، يقودان الكاتب/‏‏بطل القصة، في رابع القصص ضمن المجموعة، إلى مطارح لا تنتهي ملأى بالتساؤلات والتخمينات، تبحث عن جوهر الذات، فتحاول كشف الأقنعة وتكشط القشور.

وفي هذا الخضم، يظهر لنا البطل غارقاً في استسلامه لليأس وخائر القوى: «أصبحتُ أخاف من النوم، أنا لا أمزح معكَ يا هذا، تتسلّطُ عليّ فكرة أنّني سأصاب بمرضٍ ما، ولن يكتشفه الأطباء في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى الجلطة في المخ، أو ما يسمّى بانخفاض مستوى الناقات العصبيّة في الدماغ، هذا يجعلني أشعر بضجيجٍ في رأسي وبأصواتٍ تزعجني .

ولا تدعني أنام، لا أدري قد أكون مصاباً بالسرطان، أو ارتفاع ضغط الدم الشرياني، في كلّ الأحوال أنا أنسانٌ مريض، أعيش أيّامي الأخيرة، فلماذا تطاردني وتجبرني على شرب القهوة، القهوة مضرّةٌ بصحتي، أرجوك اتركني في حالي، هَاتِف ابني كي يأتي ويأخذني إلى البيت».

الكتاب: ليلة البلور/‏‏‏‏قصص

المؤلف: عبدالقادر عقيل

الناشر: أفكار للثقافة والنشر-المنامة 2017

الصفحات:

85 صفحة

القطع: المتوسط

Email