كتبها بيوتر ايليتش تشايكوفسكي بإيحاء من الموسيقى

«مواسم السنة»نغمات شعرية حالمة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أسس الأديب موتفيي برنارد في أربعينيات القرن التاسع عشر مجلة موسيقية شهرية أسماها «المجدد- نوفيليست»، تهتم بنشر مدونات موسيقية جديدة ومقالات موسيقية مهمة، وتقديم كل جديد في عالم الموسيقى عامة والروسية خاصة، وقد قدم الكثير من المؤلفين الروس أعمالهم على صفحات تلك المجلة، وكان صاحب المجلة يطلب أحياناً من المؤلفين أن يكتبوا أعمالاً حصرية للمجلة..

وكذلك فعل عندما طلب عام 1875 من المؤلف الروسي الكبير بيوتر ايليتش تشايكوفسكي كتابة متتالية لآلة البيانو يصف فيها شهور السنة، وبالفعل بدأ تشايكوفسكي الكتابة، بعد أن أعجب كثيراً بفكرة العمل وبدأت بالظهور شهرياً.

هذه المتتالية الشهيرة لها مكان خاص عند عازفي ومحبي آلة البيانو لأنها عبارة عن اثنتا عشرة لوحة موسيقية غير معقدة، سواء للعازفين أو المستمعين، تنضح بالجمال والشاعرية الصادقة والغنائية الفريدة ووضوح الشخصية الموسيقية، التي تميز بها تشايكوفسكي، فهو ينقل بدقة متناهية تبدلات الروح وتغيرات الطبيعة بحيث لا تكون هناك حاجة للكلمات.

يناير- تأمل وأحاديث دافئة عند الموقد

في هذا الشهر عادة ما تجتمع العائلة حول المدفأة لتجاذب أطراف الحديث أو للقراءة، ولكن تشايكوفسكي وضع صورة مختلفة تحمل الكثير من العمق، حيث إن منظر النار في الموقد يبعث على التفكير ويجذب العين البشرية، ويشجع على التأمل العميق، فيبدأ البيانو بنشر جو هادئ نتلمس فيه الكثير من التآلفات الشاعرية المعبرة.

فبراير-عيد فطائر الزبدة أو احتفال ما قبل الصوم الكبير

يقام حتى يومنا هذا في الأسبوع الأخير قبل الصوم الكبير في روسيا عيد فطائر الزبدة، وهو احتفال صاخب جميل مليء بالغناء والرقص الشعبي وفطائر الزبدة اللذيذة، ويرسم تشايكوفسكي ببراعة مرهفة لوحة تضج بالألوان الصاخبة، التي ترافق هذه الاحتفالات، عبر ألوان وصور متتابعة متداخلة، ضمن موضوع رئيس هو المرح واللهو الاحتفالي الشعبي.

مارس -غناء طيور القبرة رسالة ربيعية مضيئة

يتركنا المؤلف هنا مع لحن شاعري براق مادته الرئيسة الزغردة كناية عن زغردة طيور القبرة التي يحبها الأطفال كثيراً، ففي شهر مارس يعلو صوت غناء وتغريد طيور القبرة في الحقول والغابات والحدائق احتفالاً بقدوم فصل الربيع، فأصبح مع الوقت هذا الغناء الرنان مرتبطاً بغبطة وإشراق الربيع.

أبريل- زهور الثلج نبضات الحب الأولى

يحلق إيقاع الفالس المرح في الأرجاء ومع ذلك يتملكنا إحساس غريب بالخفقان والوجل عند سماع هذه الموسيقى، كما هي حالنا عندما تراودنا أولى مشاعر الحب، فمع تسارع الموسيقى يتسارع نبض القلب، فأبريل والربيع لا يوقظان الطبيعة فقط، بل والأحاسيس الإنسانية أيضاً، فظهور زهور الربيع الأولى يشبه إلى حد بعيد أحاسيس الحب المرهفة الأولى.

مايو -الليالي البيضاء في عاصمة الشمال

رسم تشايكوفسكي في هذا القسم لوحة موسيقية عن الليالي البيضاء في مدينة سانت بيترسبورغ، المدينة التي أحبها كثيراً، فهناك أمضى جل حياته، ففيها درس، وفيها كانت بداية طريقه موسيقياً محترفاً ثم شهرته وتوهجه مؤلفاً، وتضج موسيقى الليالي البيضاء بشاعرية مرهفة تملأ الروح بالإثارة، وتجعلنا نسهر الليل الأبيض بفرح، ونترك لعقلنا حرية التمني.

يونيو- باركورول أغنية سائق الجندول

باركورول كلمة إيطالية، تعني أغنية «سائق الجندول»، الذي اشتهرت به مدينة البندقية، حيث يتنقل الناس ليلاً ونهاراً عن طريق القوارب. الأغنية تتميز بالشاعرية المعبرة والإيقاع الذي يحاكي حركة المجاديف.

دخل هذا القالب إلى الموسيقى الغنائية الروسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر واشتهر على نطاق واسع في عاصمة الشمال الروسية سانت بيترسبورغ للشبه الكبير بينها وبين فينيسيا الإيطالية من حيث كثرة وتعدد القنوات المائية.

يوليو- أغاني الحصاد الحماسية

هذا القسم من المتتالية روسي بامتياز فنحن الآن في حقول القمح الذهبية، حيث يغني الفلاحون الأغاني والأهازيج الشعبية الخاصة بهذه المناسبة. أحب تشايكوفسكي أن تكون ألحان يوليو هي موسيقى موسم الحصاد وأغانيه القروية الشعبية، وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام؛ الأول والثالث يتميزان بألحان غنائية شعبية ذات إيقاع قوي نشعر معه باتساع الحقول الذهبية.

أغسطس- سعادة نهاية موسم الحصاد

كتب تشايكوفسكي في المدونة الموسيقية لهذا الشهر هذه الملاحظة «أعجز أن أعبر بالكلمات عن مدى حبي للريف الروسي في شهر أغسطس ولكنني نجحت في ذلك بواسطة الموسيقى»، وتتميز أغاني نهاية الحصاد بالفرح والغبطة، حيث جرت العادة أن تتشارك كل الأسرة في جمع المحصول والغناء كذلك.

سبتمبر-موسم الصيد والفروسية

تحمل كلمة الصيد في اللغة الروسية العديد من المعاني، من ضمنها الرغبة العاطفية، كما يعني الصيد بمعناه الشامل الطقس المميز في الحياة الروسية في القرن التاسع عشر، وقد خصصت له صفحات كثيرة في الأدب الروسي مثل أوصاف الصيد في قصص تولستوي وتورجنيف القصيرة، ويقدم تشايكوفسكي في هذا القسم وصفاً ذكياً لموسم الصيد المليء بالصخب والمرح والإثارة.

أكتوبر-أغنية الخريف لحن حزن نبيل

تتميز الطبيعة الروسية في أكتوبر بجمال فريد، فنرى في بدايته سيولاً من الألوان في الأرجاء، لكن اللون الذهبي يلمع على أغلب الأشجار، ثم يبدأ تساقط الأوراق السريع وتعلو سرعة الريح. في هذا القسم الذي يعد الأشهر في هذه المتتالية كلها، يجمع المؤلف بين حالة الطبيعة المتغيرة بشدة لهذا الشهر والمشاعر الإنسانية المليئة بالحنان والعاطفة المشبوبة.

نوفمبر- عربة الخيل الثلاثية «ترويكا»

تعتبر عربة الترويكا من أهم صور الشتاء الروسي، حين تغطي الثلوج كل شيء، ولكننا نستطيع سماع أصوات أجراس من بعيد يتعالى بالتدريج، ثم تظهر عربة يجرها ثلاثة خيول. ويصور تشايكوفسكي هذا الشهر بشاعرية وشفافية فنسمع أصوات أجراس الترويكا مع لحن رائع يصف بغنائية كبيرة قدوم العربة عبر السهول الروسية البيضاء الشاسعة.

ديسمبر- موسيقى بهيجة احتفالية بالميلاد

أطلق تشايكوفسكي على موسيقى هذا الشهر اسم «الأعياد المقدسة» لوصف فترة الاحتفالات بعيد الميلاد. كانت موسيقى الفالس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الأكثر شهرة في الصالونات والاحتفالات الأسرية. وقد أراد تشايكوفسكي إنهاء هذه المتتالية الرائعة بفالس فاتن الجمـــال والرقة يعكس فيه الأجواء الاحتفالية.

في الفنون الجميلة

1919

كثيرة جداً اللوحات التي رسمت بعهد تعرف الرسامين على هذه المتتالية الخالدة، لكنني أريد تمييز لوحة الرسام الروسي بوريس كوستودييف «مرح فطائر الزبدة» عام 1919 لدقتها الكبيرة في نقل مرح موسيقى تشايكوفسكي.

1930

أما لوحة الرسام قسطنطين كوروفين «مرور عربة الترويكا» عام 1930 فهي عمل جميل نستطيع من خلاله سماع موسيقى تشايكوفسكي بسهولة.

في السينما

1997

يستطيع كل من شاهد فيلم المخرج الانجليزي برنارد روز «أنا كارنينا» عام 1997 ملاحظة كم كان وقع موسيقى تشايكوفسكي قوياً، فقد ساعد كثيراً في توضيح اللحظات التأملية.

2012

تظهر موسيقى هذه المتتالية بشكل كثيف في فيلم المخرج تيرانس ماليك «نحو العجب» عام 2012، فتضفي شاعرية عارمة في مسار الفيلم.

Email