الفكر السياسي الأميركي وأثره على الوطن العربي

هيمنة الولايات المتحدة على العالم توجب ضرورة إدراكنا مفاهيمها واستراتيجياتها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحاول د. جميل المعلة ومعه مجموعة من الدارسين: قيس راهي ومحمد أبو النواعير وعلي كريم وهالة ناصر، في كتاب «الفكر السياسي الأميركي المعاصر وأثره على الوطن العربي/‏ دراسة»، تقصِّي آثار الفكر السياسي الأميركي على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الوطن العربي.

فيعتبر أنَّ «نظرية نهاية التاريخ» لفرنسيس فوكوياما التي لجأ فيها إلى معطيات الفيزياء الحديثة لتبرير فكرته المتضمنة إمكانية توجيه التاريخ نحو الديمقراطية الليبرالية، مهَّدت الطريق لظهور العولمة ورسمت الأطر المتكاملة لهذه الظاهرة باعتبارها قد أقرَّت أنَّ صيرورة التاريخ في حركته الكونية وخطواته الرئيسية قد توقَّفت عند النظام العالمي الجديد ذي القطبية الواحدة (الولايات المتحدة الأميركية).

ذلك بعد انتصارها على المعسكر الشيوعي وهيمنة الرأسمالية الليبرالية واقتصاد السوق في أرجاء العالم. وهذا يعني -بالضرورة- عدم ظهور مذاهب فكرية أو معتقدات جديدة، وعدم بروز أيديولوجيات تقف بوجه السيطرة المطلقة للرأسمالية الليبرالية باعتبارها الأنموذج الذي ساد الغرب، وبالتالي فلا بدَّ لكل دول العالم أن تحاول محاكاته، ويجب عليها أيضاً أن تبقى تدور في فلكه وترضخ لإملاءاته.

فكانت (العولمة) مفتاحاً لتحقيق هذه (النظرية) التي تعطي الحق للدول العظمى أن تتدخَّل في أي مكان في العالم، وفي كل صغيرة وكبيرة، لتفرض إرادتها وعبر مجلس الأمن وهيئة الأمم. ويوجز المعلة التأثير الأميركي على الوطن العربي بالتالي: 1- الهيمنة السياسية. 2- الهيمنة العسكرية. 3- الهيمنة الاقتصادية. 4- الهيمنة الثقافية والفكرية.

ويُرجع الباحثون المشاركون في الكتاب، أصول الاهتمام الأميركي بالوطن العربي إلى عام 1842 عندما تأسَّست «الجمعية الشرقية الأميركية» بهدف تنظيم أنشطة المهتمين بالعمل الاستشراقي.. واستفاد الأميركيون من الاستشراق الأوروبي باعتبارهم وَرَثَتَهُ بعدما فهموا الأخطاء التي وقع فيها الأوروبيون، لترسيخ ركائز الهيمنة المباشرة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً ودينياً. وتجاوزوا مراحل التنوير والتحديث/‏الحداثة، إلى مراحل متقدمة أنتجت فيما بعد نظريات من نموذج: الإسلام المعتدل وصراع الحضارات ونهاية التاريخ والإنسان الأخير.

ويشرح الكتاب أنه في السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات في القرن الماضي ظهرت أطروحات وأفكار تروِّج ما يُسمى بالنظام أو السوق الشرق أوسطية. وتصاعدت بعد وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض ودعوته إلى إقامة الشرق الأوسط الكبير.

ويقف وراء هذه الأطروحات الكيان الصهيوني، أو ما يُسمى باللوبيات الصهيونية، في مراكز القرار الأميركي والأوروبي، لتمهيد وإقامة نظام يكون فيه هذا الكيان مركز جذب وصاحب القوَّة الأساسية، فيما تكون الأطراف الأخرى تابعة له، ولتفتح له الأبواب للتغلغل في المنطقة العربية، عن طريق المشاريع الاقتصادية.

وهنا وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي.. أو غياب العدو الشيوعي، كما يرى صموئيل هانتنغتون، كان لا بدَّ لأميركا من اختراع عدوٍّ جديد، حيث كثُر الحديث عن الفراغ الاستراتيجي العميق الذي انتاب الغرب وعبَّر عنه هانتنغتون: «السؤال الأكثر عمقاً الذي يهم الأميركيين في عالم ما بعد الحرب الباردة، هو: ما الغاية من أن تكون أميركياً؟» الأمر الذي دفع أميركا لتنصيب الإسلام كعدو يحلّ محل الشيوعية.

إذ لا بدَّ من وجود عدوُّ، واستفادت هنا من بعض الحركات المتشددة وتصرفاتها التي تنافي جوهر الإسلام وتناقض قيمه الحق. ويختم المؤلفون كتابهم بالتأكيد على أنَّ دراسة وفهم الولايات المتحدة وسياستها الخارجية، لم تعد ترفاً أو حباً في المعرفة والاطلاع، بل باتت ضرورة تفرضها هيمنة أميركا على قيادة النظام العالمي واعتبارها القطب الأوحد والأهم في هذا النظام، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.

ومن ثمَّ ثقل دورها كقوَّة خارجية مهيمنة على مجريات الأحداث في المنطقة العربية منذ انتصارها على العراق في حرب الخليج الثانية عام 1991 بصفة خاصة.. وبعد ذلك بدخولها كغازية ومحتلة للعراق عام 2003.

Email