بين نيران السلطة والمعارضة

التراجيديا السورية.. مفاتيح فهم واقعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرسم كتاب «التراجيديا السورية – الثورة وأعداؤها»، للمفكر اليساري الفلسطيني سلامة كيلة بانوراما كاملة للثورة السورية، وذلك بعد أن يحدد الكاتب مداخله التي تشكل لنا مفاتيح لفهم الثورة السورية، فيعود للأساسات الأولى التي تجعل عملية التفكير بما جرى، أكثر وضوحاً «هل نفهم الثورة السورية بذاتها، أو نفهمها عبر انعكاسها الخارجي..

ومواقف القوى الخارجية منها؟ هل نفهمها كنتاج تكوين اقتصادي طبقي داخلي، أو كانعكاس لسياسات الآخرين، وللأوضاع الدولية؟ وبعد أن يحدد مستويات أساسية وهامة لتنظيم عملية التفكير وقراءة الأحداث دون الخلط والتجاوز بين هذه المستويات، أو التركيز على بعضها وتجاهل بعضها الآخر.

«المستوى الأول هو الجذر، وهو الأساس، ويتعلق بالتكوين الاقتصادي الطبقي، وهل أن الثورة هي نتيجة تفاقم الصراع الطبقي على ضوء التمايز الهائل بين أقلية نهبت ومركزت الثروة، وأغلبية أُفقرت؟

هنا نحن نلمس وضع «الناس»، ظروف معيشتهم ومقدرتهم على العيش. المستوى الثاني يتعلق بالتعبير السياسي عن الشعب، هل أن المعارضة هي جزء من الشعب، وتعبّر في سياساتها وفاعليتها عنه؟

أم أنها منعزلة، ولا تتلمّس مشكلات الشعب، بل تعبّر عن مصالح نخب منعزلة؟ المستوى الثالث يتعلق بوضع السلطة، طابعها الطبقي وتكوينها، وكيف أنها تمثّل فئة مافياوية تنهب وتمركز الثروة، وبالتالي تدافع عن مصالحها، ولا تمتلك المرونة؛ لكي تتنازل أو تقدّم حلولاً للمشكلات المجتمعية. المستوى الرابع يتعلق بالتوضع العالمي لسوريا، وأثر ذلك في الموقف من الثورة.

وهل أن الخلاف مع السلطة يستتبع - حتماً - دعم الثورة، أو أن الثورة هي الشرّ الذي يخيف الرأسمالية والنظم المافياوية؟ هنا ليست التصريحات هي التي تحدد المواقف، بل الممارسة، وبالتالي لابد من فهم جوهر مواقف الدول الإمبريالية والمافياوية. المستوى الخامس يتعلق بفهم مسار الثورة، وكل التدخّلات والتداخلات التي شهدتها.

ويستخلص المؤلف أننا نجد أن الثورة تواجه ليس السلطة فقط، بل كذلك سياسات المعارضة وخطاياها، والوضع الدولي الذي يريد للصراع أن يطول، ولسوريا أن تتدمّر.

ويرى كيلة أن الثورة السورية تبدو كمفصل في التشكيل العالمي الجديد.. وإذا كانت تعبّر عن قيم البطولة والقوة لشعب يريد التحرر والتطور، فإنها كشفت عن انحدار قيم قطاع كبير من اليسار (العربي والعالمي) الذي لايزال يدافع عن سلطة مافياوية تمارس المجازر التي يجب أن يُحاسَب مسؤولوها بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية.

يؤكد المؤلف ضرورة تناول وضع الاقتصاد لفهم الأسباب الموضوعية التي فرضت انفجار الثورة، حيث عادة ما يتجه النظر إلى السياسي في تناولها، فيجري التأكيد على رفض الاستبداد والمطالبة بالحرية والكرامة. ولهذا تعمّمت بديهية أن الثورة هي ثورة حرية «وبس».

وكانت هذه خلاصة ثقافة المعارضة لثلاثين سنة خلت، التي محورت صراعها ضد السلطة حول مصطلحَي الاستبداد والديمقراطية، وعدّت أن الولوج إلى الديمقراطية كفيل بحلّ كل مشكلات المجتمع.

فعَّلت الثورات في تونس ومصر الحراك السوري، الذي تعاطف معها، ومن ثم السعي لصنع ثورة. وساعد ما حدث في درعا، من عنف في مواجه مطالب شعبية، على أن تنفجر الثورة. لكن هذه الثورات فعَّلت أيضاً عنف النظام السوري..الأمر الذي جعله يحسم منذ البدء بمنع كل تجمع بكل العنف الممكن.

تضاد وشراسة

يرى سلامة كيلة أن عجز المعارضة والسياسات التي تتخذها أفضت إلى أن تكون معيقاً في صيرورة الثورة، وهذا ما يمكن لمسه في كل الاستراتيجيات التي اعتمدتها، وطبيعة النشاط الذي قامت وتقوم به بعيداً عن النشاط الثوري، وفي تضاد مع حاجاته.. وشراسة السلطة فرضت كل العنف الذي نشهده، وحوّلت الثورة إلى العمل المسلّح.

وتمسّكها بالسلطة إلى النهاية هو الذي يؤدي إلى كل هذا التدمير والقتل. والوضع الدولي يشي، حسب الكاتب، بأنه ضد الثورة، وليس داعماً لها رغم كل التصريحات والدعم الذي يُعلَن.

المؤلف في سطور

د.سلامة كيلة. مواليد سنة 1955 في بيرزيت فلسطين. حاصل على البكالوريوس في العلوم السياسية من كلية القانون والسياسة- جامعة بغداد، سنة 1979، ناشط سياسي في المقاومة الفلسطينية ثم في اليسار العربي. أصدر ما يقارب الـ 30 كتاباً في الفكر والسياسة والاقتصاد والتاريخ.

Email