«الحرب في برّ مصر» بلاغة السرد وإدارة الصورة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يوسف القعيد روائي مصري وأحد المجددين في الكتابة الروائية، وقد كتب عدداً من الروايات منذ ستينيات القرن الماضي نذكر منها: «الحداد»، «أخبار عزبة المنيسي»، «البيات الشتوي»، «يحدث في مصر الآن»، «الحرب في بر مصر»، «ثلاثية شكاوى المصري الفصيح».. وغيرها، فضلاً عن عدد من المجموعات القصصية وأعمال أخرى كثيرة. وترجمت أعماله إلى لغات أجنبية، كالإنجليزية والفرنسية والروسية.

الرمزية

ترتبط أعمال يوسف القعيد الروائية بالحياة اليومية للمواطن المصري، وبعلاقاته الاجتماعية والسياسية في أزمنة التحوّلات الكبرى.

حيث يتكاثف أدبه في لحظة العبور الزماني لتبيان مدى انعكاس هذا العبور على حياة المواطن، وسيبدو هذا التوجّه واضحاً في روايته «أربع وعشرون ساعة فقط» التي تناولت الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992، ليرصد محروسة الحلواني المسافرة إلى القاهرة بحثاً عن أبنائها السبعة..وخلال رحلة هذه الأم من القرية إلى القاهرة يعاين الروائيّ زمنين:

زمن الأسرة الذي ترويه محروسة، وما بعد الزلال برواية سارد عليم يمثّل صوت الروائيّ، ولن يخفى على القارئ ولع القعيد باعتماد رموز ذات دلالات وطنية، من مثل «محروسة» كرمز أموميّ لمصر، و«مصري» في رواية «الحرب في برّ مصر».

وطنية زائفة

وينهض فيلم «المواطن مصري» بممثليه الكبار، عمر الشريف في دور العمدة وممثّل الإقطاع القديم، وعزت العلايلي بدور الخفير البائس ووالد «مصري» بأداء الفنان عبد الله محمود، لتتجه الأحداث نحو عقدة كبيرة استوجبت حضور شخصيات عديدة. ومختصر الفكرة يكمن في استدعاء ابن العمدة توفيق الصغير المدلل والفاشل للتجنيد والخدمة الوطنية..

وقد أدّى دوره الفنان خالد النبويّ، لكنّ أمّه الفنانة صفية العمري لا ترغب في ذلك، وهي أصغر الزوجات وأحبّهنّ، فتضغط عاطفياً على اعتبار أن العمدة صاحب نفوذ وله معارفه في المركز، وهذا يعني تجاوز قانون الخدمة الوطنية، فكان لا بدّ من البحث عن رموز الفساد الممثلين بـ «المتعهّد» الذي تستدعي مهمته رشوة الموظّفين لتمرير كلّ ما يخالف القوانين..

وقد مثّل هذا الدور بامتياز الفنان حسن حسني، إلى جانب الفنان المنتصر بالله في دور الانتهازيّ المكمّل لدور «المتعهّد. وبعد التفكير والبحث المضني عن حلّ لهذه المسألة المعقّدة يتوصّلون لأن ينتحل ابن أحد الفلاحين شخصية توفيق ابن العمدة ويذهب إلى الخدمة بدلاً منه.

وهكذا تتصاعد الأحداث، لا سيّما وأن حرب أكتوبر 1973 كانت على الأبواب، وعندما تقع الحرب يستشهد «مصري»، ليزداد التوتّر حول تسليم جثمانه لاسيما أن صديق مصري في التجنيد الفنان أشرف عبد الغفور علم بالحكاية في اللحظات الأخيرة من حياة «مصري»، وبالرغم من ذلك، ينجح العمدة في قهر الفقير «الغلبان» عبد الموجود مرة ثانية وكسب لقب والد الشهيد زوراً وبهتاناً.

عودة الاضطهاد

كما أوضحنا أعلاه، ففي هذا الآونة عبر المجتمع المصري زمان الثورة، ومع الزمان الجديد صعدت قوى القديم لتعيق تطوّره بجشعها وأنانيتها اللاوطنية، فضلاً عن استخفافها بأبناء الشعب من الفلاحين الذين بالرغم من الأرض التي منحتهم الثورة ظلّوا فقراء بائسين، فكيف الآن وقد استردّت منهم بالقانون فانسدت أمامهم الطرق..

فعاد الظلم والقهر والترويع بالسجن إلى أن يقبل الغفير عبد الموجود بالخطّة تحت ضغط الحاجة والتهديد الخفي من قبل العمدة وحاشيته.

فيلم قويّ بكلّ معنى الكلمة تميّز بأداء عال واستثنائي من قبل الممثلين كافة، وبشكل خاص دور العمدة عمر الشريف، ودور الغفير عزت العلايلي والمتعهد حسن حسني بإدارة المخرج الكبير صلاح أبو سيف.

ولا بدّ من ذكر كاتب السيناريو محسن زايد الذي أعاد كتابة الفيلم بصرياً مستفيداً من تلك العوالم التي قدّمها الروائيّ يوسف القعيد عبر رواته السبعة الذين قدّم كلّ منهم للقارئ حكايته ومبرراته في سلوك هذا المسلك الخطأ.. ويوسف القعيد الذي يعدّ أحد مشاهير الروائيين العرب راكم خبرات تقنية مكّنته من تقديم هذه الحكايات المنفصلة والمركّبة في آن.

الهزيمة

ومن هنا، فإن قارئ الرواية أو مشاهد الفيلم سيشعر أن الصراع بين الطرفين حقيقيّ وسيتعاطف مع «مصري» ومع مجتمع الفلاحين المغلوبين على أمرهم في معادلة غير عادلة ولا منصفة، مع رموز المرحلة الجديدة «العمدة» و«المتعهد» فضلاً عن رموز الفساد الحكومي من شرطة وسواهم، للتعبير عن جملة الانحرافات القيمية التي عممّها الزمان الجديد، ودفع بمصر إلى حيث لا يهوى الروائيّ الملتزم والمنتمي إلى مصر الشعب والعدالة والمساواة..

لكنّ الواقع كان أقوى، فإذا كان النصر على العدو قد تمّ في جبهات القتال، إلاّ أن الهزيمة حدثت هنا في الداخل، حيث البوليس يسوق الفلاحين إلى المخافر لإجبارهم على التنازل ويُرمون إلى الشارع كنفاية لا لزوم لها، وكلّ ذلك عبّر عنه كلّ من الروائي يوسف القعيد والمخرج صلاح أبو سيف بلمستهما الإبداعية التي هي بمثابة البصمة المعبّرة دائماً عن التألق والفرادة.

Ⅶنموذج لأعمال يوسف القعيد المرتبطة بمجريات حياة أهل «المحروسة» في أزمنة التحوّلات

Ⅶ «المواطن مصري» فيلم اقتبس من الرواية يتصدى بممثليه الكبار لقضايا يومية ووطنية عامة

Ⅶ قارئ الرواية أو مشاهد الفيلم يشعر بأن الصراع بين الطرفين حقيقيّ

Email