«المئوي» واقعية سحرية تنشد السلام

غلاف المئوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقرر بطل رواية «المئوي الذي هبط من النافذة واختفى» ألنْ كارلسون، لمؤلفها الروائي السويدي يوناس يوناسون، الهرب من دار المسنين في ليلة عيد ميلاده المئوي، بعد أن كان يعتقد أن هذه الدار ستكون آخر مسكن له على الأرض.

وقد هرب بينما جميع زملائه إضافة إلى الكثيرين معهم في الدار، وفي مقدمتهم المديرة أليس وعمدة المدينة، كانوا سيحضرون حفلته الخاصة. هكذا مضى ألنْ في هروبه سيئ التخطيط.

الحافلة رقم 202

ولا يتأخر بطل العمل في أن يدرك، وخلال هروبه، تحديداً حين اعترضه جدار حجري لا يعلو أكثر من متر، أن ركبتيه المتهالكتين لا تعينانه على تجاوز هذا الجدار، وحينذاك تذكر أنه وقبل سنوات عَبَر جبال الهيمالايا، ولكنه تمكن من الزحف أخيراً، من فوق الجدار، ووصل إلى محطة الحافلات.

هناك كان شاب نحيل يرتدي سترة من الجينز مكتوباً على ظهرها «ليس ثانية أبداً». كان الشاب يريد دخول المرحاض الصغير الذي لا يتسع له ولحقيبته ذات العجلات، فاقترب من ألنْ وطلب منه أن يُبقي عينه على حقيبته لكي يقضي حاجته. وسرعان ما جاءت الحافلة رقم 202 المتجهة إلى سترانغناس، فركبها ألنْ مع الحقيبة بمساعدة السائق، وسرعان ما انطلقت تلك الحافلة بعد أن رمى ألنْ باب المرحاض المغلق بنظرة.

رضا

هكذا بدأت رحلة ألنْ الشائكة وهو في سن المائة من حياته الطويلة والمثيرة. بل إن ألنْ، وهو في الحافلة، شعر بالرضا عن الطريقة التي تطورت بها الأحداث مع ذلك الشاب الأخرق، حتى إنه أغلق عينيه من أجل إغفاءة قصيرة. أما الشاب الضئيل، فما إن خرج من المرحاض واكتشف اختفاء ألنْ مع الحقيبة حتى صرخ:«أنت رجل ميت، أيها العجوز.. فور أن أضع يدي عليك».

رحلة تتبع

وبينما كان العمدة ومعه جيش من المتطوعين يبحثون عن ألنْ، وصل الأخير بالحافلة إلى منطقة شبه مهجورة هي مالمكوبنغ، وفي محطتها، تعرف إلى يوليوس الذي يعيش وحيداً، أكرمه وقدم له الطعام في مأواه المعزول، وقص كلٌ منهما حكايته على الآخر. وعرف يوليوس أن ألنْ هارب وسارق.

كان على الشاب الذي سُـرقت حقيبته تتبع أثر ألنْ، وأجبر قاطع التذاكر بالقوة على الإدلاء بمعلومات عن العجوز، وانتظر أربع ساعات حتى عودة الحافلة التي أقلت ألنْ ليجبر سائقها تحت التهديد على التوجه إلى محطة مالمكوبنغ، ثم تتبع آثار عجلات الحقيبة ليفاجئ يوليوس وألنْ ويدخل معهما في صراع،.

ولكن ألنْ تمكن من ضرب الشاب بقطعة خشب وأرداه مغمياً عليه. ورغم أن يوليوس قد تأذى قليلاً إلا أنه أحب هذه الإثارة في حياته الراكدة، وذلك في معرض رده على ألنْ الذي أقحمه في مشاكله.

وبعد أن حجز ألنْ ويوليوس الشاب في غرفة تجميد اللحوم، وعقاباً له على صراخه، فتحا التبريد وسرعان ما انكمش على نفسه وهدأ.. وعقبها مات. ثم فتحا الحقيبة ليكتشفا أنها مليئة بالنقود، وحاولا تقدير محتوياتها فكانت قرابة 50 مليون كرونا من فئة الخمسمائة. وقرر ألنْ أن يتقاسم المال مع يوليوس.

نحو الجنوب

وعقب أن تخلص ألنْ بمساعدة يوليوس من الشاب صاحب الحقيبة الذي مات من البرد، وذلك في حاوية بضائع متجهة إلى إفريقيا وهما في طريقهما للهرب على غير هدى مع حقيبة النقود، بدأت رحلتهما نحو الجنوب. وتعرف ألنْ ويوليوس إلى بيني صاحب عربة بيع النقانق، وسرعان ما أغرياه باستئجاره كسائق لهما، بعدما اشتريا سيارته ومنحاه مائة ألف كرونا. تخط وانطلق الثلاثة عبر الطرق الريفية، حتى أعياهم التعب، لجؤوا إلى بيت امرأة وحيدة وترجوها المبيت عندها.

وأبدوا استعدادهم لدفع أجرة المبيت، كانوا يجهلون مَن يطاردهم، وأن الشرطة تبحث عنهم في كل مكان. وهكذا انطلقت رحلة ألنْ إلى المجهول، وهو يرى أن مجرد رحلة إلى أي مكان أفضل من الجلوس وسط كبار السن، حتى مع هذه الرفقة الغريبة، وليتذكر مراحل كثيرة من حياته الطويلة، تاريخه الشخصي.

وليبدأ ألنْ مغامرته في خطين متوازيين، الأول مع رفاقه والنقود في ظل واقع متغير، والثاني وهو يتذكر مراحل حياته ومغامراته السابقة ومن ضمنها خبراته في عالم المتفجرات التي أدخلته يوماً مستشفى المجانين، إلى جانب مشاركته في الحرب الأهلية الإسبانية ضد فرانكو، تلك الحرب التي تمكن فيها من إنقاذ حياة فرانكو نفسه.

كما تمكن فيها من معاونة العلماء الأميركيين للتعرف إلى معادلة الكتلة الحرجة لصناعة القنبلة الذرية، كما تذكر كيف تمكن في القضاء على ستالين، وثورة الطلاب في باريس سنة 1968 التي شكلت له علامة فارقة من القرن الماضي.

وتعرفه إلى أخ آينشتاين الغبي في معسكرات سيبيريا بعدما اختطفه الروس ليساعدهم على صناعة قنبلتهم الذرية. وهكذا ينحو الروائي يوناس يوناسون في روايته التي تمثل «الواقعية السحرية»، محطماً القوانين الفيزيائية في عالم متخيل يتخطى المعقول أحياناً، ولكنه يركز معها على شجب الحروب ونشدان السلام.

 

Email