«آلام فيرتير»..غوته يتغنى بمعاناته في الحب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن عصَر الحب قلبه، وعصفت به عاطفة جياشة لم يستطع تحمل الصدمة معها، قرر الشاعر والفيلسوف الألماني يوهان غوته، أن يكتب ويحول معاناته في الحب إلى عمل أدبي؛ فكانت النتيجة رواية «آلام فيرتير»، التي أصبحت من أبرز الروايات في الأدب الألماني.

الرواية هي الأولى للكاتب الألماني، وجمع فيها بين الحب والشقاء والأمل والمستحيل، بعد أن مرّ بتجربة أغرقته في الحب مع فتاة، ولكنها تركته وتزوجت بغيره، فتحرك لديه دافع قوي لأن يكتب.

وهكذا كانت روايته بمثابة صرخة قوية من قلبه، إذ خرجت روايته هذه وكانت محركاً أساسياً في الأدب الرومانسي وأدب الشباب وفي تعاطيهم مع الأدب والحب؛ حتى أنها خلقت ملمحاً جديداً للرواية الرومانسية التي تتناول الحب، إذ تعد الرواية ذات أهمية في حركة «العاصفة والاندفاع»..

هذه الحركة الأدبية التي تركز على رصد تدفق المشاعر وتوهج القلب، بعد أن ساد تمكّن العقل لسنوات وعقود طويلة في عصر التنوير.

ثناء ونقد

غوته الذي عانى في حبه ونسج ألمه بالكلمات في رواية، خرج عن المألوف والمعتاد أدبياً في هذه المرحلة الزمنية؛ إذ لم يكن الأدب حينذاك يعتمد على التجربة الذاتية، وهو ما أثار حفيظة الكبار، رغم إعجاب الشباب بالرواية وإقبالهم عليها؛ حتى أنها حازت ثناء في الساحة الأدبية واعتبرت من أهم الأعمال، إن لم تكن أهم عمل، يعبر عن حركة العاصفة والاندفاع.

الرسائل

لم تكن كتابة الرسائل وتداولها في القرن الثامن عشر أمراً نادراً، بل اعتمد الجميع المراسلات كسبيل للتواصل؛ سواء مع الأقارب أو الأحباب أو غيرهم، كما كان للرواية التي تعتمد على الرسالة في صلبها، حضورها القوي في تلك الفترة.

وفي رواية «آلام فيرتير» نجد مراسلات افتراضية يكتبها غوته ويكتفي بالاحتفاظ بها من دون إرسالها إلى حبيبته، التي أضرّت بقلبه بعد أن أحبها بكل ما أوتي من عاطفة.

ويتضح ذلك من خلال كلماته التي تقول: «ما أسعدني بالابتعاد إلا ما أعجب قلب الإنسان أيتها الصديقة العزيزة! فها أنذا أفارقكِ، أنت التي لم أكن أطيق فراقك لأنني أحبك وأعزك أشد الإعزاز؛ ومع هذا أشعر لفراقك بسعادة! وإني لأعلم أنك ستصفحين عني لا محالة. ألا يحيك القدر أحابيل الهوى لا لشيء إلا لتعذيب أمثالي!؟ أي ليونورا المسكينة! ومع هذا فاللوم لا ينصب على كاهلي».

سارد عليم

في «آلام فيرتير» يعتمد غوته على ترتيب رسائله التي كتبها خلال أيام متنوعة في مرحلة عشقه وولهه، ذلك بداية من يوم 10 مايو وحتى 20 ديسمبر. وعبّر غوته في هذه الرسائل عن آلام الشاب المدعو «فيرتير»، وكذلك عن حالته وحبه. وبالنظر إلى اللغة، سنجد أن هناك حضوراً لضمير «الأنا».

وهو الغالب على أحداث الرواية، وهو ما يتواكب مع سمة الرواية الرسائلية التي يتخذها غوته درباً لروايته، فضلاً عن اسم محبوبته؛ إذ إن هذه الرواية تتسم بالحديث عن الذات والتعبير عن الخبايا الداخلية للآخر.

كما يحضر السرد الوصفي لحالة فرتر، هذا السرد الذي يطل على استحياء من بين الرسائل العديدة التي يكتبها غوته بروايته، ورغم أن الرواية تنتمي إلى أدب الاعتراف؛ إلا أن السرد يأتي على لسان «السارد العليم» وليس السارد الذاتي للأحداث، وكأن هناك أحداً آخر يراقب ما يحدث؛ حيث تعامل مع بطله على أنه شخص منفصل عنه، يحمل فقط مشاعره ويعبّر عنها بكلمته، فلم يقحم نفسه كفاعل أو غير ذاك.

متهور حكيم

عُرف غوته في بدايته بأنه كان متهوراً وغير مهتم بالتعليم بالصورة التقليدية، وهو ما جعله ساخطاً بعض الشيء على المجتمع؛ لا سيما الكبار منه والمتحكمين في مسار الأحداث، وفي مقدمتهم والده الذي كان يريده محامياً كبيراً وآثر هو الأدب والشعر؛ ليتخذ غوته من هذه الرواية منبراً له للتعبير عن سخطه على هذا المجتمع الخانق، ويعبر من خلال كلماته عن سخطه على تسلط المجتمع.

لا سيماً مع الشباب الذين ينتمي إليهم هو وفرتر الذي يتحدث عنه، حيث يقول: «إنكم يا أهل الفهم السليم مستعدون دائماً أن تصيحوا: هذا تهورٌ وجنونٌ وغيبوبة إدراك. فأنتم أيها الأخلاقيون بالغو الهدوء والانضباط، ولذا تحتقرون المخمور والمتهور، فتمروا به مرور اللاوي».

لا يخفى على أحد أن غوته حين أمسك بالقلم منذ بداياته، نظم الشعر، وكان هذا هدفه الأول؛ إلا أنه نهج سبيلاً مختلفاً عن ما كان سائداً بين كبار الشعراء وقتها، وهو ما أبعده عن الساحة وأحبطه.

ذلك لعدم قدرة من هم حوله على استقباله، إلا أنه في «آلام فيرتير» تمكن، وبقوة، من تغليب الملمح الشعري والشاعرية البلاغية واللغوية وانتقاء الكلمات بصورة خاصة تشعل القلب وتتأثر به. كما نظم غوته الشعر فيما بعد وأصبحت كلماته الشعرية الراقصة من أهم الأبيات المفضلة لاحقاً.

وفي العموم، تعد رواية «آلام فيرتير» العمل الأدبي الأول للكاتب الألماني يوهان غوته، وهي أشهر رواياته على الإطلاق وأكثرها انتشارا بين عامة الناس، ورأت النور للمرة الأولى في عام 1774، ثم نشرت طبعة منقحة منها عام 1787.

ويبدو أن معاناة غوته كانت قاسية؛ حيث أنهى تأليف روايته في ستة أسابيع فقط، إذ اعتمد الكتابة المكثفة، من يناير وحتى مارس من العام المذكور.

واستطاعت الرواية أن تحقق لغوته أكثر من مجرد الانتشار أو النجاح؛ حيث كانت بوابته للشهرة سريعا والمعرفة، ذاك من أول عمل أدبي. كذلك حققت التوازن في حياته، لا سيما مع والده الذي كان يرى ابنه يبتعد عن الدرب الصحيح، ولكن، كما يقول المثل العربي، «رب ضارة نافعة».

في الأوبرا

في المسرح

2010

تعد السينما كوسيط ترفيهي واجتماعي واحدة من الجهات التي احتفت بغوته كشاعر، خاصة في بداياته، والتي نحن بصددها في رواية «آلام فيرتير» التي تحمل بعداً شخصيا له.

حيث جرى تقديم فيلم «غوته» في عام 2010، وهو فيلم ألماني اعتمد في قصته على رواية «آلام فيرتير». قدم الفيلم قراءة لنص غوته ووضح ملامح الخفة والرومانسية الحالمة بصورة خاصة، ما أتاح للفيلم الوصول إلى عدد كبير من الجمهور في العالم، كما حصد أربع جوائز في المهرجانات الدولية.

1887

مثّلت أولى روايات غوته «آلام فيرتير» حالة خاصة حملت معها وجه الأدب الجديد الذي يخرج من الرومانسية بحياة جديدة، ولا تنتهي الحياة بفقد الحبيب، كما اتسمت الرومانسية الكلاسيكية، مما دفعها لتكون نموذجاً جيداً للتمثيل في الأوبرا؛ إذ حولت إلى أوبرا على يد الموسيقي الفرنسي جولز ماسينيه، باسم «فيرتير».

وانتهى ماسينيه من تأليف موسيقى هذه الأوبرا عام 1887، واستغرق الموسيقي الفرنسي لإنجازها أكثر من عامين.

2013

ظلت رومانسية غوته تنتقل من دولة إلى أخرى لتترجم ملمحاً من ملامح الرومانسية الشبابية التي تلامس النفس بخفتها، وهكذا استقبلتها واحتفت بها خشبات المسارح كافة، خاصة مسرح تشيخوف الفني في العاصمة الروسية موسكو.

حيث قدمها المخرج المسرحي الروسي فاسيلي بارخاتوف، في عام 2013، في عمل مسرحي عن الذات والانتقال من مرحلة المراهقة إلى النضوج. ويتناول المخرج الروسي رواية غوته بطريقة معاصرة.

منزلة

تحتفي ألمانيا بيوهان غوته كواحد من رواد الثقافة والحركة الأدبية الألمانية، ويظهر هذا الاحتفاء في تسمية المركز الثقافي الذي يعتبر وجه الثقافة الألمانية في العالم باسم معهد غوته الثقافي الألماني.

 

Ⅶ أوجدت ملمحاً جديداً للرواية الرومانسية في الأدب الألماني

Ⅶ عمل أدبي يجمع بين العشق والشقاء والأمل والمستحيل

Ⅶ تعتبر الرواية ذات أهمية في حركة «العاصفة والاندفاع»

Ⅶ رأت النور سنة 1774 ثم نشرت طبعتها المنقحة في 1787

Ⅶ أنجزها المؤلف في 6 أسابيع بعد تفرغه لكتابتها بشكل مكثف

Ⅶ إبداع متقن تحضر فيه الذات والآخر في صور تعبيرية دقيقة ومتشعبة

Ⅶ ملمح شعري في المضمون والكلمات ينتج حالة تأثيرية فريدة

Email