القرية.. صور الحياة في الريف الروسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عمله «القرية» يبدو الكاتب «ايفان بونين» خبيراً واسع الاطلاع على الحياة الريفية في جنوب روسيا بجميع مظاهرها.. الطبيعية والبشرية، وهو مولع بتصوير كلّ تلك المظاهر حتى أدق التفاصيل، بأسلوب يقترب من المدرسة الواقعية الطبيعية في الأدب. ونجد عند الكاتب قدرة على تصوير حياة القرية المعاصرة له، حيث تجلّت في دفاعه عن الناس المنتمين إلى القاع الاجتماعي، وتصويره الناقد لمجتمع النبلاء.

والذي يحتل في قصة «القرية» مكان الصدارة هو حياة القرية ذاتها، أمّا أبطالها الذين يبدون مترفعين عن البيئة الفلاحية، فليسوا سوى مراقبين ومعلقين على الحياة في تلك البيئة. وظهر في الرواية سعي الكاتب إلى أن يخلق عند القارئ إحساساً بموضوعية الصور المجسدة فيها، وإعطاء الوقائع فرصة التحدث نفسها بنفسها.

أمّا دور المفسرّ والمراقب فتركه بونين لشخصيات من البيئة، بعيدة في أفكارها وعواطفها عن أفكاره وعواطفه. ورأى في رواية القرية: أن الفلاح الذي كان موجوداً قبل عشرات السنين، ظل على حاله، وأنّ الثورة مرّت قربه، من دون أن تغيّر حياته، ويصف الكاتب القرية وشوارعها:

خلت الساحة المغبرة التي طحنت ترابها الأقدام والعجلات والحوافر، وامتلأت بالأقذار والنفايات، التربة السوداء بعمق ذراع ونصف، تربة رائعة، ومع ذلك لا تمضي خمس سنوات من دون مجاعة، مدينة مشهورة في روسيا كلّها بتجارة القمح، ولا يأكل من هذا القمح حتى الشبع سوى فئة من أبنائها كلّهم، وما السوق ؟ فوج كامل من الشحاذين والمهابيل والعميان والعجزة، وجميعهم يبعث في نفس الناظر إليهم.. الخوف والقرف!.

ويتابع الكاتب: كلّ ما عدا ذلك ظل كما كان: الخنازير والدجاج قرب مداخل البيوت، والعصي الطويلة عند البوابات وقد علق في كلّ منها قرنا كبش.. والأطفال الحفاة الذي علّق كلّ منهم سرواله بحمالة واحدة عبر الكتف، وقد انهمكوا في إطلاق طائرة ورقية بذيل قماشي، والبنات الصغيرات البيضاوات وهن يلعبن قرب كومات الأتربة..

وطيور الدجاج تدفع عند عتبات البيوت وتحاول طمر نفسها في الوحل، والتمع حوض طيني خلف الكنيسة فيه سدّ من روث الحيوانات، مياه سميكة صفراء يتوسطها قطيع من البقر يقضي فيها حاجاته كما أراد، وفلاح عار يدعك رأسه بالصابون، أمّا جسده فكان أبيض شاحباً إلى حدّ يثير الدهشة.

تنتهي الرواية بتصوير حفلة عرس، وفي المساء، اشتدت العاصفة الثلجية، وعاد الناس إلى بيوتهم وراحت زوجة كانكا ذات الحنجرة القوية ترقص كساحر شرير، ملوحة بمنديلها، وهي تصرخ في وجه الريح والرذاذ المندفع العكر، والثلج المتساقط على شفتيها كاتماً صوتها الذئبي.

الكتاب: القرية «رواية»

ترجمة : فؤاد مرعي

تأليف: إيفان الكسيفيتش بونين

الناشر: وزارة الثقافة- دمشق 2016

الصفحات:

248 صفحة

القطع: المتوسط

Email