صراعات فئوية ترسخ النزاع والتنافس لأجل «الغنيمة» لا الوطن

«قبائل تونس» والعودة إلى صدارة المشهد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطرح الكاتب والباحث التونسي محمد علي الحباشي، لكتابه «عروش (قبائل) تونس»، تفسيرات وتحليلات معمقة في تبينه ودراسته دقائق ومفاصل وضع القبائل التونسية، ويقدم لبحثه: من إفرازات ثورة 14 يناير 2011 عودة الثمرة العروشية «القبائلية»، بعدما كان في الحسبان أنه بعد ستين سنة من الاستقلال لم تعد هناك من مرجعيات غير مرجعية الانتماء إلى الوطن، لكن في غمرة ما كانت تعتبره قطعاً مع العروشية، وما تبقّى من الهياكل المتقادمة كمدخل لتحديث المجتمع وتعصيره، لم تهتدِ دولة الاستقلال إلى ملء الفراغ الذي تركته بعض تلك الهياكل، لا عن طريق الشعب الدستورية، ولا دور الشباب والثقافة ولا المهرجانات المحلية، التي دأبت على اجترار فولكلور ساذج ممجوج باسم إحياء التراث.

يلفت الحباشي في كتابه إلى أن دولة الاستقلال التي انتهجت سياسة تحديثية ثورية، في مجالي نشر التعليم والرعاية الاجتماعية، كان عليها أن تأخذ في الاعتبار التوازنات اللازمة بين الجهات والفئات، إلا أنها لم تفعل؛ فكانت النتيجة أنها أضافت إلى رواسب العروشية نعرات شبيهة هي الجهويات، وتعني الجهوية، كما يقول المؤلف: اتجاه الدولة المركزية لمنح الجهات أو الأقاليم، سلطات إدارية واقتصادية وسياسية. كذلك ثنائية «القبيلة والغنيمة» التي لا تزال تتحكم في السلوكيات الجماعية والفردية في تونس بوعي أو عن غير وعي.

ويشير المؤلف إلى أن الزمان فعل فعله وتطورت الذهنيات بتطور المجتمع، وظلت مع ذلك أثقال الماضي والثغرات القبلية والجهوية في تناقض صارخ مع ما كانت تدعو إليه دولة الاستقلال من نبذ للعروشية.

ويقدم الحباشي الفصل الأول من كتابه، تحت عنوان «بين الحقيقة والأساطير»، ومن خلاله يستعرض العروش أو القبائل التونسية المنتشرة داخل الجمهورية التونسية وامتدادها جغرافياً وتاريخياً؛ حيث يتطرق للحديث عن ولاية «نابل»، وهي مدينة ساحلية في الشمال الشرقي بتونس وكانت مستعمرة رومانية قديمة تعود تسميتها إلى اليونانيين، وولاية «زغوان»، وكذلك جزيرة الوطن القلبي، كما يتطرق إلى ذكر المقامات والأضرحة والمراقد وقبور الأولياء.

ويركز الحباشي في كتابه على الوثائق والروايات الشفوية أيضاً، المتناثرة في أرجاء القطر التونسي حول العروش التونسية وممتلكاتهم العقارية والفلاحية، من أراضٍ زراعية ومزارع، وكذلك ما امتلكوه من عقارات، راصداً أيضاً علاقتهم بالسلطة وكيف كانت تتعامل معهم خلال فترة حكم البايات للبلاد التونسية.

ويسوق الكتاب شبه مقاربة بين وضعهم في فترة البايات وما تلاها من استعمار فرنسي للأراضي التونسية، الذي قام بترسيم حدود الممتلكات في محاولة للهيمنة والسيطرة على البلاد وتقليص صلاحيات الجميع، لا سيما العروش. كما يقدم المؤلف تحت عنوان «العروش زمن البايات»، استعراضاً لتاريخ العروش في هذه الحقبة الزمنية.

ويقدم الكتاب للقارئ ما استند إليه من أبحاث ودراسات أكاديمية وتقارير وخرائط؛ لإعانته على إدراك ما يقوم به، ولفتح المجال له فيما بعد للتعمق بصورة أكبر في الموضوع الذي طرحه في كتابه.

الكتاب:عروش تونس

تأليف: محمد علي الحباشي

الناشر: منشورات سوتيميديا- القاهرة 2016

الصفحات: 208 صفحة

القطع: الكبير

Email