مقالات تضيء رؤى مبدعين

غبش المرايا.. فصول في الثقافة ونظرياتها

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد كتاب «غبش المرايا – فصول في الثقافة والنظرية الثقافية»، الذي أعدته وترجمته وقدمت له خالدة حامد، مدخلاً لتحليل نصوص ثقافية، هي عماد النظرية التي يرتكز اليها كل واحد من المؤلفين الذين وقع عليهم الاختيار، وهم: ريموند ويليمز، ثيودور أدورنو وماكس هوركهايم، ستيوارت هول، كليفورد غيرتز، أنطونيو غرامشي، بيير بورديو، ميشيل دي سيرتو، ميكائيل ريتشاردسونبيل هوكس.

كما أن النصوص المنتقاة تمثل بصمة كل واحد منهم، وهي نصوص أساسية مكتوبة بقلم هؤلاء الأعلام، لا نقلاً عنهم، مثلما هو شائع في الترجمات الآن.

يتجول القارئ في ثنايا الكتاب في مشهد النظرية الثقافية وأعلامها، مع تسليط بعض الضوء على المنحى الذي سلكته الثقافة، بدءاً مما ذكره إدوارد تايلور عام 1871 عن الثقافة بأنها «ذلك الكل المعقّد الذي يشمل المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والعادات التي يكتسبها الإنسان، بوصفه فرداً، في مجتمع ما»، وصولاً إلى تحولها إلى واحدة من أصعب مفردتين أو ثلاث في اللغة الإنجليزية، مثلما يقول ريموند ويليمز في سياق مختلف.

وربما كان الحديث عنها مشوباً، بالتعقيد، ولا ريب؛ إذ ربما يحلو للمرء الحديث عن ثقافة موسيقى الهيب هوب، أو عن ثقافة الطبقة العاملة، أو ثقافة مشاهدي المسلسلات التركية أو ثقافة النخب الحداثية، في مكان ما، لكن الثقافة لا تقتصر على ذلك فقط، بل تندرج في معناها الكثير من الممارسات الأخرى.

ويضيء الكتاب على أفكار ورؤى جملة المبدعين هؤلاء. فبيل هوكس ومقالها المستمد من كتاب «جامع الدراسات الثقافية»، تطرح بيل فيه، وهي الأستاذة الجامعية والكاتبة الأميركية والباحثة والنسوية السوداء التي ينصبّ عملها على دحر البطرياركية والعنصرية وتحقيق التنوع الثقافي؛ آراءها عن الثقافة، بوضوح وقوة.

وهي تبوّأت في مقتبل عمرها مقعداً بارزاً، بصفة مفكرة نقدية، لها الكثير من المؤلفات، واحتلت موقعاً متميزاً في حقل النظرية الثقافية النقدية.

وتستذكر في مقالها المهم «ثورة القيم: الوعد بتغيّر متعدد الثقافات» صديقاً أبيض لها أيام الدراسة الثانوية، تعاهدت معه على إحداث تغيير اجتماعي، وكيف أن هذه الصداقة كانت بديلاً عن الحريات التي سنّها البيض الذين تبنّوا التغيير ظاهرياً.

وهي - هنا - تطرح سؤالها عن القوى التي أبعدتها عن المضي قدماً وإحداث ثورة القيم التي تتيح لها، فرصة العيش على نحو مختلف إبّان نضال السود، من أجل التحرر في ستينيات القرن العشرين. أما مقال ميكائيل ريتشاردسون «خبرة الثقافة»، فيدرس الكيفية التي ظهرت بها الثقافة، وتجلت في حياة الإنسان، فرداً وجماعات. كما يسلط الضوء على الكيفية التي أثرت فيها السيرورات العالمية على الهوية الثقافية، مبيناً الكيفية التي أضحت فيها الثقافة مفهوماً بارزاً، في الحقول المعرفية الفكرية. ويركّز ريتشاردسون على الطريق المتعرج الذي سلكته الثقافة؛ لتتمخّض عنها معان عدة.

ويؤكد أن الثقافة ليست محض شيء، ينتج عن النشاط الإنساني، بل جزء، لا يُجتزأ منه، وهي في حالة جريان مستمرة، ولا يمكن مطلقاً إحكام قبضتنا عليه، بأية صورة كانت. ويشدد على الصورة التي تظهر بها الثقافة، وتتجلى في حياة البشر، وكيف ينجزها الأفراد والجماعات في حياتهم.

أما ميشيل دي سيرتو، في مقاله المعنون «ممارسة الحياة اليومية»، فيدرس استعمالات الأفراد والجماعات للتمثل الاجتماعي وأنماط السلوك الاجتماعي.

Email