شوقي أبي شقرا يتذكر: «كلمتي راعية»

سيرة تؤرخ لبروز الشعر الحداثي ونهضة الصحافة الثقافية العربية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يطل شوقي أبي شقرا على قراء العربية، بكتاب يجمع بين دفتيه الغث والسمين، مما خبره وعاشه على امتداد مسيرته الشعرية والصحافية. وهو الذي رافق موجات الحداثة في الشعر العربي.

وكان أحد أساطينها البارزين، بل أكثرهم نفوذاً واندفاعاً، بدءاً من مشاركته في تأسيس حلقة الثريا مع نخبة من مجايليه، ليحط به المقام في مجلة «شعر» إلى جانب مؤسسها يوسف الخال وأدونيس وأنسي الحاج وفؤاد رفقة ومحمد الماغوط وآخرين.

كما أنه، وقبل أن يودع جريدة النهار ثمرة إبداعه، كان قد شارك الراحل أنسي الحاج في تأسيس ملحق جريدة النهار الثقافي. وعمل لاحقاً على إصدار الصفحة الثقافية لـ«النهار»البيروتية.

فكان السباق إلى هذا الإنجاز، لتحذو سائر الصحف حذوه فتوسع صدر صفحاتها لهذه اليومية الثقافية، التي تناوب على تحبير موضوعاتها وعناوينها كتاب من لبنان والوطن العربي، إلى جانب احتفائها بترجمات لكتاب من كافة المشارب والاتجاهات.

الثابت أن شوقي أبي شقرا لم يصدر كتابه الأخير وفقاً للمنظومة التقليدية، التي تقوم عليها كتابة السير والمذكرات، من حيث الاستهلال الزماني والمكاني لأحداث عصفت بحياة كاتبيها، جامعين فيها غمار كبواتهم ونهوضهم، توازياً مع المحطات والمنعطفات التي طبعت حياتهم الشخصية والعائلية والمهنية.

جمع شوقي أبي شقرا في كتابه هذا نتفاً من سيرته الذاتية والأدبية، وإن شئنا تحديداً للصفحات الموزعة على امتداد 800 صفحة، لن نحظى بما يزيد على المئتين منها تناول فيها نشأته وعائلته والمدارس التي تعلم فيها وسيرته الشعرية والصحافية، فيما الفائض من الصفحات، عناوين وإسقاطات وشهادات في العشرات ممن عرفهم وجايلهم وعاصرهم..

قاسمهم الحبر، النبوغ والشهرة، العثرات والخيبات، أيضاً الألم والوحشة وأهوال الحروب التي عصفت بلبنان وتركت فتيلها على نار خامدة، الى مقالات سبق ونشرها الكاتب في جريدة البناء اللبنانية.. وأخرى أعدها وألقاها في مناسبات وأمسيات مختلفة ومقالات تناول كتابُها شعره، وختامها مجموعة من الصور الخاصة بالشاعر.

يستهل شوقي أبي شقرا كتابه بنص يحمل بعداً روحياً وفلسفياً، وربما شاءه كتوطئة، ليهتدي القارئ على ضوئه الى سريرة هذا الرجل وما انطوت عليه أعماقه من ترددات، تتجاوب أصداؤها في ثنايا فصول الكتاب اللاحقة، تتبعه عناوين يمر في تضاعيفها على الحيز المهم من طفولته ونشأته العائلية، فيعود الى أعوامه الأولى التي أمضاها في قريته، في كنف العائلة وبين أحضان الطبيعة.

يستعيد المؤلف صورة والده الدركي بحزامه المرخي وجزمته القوية.. ويحكي عن انتقاله بعد ذلك الى بيروت وتحديدا الى مدرسة الحكمة ليبدأ حياة جديدة قاسية، تماشياً مع نظام المدرسة الداخلي الصارم.

ينقطع السرد عند أحداث زمنية لم يبلغ فيها الكاتب بعد سن الرشد ويقفز فوق سنوات المراهقة والشباب، يتجاوزها ويحط صحافيا في جريدتي: الزمان والبيرق. الى ان جاء أنسي الحاج وعرض عليه العمل في «النهار»، ليساهم في الملحق الذي كان على وشك الصدور. وأوغل بعيداً في مهنة المتاعب، فكانت الصفحة الثقافية اليومية، خطوة لا بدّ منها لمتابعة الحدث الثقافي.

شرّع شوقي أبي شقرا الصفحة الثقافية للكتاب المكرسين ولأصحاب المواهب الشابة من الكتاب الناشئين، فكان يعمل على النصوص المعدة للنشر حفراً وصوغاً لتبلغ أوجها.

عمله في جريدة «النهار» فترة زمنية طويلة أتاح له صداقات وعلاقات كان شاهداً في بعضها على ما يعتري أهل الأدب من خلافات وخصومات، فيحضر في سياق السيرة أمين نخلة وسعيد عقل ويوسف الخال وصلاح ستيتية ورياض الريس.. ويترك فسحة من هذا الفصل لشهادات كتاب وأدباء وشعراء يلتقط من كتاباتهم بعضا مما تناولوا فيه شعره وغلب عليها المديح والثناء.

وتحت عنوان شعب «النهار» يكتب المؤلف عن الفترة التي أمضاها في جريدة النهار، فيستحضر وجوهاً وأسماءً، يبذل لغته أداة في توصيفهم وسرد ما انطوت عليه سريرتهم.

ويعبر طيف الذكريات بارقاً في خاطره، يلتقط القلم بعضها فتتكشف في سياق متقطع بعض ما كانت عليه بيروت من ازدهار فكري وثقافي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. فيطلق لذاكرته العنان.. فإلى سجالات أهل الفكر على منبر الندوة اللبنانية، مع مؤسسها ميشال أسمر، حيث كان يلتقي نخباً من المثقفين والمفكرين.

Email