كتبتها لطيفة الزيات واختيرت ضمن أفضل 100 رواية عربية

«الباب المفتوح».. تلازم التحرر الإنساني والوطني

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

توصف الأديبة لطيفة الزيات بأنها أحد أهم رواد التيار الواقعي في الرواية المصرية خلال خمسينيات القرن العشرين. ولا شك أن روايتها «الباب المفتوح»، الصادرة للمرة الأولى عام 1960م، تنبئ بالكثير حول ذلك التوصيف. فهذه الرائعة، التي ترجمت إلى الإنجليزية، وحصدت جائزة نجيب محفوظ عام 1966م في دورتها الأولى، انتصرت فيها للمرأة وأخرجتها من الهامش إلى متن المشاركة الاجتماعية والسياسية، فكانت من بواكير الأعمال الأدبية النسوية في الرواية العربية.

ربطت لطيفة الزيات في هذه الرواية -التي اختيرت ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية-، فكرة تحرر المرأة بتحرر الوطن وضرورة النضال من أجل الحصول على الحرية، حيث تركز الرواية بشكل أساسي على أهمية دور المرأة في تحرير الوطن من الاستعمار الذي تزامن مع تحرر البطلة من قيود مجتمعها الذكوري والوصاية الأبوية. ونجحت الكاتبة في الربط بين القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية أيضاً؛ وهي بذلك تناقش قضية محورية ممتدة عبر عصور طويلة، لا تريد أن تنتهي.

القضية والرمز

اتخذت الزيات من «ليلى» -الفتاة الناشئة وسط أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة-، شخصية رئيسية لروايتها، فجعلتها رمزًا للقهر ومقاومته في آن، وذلك من خلال تتبع حياتها مذ كانت طفلة، مرورًا بمرحلة المراهقة، حتى بلغت الحادية والعشرين، وهي سن توهج تطلعاتها؛ إذ كانت تريد لكيانها أن يكون مستقلًا وتأبى أن تكون ضمن قطيع ينحني أمام الأعراف غير العادلة والسوية في المجتمع.

ورسمت الكاتبة أحلام البطلة -الواقعة تحت قهر العادات والتقاليد وسلطة المجتمع وتسلط الأسرة-، بحرفية شديدة جعلت منها نموذجًا شديد الواقعية تعبر من خلاله عن نساء مجتمعها اللاتي يعانين من الخوف والاغتراب الداخلي، وفتحت الكاتبة الصراع الثائر في قلب «ليلى» على مصراعيه، بين ما تحتاجه وتريده وبين ما فُرض عليها من عادات تقمع اختياراتها الحرة وتكبل رغباتها وتطلعاتها.

معالجة سياسية

تعالج الأديبة لطيفة الزيات هذه القضية الاجتماعية الثقافية في إطار سياسي، إذ يدور زمن الرواية في الفترة من 1946 إلى 1956م، وهي الفترة التي شهدت مقاومة الشعب المصري لقوات الاحتلال البريطاني ووقوع معركة بورسعيد بين الطرفين، مع التأكيد على أهمية المرأة ودورها في الدفاع عن الوطن ضد المغتصب، وتعكس الرواية أحلام الوطن في التحرر من الاستعمار المرتبطة بدورها بأحلام المرأة في التخلص من أعباء اجتماعية تثقل قلبها بالهموم والخوف، معتبرة أن تحرر المرأة تحررٌ للإنسانية والوطن بكامله، وترصد الكاتبة هذه الأحلام من خلال التعبير عن الواقع بأدق تفاصيله الإنسانية.

صدام

تصطدم «ليلى» بظلم المجتمع الذكوري الذي يحملها الخطيئة دائمًا رغم أنها لم تقترف ذنبًا، لكن فقط لأنها أنثى، كذلك الأسرة التي تحرم عليها الحب والحرية والاختيار؛ فنجد «ليلى» وحدها تواجه الأب الذي يساهم في تضييق الخناق على ابنته مطبقًا قواعد المجتمع الظالمة، والخطيب الذي يعتبر نفسه سيداً ووصيًا على المرأة وينظر للأنثى كونها مجرد مظهر اجتماعي يكمل صورته الناقصة أمام الناس، وازدواجية الأخ الذي يتشدق بعبارات المساواة لكنه مع ذلك ينظر إلى أخته على أنها كائن أقل منه، وعصام - حبيبها الأول- الذي ينظر للمرأة كونها جسدًا فقط؛ وهنا تفضح الكاتبة ازدواجية المجتمع وتكشف عورته من خلال نظرته المتدنية للمرأة.

التحرر ينتصر

تجد ليلى نفسها وحيدة تواجه السلوكيات الشائكة التي تحيط بها من كل جانب، تريد أن تصرخ، وأن تخلع عباءة الصمت وتتحرر، لكنها تعود وتنكمش، وفي الأفق يحلق بصيص من النور يفرد ذراعيه كطوق من النجاة لها، وهو «حسين»، ذلك الرجل الذي يوقن بداخله أنهما خلقا لبعضهما، يتسلل إليها عبر السياج الذي فرضه عليها المجتمع، محاولًا مساعدتها على اختراقه والتخلص منه والانطلاق إلى الحرية والحب والحياة. يخاطبها عبر رسائل لا تنقطع، فيقول لها: «أنا أحبك وأريد منك أن تحبيني. ولكني لا أريد منك أن تفني كيانك في كياني ولا في كيان أي إنسان. ولا أريد لكِ أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي إنسان. أريد لكِ كيانك الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين، وإذ ذاك -عندما يتحقق لكِ هذا- لن يستطيع أحد أن يحطمك، لا أنا ولا أي مخلوق».

وتربط الكاتبة مصير «ليلى» بمصير الحركة الوطنية المصرية، في إشارة إلى أن تحرر المرأة من قيود المجتمع الظالمة، تحرر للوطن من الاحتلال، إذ استطاعت البطلة في النهاية أن تثور وينتصر الجزء المتمرد داخلها على الجزء الخاضع؛ فاعترضت ومزقت عباءة الاستسلام وانضمت مع حبيبها إلى صفوف الحركة الوطنية في بورسعيد.

البناء والناحية الفنية

أحكمت الزيات بناء الرواية اعتمادًا على الحدث، إذ تقدم للقارئ ترتيبًا واقعيًا للأحداث، مع تصاعد الخط الدرامي وتطور الصراع الداخلي للشخصية الرئيسة، التي تعد العمود الفقري للرواية. وتقول الكاتبة عن روايتها: أضفتُ في رواية «الباب المفتوح» إضافات أعتقد أنها كانت جديدة على الرواية المصرية والعربية عامة، ففي هذا الوقت كان الوصف الاستاتيكي الثابت يطغى على الرواية العربية دون السرد الذي يتفتح فيه الحدث. عمدتُ إلى السرد واستطعت أن أبني الرواية من اللحظات الدرامية المتراكمة التي تؤدي إلى المعنى والتأثير الجمالي في الوقت عينه، أيضًا استطعت استحداث الجديد بالنسبة إلى اللغة؛ إذ جعلتُها سهلة للغاية تخلو من الكليشيهات المحفوظة.

في السينما

1963

حوّل المخرج هنري بركات «الباب المفتوح» إلى فيلم سينمائي، في هذا العام. وهو من بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والفنان صالح سليم. ولم يقلّ الفيلم في نجاحه عن نجاح الرواية؛ إذ حصد شهرة واسعة ويعد أحد أهم أفلام السينما المصرية، كما حصل على جائزة أفضل فيلم من «مهرجان جاكرتا السينمائي» ، وأيضاً حصلت عنه فاتن حمامة على جائزة أفضل ممثلة من المهرجان ذاته.

إلا أن ثمة فارقًا بين الرواية والفيلم، منها: أن هنري بركات اختزل بعض التفاصيل التي تطرقت إليها الرواية الخاصة بشخصية «ليلى» ، كما حذف بعض الشخصيات التي تناولتها الرواية، إضافة إلى حذف الفصل الأول منها؛ إلا أنه ومع هذا الحذف استطاع المخرج توظيف الأجزاء المحذوفة من الرواية في الفيلم، ووضعها في سياق مناسب لا يخل بالعمل ككل.

محطات في الحياة

1946

كان للأديبة لطيفة الزيات دور سياسي واضح في الحركة الوطنية المصرية، إذ انتخبت عام 1946، وهي طالبة، أمينًا عامًا للجنة الوطنية للطلبة والعمال، التي شاركت في حركة نضال الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني، ولها دور سياسي أيضًا في حزب التجمع ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي قامت بدور مهم في وقف التطبيع الثقافي مع إسرائيل.

1981

تعرضت لطيفة الزيات للاعتقال سنة 1981م، خلال فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات؛ فاستغلت فترة اعتقالها وكتبت سيرة ذاتية بعنوان «حملة تفتيش» تحكي فيها عن ظروف اعتقالها، وتوفيت عام 1996م.

1996

كتبت الزيات العديد من المؤلفات الإبداعية المتنوعة: القصة القصيرة والرواية؛ منها: «الشيخوخة»، «صاحب البيت»، و «حملة تفتيش». وفي النقد الأدبي كتبت «نجيب محفوظ.. الصورة والمثال»، «من صور المرأة في القصص والروايات العربية»، «مقالات في النقد الأدبي»، «حركة الترجمة الأدبية في مصر». وحصلت على جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1996م، أي في عام وفاتها.

Email