ظاهرة إبداعية قديمة مزجت بين الشعر والخط والمعمار

أدب الجـدران.. نقش شعري وفضاءات بصرية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى الباحث علي حافظ كريري في كتابه «أدب الجـدران.. قراءة في النقش الشعري وفضاءاته البصرية»، أن كتابة الشعر على الجدران، ونحوها من الظواهر التي سجّلت حضوراً لافتاً في تاريخ الأدب، ولكنها من ناحية أخرى سجّلت غياباً ملحوظاً في الدراسات النقدية.

ربما كان هذا الغياب عائداً إلى شفاهية الشعر العربي في الأصل، وسيطرة هذه الشفاهية، حتى حجبت العيون عن الوقوف عند فضاءاته البصرية التي من شأنها أنْ تثريَ القول الشعري، فتضيف إليه عناصر جديدة، وإشارات مهمة، تكشف عن نوافذ من العمل الشعري مجهولة، وتفتح للمتلقي آفاقاً واسعة من جماليات القراءة، والتأويل.

وسعى كريري في كتابه إلى الكشف عن البواعث المتعددة وراء كتابة الشعر على غير الورق، وقام بتأمّل فضاءاته البصرية، وأبعاده الموضوعية، ثم سماته الفنية التي يتسم بها في جانب الشكل. وقال: «عرف في تاريخ العرب كتابة الشعر على جدران المباني، من القصور والمصانع والمدارس والمساجد.

وكذا كتابته على الأدوات، والآلات من السيوف، والتروس، والأقلام، والمحابر، وكتابته على الأواني، والتحف، وكتابته على الفواكه، والعصائب، والمناديل، وغير ذلك كثير، وقد نبّه بعض الأدباء، والنقّاد على هذه الظاهرة، ومن بينهم إبراهيم البيهقي (ت بعد 320هـ) حيث يقول:

»وكانوا يجعلون الكتاب نقراً في الصخور، ونقشاً في الحجارة، وحلقة مركبة في البنيان، وربما كان الكتاب هو الناتئ، وربما كان الكتاب هو المحفور، إذا كان ذلك تاريخاً لأمر جسيم، أو عهداً لأمر عظيم، أو موعظة يرتجى نفعها، أو إحياء شرف يريدون تخليد ذكره، كما كتبوا على قبّة غُمْدان.

وعلى باب القيروان، وعلى باب سمرقند، وعلى عمود مأرب، وعلى ركن المُشَقَّر، وعلى الأبْلَق الفَرْد من تَيْماء، وعلى باب الرُّهاء«.

ولفت كريري إلى أن من أقدم النقوش النادرة، والمثيرة في تاريخ علم النقوش»ترنيمة الشمس أو القصيدة الحميرية«التي تعود إلى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد، على صخرة قرب قصور آل معاصر في اليمن.

ويبين المؤلف أن»في المعلقات - على مذهب مَنْ يرى أنها كتبت بماء الذهب، ثم علقت بأستار الكعبة - مظهراً من مظاهر النص الموازي «يرفع النص إلى مرتبة عالية.. وهو مبدأ يوظف عناصر غير لغوية من النص الموازي التي تذكّر بعنصر التجليد، والتزيين، والتذهيب».

ويؤكد كريري أنه في هذه الظاهرة تمازجت ثلاثة وجوه من الفن: «فن الشعر، وفن الخط، وفن المعمار». ومن أجمل الصور الشاهدة على هذا التمازج الثلاثي قصور الحمراء بغرناطة.

ويخلص المؤلف إلى أنه تَعَانَقَ الشعرُ مع الوعاء الذي كتب عليه في أكثر الأحيان، فظهرت وجوه كثيرة لهذا العناق، كما جاء الوعاء الشعري في أحيانٍ قليلة مجرد وسيلة لإيصال الرسالة، حاله كحال الورق. كما أن السمة الفنية الغالبة بدت على نصوص الغربة هي لغة الزمن.

وتجلّت من خلال الاستفهام الخارج عن دلالته الأولية إلى التعبير عن أزمة في الشعور، وحيرة في العقل، وتجلّت حركة الزمن أيضاً عبر الجمل الفعلية التي تناسب الاضطراب، وعدم الاستقرار الذي يعيشه الغريب.

الكتاب: أدب الجـــدران.. قراءة في النقش الشعري وفضاءاته البصرية

إعداد: علي حافظ كريري

الناشر: مؤسسة أروقة مع نادي نجران الأدبي الثقافي- 2016

الصفحات:

453 صفحة

القطع: المتوسط

Email