البحر.. أنغام الانطباعية وروحها

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكريات غزيرة من عوالم الطفولة، وصور متنوعة وخيال لوني خصب لامتناهٍ، رسم عبرها جميعاً، المؤلف الفرنسي كلود ديبوسي، أفكاره وعشقه للبحر، الذي تشكّل من ساعات التأمل الطويلة، ومن صخب لقاء الريح بالماء، ومن ألعاب الموج.

لعبت الفنون الجميلة دوراً مهماً كبيراً في موسيقى ديبوسي، إذ كانت قد شكلت مع ذكريات الطفولة والخيال المتميز للمؤلف، اللبنة الأساسية في ولادة العمل الموسيقي الكبير (البحر). ولم تكن لوحات الانطباعيين الفرنسيين المستوحاة من البحر هي الوحيدة المؤثرة على الخيال اللوني للعمل.

إذ كان للوحات التشكيليين اليابانيين الجميلة المحفورة على الخشب، أثر جمالي مميز وخصوصا تلك التي حملت اسم (الموجة) للرسام الياباني الشهير هوكوساي، والتي أصبحت بناء على طلب ديبوسي، غلاف المدونة الموسيقية للعمل الخاص به «البحر».

البحر أكبر الأعمال الأوركسترالية لكلود ديبوسي وأحد أشهر أعمال الفترة الانطباعية. وكتبه بين عامي 1903 و 1905. وحدث في البداية، أنه لم يقابل الجمهور الباريسي العمل بشكل جيد، أو يتقبله بشكل مناسب، ذلك لعدم فهم أفراد الجمهور للغة المؤلف الجديدة وللعزلة التي فرضت عليه من قبل المجتمع الباريسي بسبب انفصاله عن زوجته وتشرده مع مغنية شابة اسمها ايما بارداك.

ولكن سرعان ما أصبح عمل (البحر) أحد الأعمال الأوركسترالية الأكثر إثارة للإعجاب في العالم. فهو مزيج فريد من قالبي القصيد السيمفوني والسيمفونية، مليء بالتجانسات المتوهجة التي كسرت التقاليد الموسيقية الأساسية، حيث استخدم ديبوسي الأوركسترا لتكوين لوحة فنية تخطف الانفاس وتعكس أعظم مغامرة بحرية للمؤلف وعلى الرغم من التسمية التي أطلقها المؤلف على العمل (ثلاثة اسكتشات سمفونية).

نشيد الظهيرة

تبدأ أجواء اللوحة الأولى: (من الفجر حتى الظهيرة أمام البحر) ببطء. فيتكشف لنا صوت من دون صبغة لونية معينة.

ولكنه أقرب الى الرمادية وكأننا في لغز غير مكتمل، يليه صوت حشرجة الصنوج التي يتوالد بعدها الموج فنسمع نداء مكبوتا من آلة الترومبيت والمزمار الانجليزي يتراكض بعده الموج بشكل متسارع تحت انتشار نغمات آلة الهورن وآلات الايقاع، فتدخل آلات النفخ الخشبية بهدوء ليبدأ البحر بعد اتساع حركة الموج بنشر ألوانه العجيبة تحت أشعة الشمس الصباحية.

ثم تظهر بعدها مادة لحنية أكثر سرعة وحرية تغنيها آلات التشيلو فتدفع الموج الى التراقص الحر وتتشكل ألحان جديدة، يعزف المزمار الانجليزي والتشيلو أحد تلك الألحان في مجال صوتي عال مجبراً الموج على الهدوء، ثم تصدح النفخيات النحاسية بجلال ونبل، نشيد انتصاف النهار وحلول الظهيرة.

نتبين ضمن «البحر» وفي اللوحة الثانية «العاب الموج»، حركة مليئة بالحياة والحيوية المستمرة.. متنوعة الألوان الأوركسترالية مع العلم أن المؤلف جعلها بلا تبدلات إيقاعية كبيرة.

فالمستمع يحس بوضوح تتالي ارتعاشات الموج النارية العابثة مع تطور المادة اللحنية المرصعة بتآلفات موسيقية صارخة، دائمة التطور تقودنا الى الذروة الرائعة التي تواكب العاب الموج المتسارع. وبعدها ينحسر الموج ويغيب في هدوء غامض.

يدرج يبوسي في اللوحة الثالثة (حوار الريح والبحر)، المادة الأساسية في هذه الثلاثية الخالدة، والمتمثلة في الحوار الأزلي للجارين الصاخبين. فهو يجعلنا نشعر بقوة الريح وعنفوانها، وبغناء البحر وثورته. وذلك عبر مواد لحنية غنية حوارية يملك كل منها معناه الدرامي الخاص.

إذ تلعب آلات النفخ النحاسية دوراً يعكس غنائية وسطوة البحر، من غير مبالغة في العنف. ونجد هنا أنه أوضح ديبوسي الذي لقب بوالد موسيقى القرن العشرين، أن كل صوت.. كل تألف يمكن سماعه بطريقة جديدة أكثر حرية، تعكس التعدد اللوني والانحلال التدريجي في صمت غامض. وهذه هي حقيقة لب المدرسة الانطباعية في الموسيقى.

1862

يعكس هذا العمل روح الابداع التي ولدتها مدرسة الموسيقي كلود أشيل ديبوسي، المولود في 1862، إذ يمثل خبراته ونتاجاته، وهو الذي كان أصلاً قد درس الموسيقى في كونسرفاتوار باريس..

حيث كان صدامياً مع أساتذته في نزعته الفطرية إلى التأليف الموسيقي غير المألوف والمعروف حالياً بالمدرسة الانطباعية، ذلك كاستخدام التآلفات الصوتية من دون انحلال أو العودة إلى النغمة الأساسية واستعمال التنافر الصوتي، مما أثار حفيظة أساتذته لخروجه عن التقاليد الموسيقية..

لكنهم مع ذلك، قدروا عبقرية وأصالة تلميذهم الشاب الذي أكد أن الموسيقى يجب أن تملك طبيعية الطبيعة وتقلباتها اللانهائية. ونال ديبوسي جائزة روما للتأليف عام 1884 عن عمله الغنائي الديني «الابن الضال». وكان لافتا أنه تميز بأسلوبه الخاص الذي يستقي من الأدب والفن التشكيلي..

ويصنع من متعة اللحظة العابرة أو نفحة العطر أو لون غروب الشمس أو صوت أمواج البحر، أعمالاً موسيقية تصويرية جميلة استعمل فيها تآلفات صوتية غريبة وإيقاعات غير مألوفة وألحاناً فيها الكثير من روح الشرق الذي سحر فناني أوروبا في تلك الفترة. ومن أشهر أعماله الأخرى: أرابسك «الزخارف» «1888».

في السينما

1963

الخصوصية اللونية لهذه الموسيقى جعلتها مثيرة لصناع السينما وكبار مخرجيها، فالمخرج البارز الفريد هيتشكوك وظفها بشكل ذكي ومعبر، في فيلمه الشهير «الطيور».

2000

اختار المخرج الصيني كار في وانغ، جزءاً من موسيقى هذا العمل في فيلمه (في مزاج الحب)، ليكمل الروح الرومانسية الغالبة على الفيلم.

2007

ظهر فيلم (الكفَارَة) للمخرج الأميركي جوي رايت، عابقاً بأبعاد جمالية وبرونق فريد أضفته وصاغته موسيقى ديبوسي.

في الفنون الجميلة

2003

موسيقى البحر كان لها صدى آخر في لوحة قدمتها الرسامة الأميركية، بيغي غولايي، التي ترجمت بشغف كبير روح هذا العمل.

2007

الرسام الألماني ولفغانغ شفايتزر ترجم انطباعه حول موسيقى «البحر»، بلوحة غنية بالألوان. وذلك مثلما تأثر ديبوسي بالتشكيليين الانطباعين فكون مدرسة جديدة في الموسيقى.


Ⅶ أبرز الإبداعات الأوركسترالية للفرنسي ديبوسي وأحد أشهر أعمال الفترة الانطباعية

Ⅶ كسر مبدع العمل قيود الموسيقى فصاغ نمطاً مغايراً فتح معه آفاق النهل من أي موضوع

Ⅶ مزيج فريد من قالبي القصيد السيمفوني والسيمفونية ومليء بتجانسات متوهجة

Ⅶ العلاقة بين الموسيقى والفنون جوهر أساسي في هذه الرائعة التي تحاكي أبجديات الطبيعة

Ⅶ كتب ديبوسي العمل بين عامي 1903 و1905 ولم يلق شعبية وانتشاراً سريعين بحكم جهل الناس بجوهره

 

Email