«الموسيقى العالمية».. فن تعبير وتواصل تاريخي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل العمل الموسوعي «تاريخ الموسيقى العالمية» لثيودور م. فيني، علامة بارزة في التاريخ للموسيقى العالمية، إذ يقدم تاريخ الموسيقى تقديما يعين الدارس والقارئ العادي على أن يكتشف بمزيد من الاهتمام، فيكون بوسعه أن يتناول الموسيقى تناولاً يتسم بالفهم المتعاطف.

يقود مؤلف الكتاب، القارئ، إلى الموسيقى ذاتها، لكي لا يحل التاريخ محل الموسيقى. وربما تكون هناك أحداث أو مناسبات، خارجة عن الموسيقى، يمكنها أن تلقي ضوءا على دوافع الموسيقيين، غير أن قدرة الموسيقى ـ وفقا للمؤلف ـ على قياس نبض العصر الذي كتبت فيه، تظل مبهمة إلى أن يتحقق فهم الموسيقى في إطار لغتها هي وبمفاهيمها الخاصة. وأية صلات متداخلة تكون الموسيقى فيها طرفاً، لا ينتظر أن يكون لها مغزى كبير إذا هي لم تعتمد على أساس من الخبرة الحقيقية بالموسيقى المعنية.

9

يتناول الكتاب، الذي يقسمه المؤلف إلى تسعة أجزاء تضم خمسة وأربعين فصلاً، النمو والتطور الزمني للموسيقى، بدءاً من العصور القديمة: الإغريق القدماء، وانتهاء بموسيقى المستقبل: ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويوضح فيني خطته في الكتاب: ربما يكون اتباع ترتيب زمني معكوس، مصدرا للتسلية والتشويق للقارئ الذي يتوافر له علم وثيق بالموضوع، ولكنه يعطي صورة زائفة لتتابع الأحداث، فلا شك أن هناك صلة منطقية بين العلة والمعلول، فمن الجلي أن بيتهوفن مثلاً، لم يتعلم من فاغنر.

ويرى فيني أن الموسيقى وسيلة للتعبير والتواصل، وهي في الوقت نفسه وسيلة فنية تخضع للقوانين التي تحكم الانتظام والتناسق في ترتيب موادها. ويوصف أغراض الموسيقى في المجتمع: الموسيقى فن اجتماعي، ولذلك لا يمكن التأريخ دون ذكر أغراضها أو استعمالها في المجتمع. وربما تختلف أنواع الموسيقى اختلافاً كبيراً، غير أن صور استخدامها والأغراض التي تدفع كل حضارة للاحتفاظ بها كجزء من تراثها الاجتماعي، تظل دائماً واحدة. إن إضافة اللحن والإيقاع إلى الكلمات والحركات الجسمية يرتفع بهما ويجسم تأثيرهما، وهذا يفسر تأثير الموسيقى الساحر في الإنسان، همجيا كان أو متحضرا.

وصف محال

ويوضح فيني أنه «من العسير تصور فن صوتي لا يقوم على شيء من الانتظام في استخدام مواده، كما يستحيل تصور عمل فني مركب تحل فيه الروائح محل الأصوات، مثلاً. ولو أن الإنسان البدائي طلب إليه قديما أن يصف السمفونية الصوتية للمستقبل البعيد، لاصطدم بالاستحالة نفسها، التي تمنعنا نحن من وصف سمفونية من الروائح، على سبيل المثال. وسبب ذلك ينبغي أن يكون واضحا تماما، فلم يكن لدى الإنسان البدائي نظام خاص بالمواد الموسيقية المنتخبة على أساس نوع من الترتيب المنظم».

12 وضعاً

ويشير مؤلف العمل إلى أنه هناك أنواع من السلالم الموسيقية يمكن تحريكها من طبقة صوتية إلى أخرى، أي يمكن نقلها ولكنها تحتفظ دائما بالتكوين الداخلي عينه ـ هذه الأنواع من السلالم مألوفة للدارس تحت مسميي: المقام الكبير والمقام الصغير. وعلى ذلك، فإن ألحان الموسيقى الغربية كلها تقتصر على إمكانيات تصوير نوعين من المقامات السباعية في أوضاع مختلفة للأصوات الموسيقية، يبلغ عددها 12 وضعاً مختلفاً.

ويقول فيني، إن الحضارات جميعها دخلت العصر التاريخي مزودة بآلات موسيقية، وكان لبعضها ذخيرة من الأساطير التي تفسر اختراعها، وإن وجود الآلات الموسيقية يشهد بأن انفصال الخط اللحني والإيقاعي عن الكلمات أمر كان معروفا منذ عهد بعيد، غير أن التساؤل سيظل قائما حول طريقة وتوقيت الاكتشافات التي أسست مفاهيم الإيقاع واللحن، كوحدات تعبيرية متباينة، وأدت إلى اختراع الآلات الموسيقية، التي كانت أصلاً مجرد أدوات مساعدة للألحان والإيقاعات التي يصنعها الإنسان، ثم أصبحت بعد ذلك بديلاً عنها. وربما أفضل مدخل لدراسة تاريخ الموسيقى، كما يرى مؤلف الكتاب، هو أن يشغل كل فرد من الدارسين تفكيره في بحث أصول ومصادر الآلات الموسيقية.

ويلفت المؤلف إلى أن الآلات الموسيقية الثلاث: آلات النقر والآلات الوترية والآلات الهوائية، يمكن إدراج الآلات الموسيقية جميعا تحتها، مهما كانت الحضارة التي تنتمي إليها تلك الآلات.

Email