«الكواكب».. أوركسترا الحقيقة والأسطورة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تك متتالية «الكواكب» الموسيقية، وليدة لحظة إبداعية خاصة، بل إنها تمخضت عن وله كبير لمؤلفها الإنجليزي غوستاف هولست بعلم النجوم والتنجيم والأساطير القديمة.

إذ كان قد شرع في العمل على رائعته هذه عام 1914، تحت تأثير حبه الشديد لعلم الاسطرلاب وتأثره بأدب الأساطير الإغريقية والرومانية.. وكذا ميله الشديد إلى الأدب الهندي. وحقق العمل نجاحاً كبيراً فور ظهوره بفضل موضوعه الفريد وقوة موسيقاه. كما أنه ظل العمل الأضخم حجما والأوسع تأثيرا بين أعمال هولست الكثيرة.

وطبعاً يتبادر إلى الأذهان، ونحن نتناول هذا العمل، سؤال بديهي: هل هذا العمل يصور حقيقة هذه الكواكب ؟ بالطبع لا، لأن هولست لم يكن معنياً بطبيعة الكواكب نفسها، وإنما حول ما تعنيه الكواكب السبعة لأهل الأرض (المتتالية كُتبت قبل اكتشاف بلوتو عام 1930 )، ولم يشمل هولست كوكب الأرض بعمله، لأن المتتالية تدور حول الكواكب المجهولة بالنسبة لنا.

تأثيرات فرنسية ألمانية

تصنف متتالية هولست، عملا أوركستراليا كبيرا استخدم فيه المؤلف أوركسترا ضخمة على غرار ما فعل المؤلف الروسي سترافنسكي في أعماله المبكرة، ونستطيع أن نميز في هذه المتتالية البناء الفكري القوي المدعم بتألفات هارمونية جميلة جداً، والميل الى سهولة الألحان وشجاعة الدخول الى تجارب بنائية تقنية جديدة. المريخ

يبدأ هولست القسم الأول من هذه المتتالية بتصوير انطباعاته عن كوكب المريخ (مارس)، إله الحرب عند الإغريق، فنسمع إيقاعاً مكثفاً من الآلات الوترية وآلات الإيقاع ينقل فيه بغليان متلاحق ظلام وثقل أجواء الحرب..

ومن ثم يتلاشى الصوت ليبدأ مارش الإعداد لحرب جديدة في مكان آخر، فتزداد كثافة المارش العسكري لنجد نفسنا من جديد في قلب المعركة فنسمع آلة التوبا النحاسية الثقيلة في نقاش مع آلة الترومبيت، كناية عن قتال بين محاربين جبارين، فتنتقل هذه العدوى إلى كل الأوركسترا التي أصبحت ميداناً لمعركة جنونية تنتهي بذروة شديدة يفرض فيها المريخ كلمته وسلطانه على بني البشر التواقين بشدة، لقسوة الحروب.

الخير والسلام والحب

بعد الحروب والقسوة، ينتقل هولست الى الزهرة، كوكب فينوس إلهة الحب والجمال والخير. فنجد أنفسنا في أجواء أسطورية شديدة الشاعرية، حيث ترسل آلة الهورن النحاسية رسائل شديدة اللطف فتعم الشاعرية في المكان لتبدأ آلة الكمان غناء نشيد الحب والخير الذي ينتقل للحظات إلى آلة الاوبوا النفخية، التي تعمق أحاسيس العشق والألفة. المجنح الحيوي المضيء

يصور هولست عطارد (ميركوري)، المجنح في الأساطير الإغريقية والرومانية، بصورة ذكية وشفافة، فنحن نسمع إيقاعاً متسارعاً راقصاً في حركة «سكير تزو»، مرحة، تجعلنا قادرين على رؤية طيران عطارد مثل الطيور، من شجرة الى أخرى، حاملاً رسائله إلى مخلوقات الكون بإيقاع حيوي.

السرور والبهجة

يحتفي هولست في متتاليته بالمشتري، أكبر الكواكب في مجموعتنا الشمسية، منغما لحنا فريدا لجوبيتر..ويبدو في نغمات العمل جالبا للحب والسرور والبهجة.

زحل المتثاقلزحل المتثاقل الخطوات هو الوجه المعاكس لعطارد الناري السريع، ففي الاوركسترا ينقل هولست، عبر الغناء التأملي لآلة الفلوت ومرافقة آلة الهارب ودبيب الوتريات البطيء الثقيل، مجيء الشيخوخة مع زحل.

الجميل والمشعوذ

يصور لنا هولست، أورانوس: إله السماء عند الإغريق، ساحرا مشعوذا يدعونا للمضي خلفه، فيبدو يرقص أمامنا ناشراً حيله وسط طقوس غرائبية خيالية تستهلها آلة الباصون النفخية.العملاق البعيد الغامض

تبث آلات النفخ الخشبية موجات هوائية ناعمة، تحرك الموج على الكوكب السحري العملاق: كوكب نبتون.. الصوفي العميق وإله البحار عند الرومان..وصوره هولست عبر أصوات جوقة نسائية تغني خارج المسرح بتناغم كبير مع أصوات لا تلبث أن تنحسر وتختفي بغموض مع موج نبتون الغامض.

Ⅶرائعة للإنجليزي غوستاف هولست تحكي بأنغامها دلالات متنوعة عن الكون وحياتنا اليومية

Ⅶ تمخضت عن ولهٍ كبير لمؤلفها بعلم النجوم والتنجيم

والأساطير القديمة

Ⅶ حققت نجاحاً فور ظهورها بفضل موضوعها

الفريد وقوة موسيقاها

Ⅶ ظلت تصنف كونها الأضخم حجماً والأوسع تأثيراً

بين أعمال هولست في الفنون الجميلة

2010

نجحت الرسامة الكندية جاكي أوكلي، في عكس ووصف انطباعات المتتالية، ضمن لوحة لها، بشكل تعبيري متميز، فيه الكثير من أجواء الكواكب السحرية الغامضة.

2016

لا تزال هذه الرائعة الموسيقية، مصدر إستلهام وتوظيف، من قبل مجموعة من المبدعين في العالم، ذلك في مختلف أشكال الفنون. إذ تحضر في التشكيل والدراما والسينما والمسرح في جميع دول العالم.

2014

الرسامة لورين أونيل، قدمت في الذكرى المئوية لظهور هذه المتتالية الرائعة، مجسماً رائعاً للكواكب فيه الكثير من الانطباعات اللونية الحسية.

2016

لا تزال هذه الرائعة محط استلهام وتجسيد وتوظيف، من قبل أبرز فناني العالم، ليس في أروربا وأميركا فقط، بل في دول العالم الثاني والثالث.

في السينما

1995

قدم المخرج كينيث براناه فيلماً بعنوان (في منتصف الشتاء الكئيب)، استعان فيه بمقاطع من متتالية الكواكب، لتوطيد إحساس المشاهد بالغموض المثير.

1997

ظهر فيلم المخرج الأميركي بروس بريسفورد (الطريق إلى الفردوس)، فحقق نجاحاً كبيراً كان الفضل فيه لموسيقى هولست، بفعل دورها في إيصال مفهوم وحدة السجن ضمن العمل، بشكل إنساني معبر.

2009

وظف المخرج الإنجليزي كلينت إيستوود، موسيقى متتالية الكواكب، في فيلمه المؤثر (الذي لا يُقهر)، حيث حقق وجود الموسيقى تواصلاً تعبيرياً عميقاً ساعد في دعم فكرة الفيلم الإنسانية.

Email