حمد الحمادي: ستظل الرواية وسيلتي لنشر التسامح

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يكتب الروائي الإماراتي الدكتور حمد الحمادي في روايته الجديدة «استشراف القلوب»، الصادرة عن «ملهمون للنشر والتوزيع»، لأولئك الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط حرب لا ذنب لهم فيها سوى عجزهم عن «استشراف القلوب».. لأولئك الذين عانوا كثيراً من خذلان قلوب كانت تُضمر كثيراً من الشر والأنانية، ويقول لهم عبر «بيان الكتب»، ضمن حوار خاص: «ستظل الرواية وسيلتي لنشر التسامح في المجتمع، وسيفاً في وجه من يخذلون السعادة عبر الاحتفاظ بها لأنفسهم»، لا سيما وأنه على ثقة من أن الحقيقة لا تموت رغم كل الجنائز ومراسم النعي وسرادق العزاء التي يقيمها لها أعداؤها.

الحمادي حكى عن الكثير من النقاط والمسائل، في هذا الحوار، خلال تدشينه أدب المستقبل برواية «استشراف القلوب»، في معرض الشارقة للكتاب 2017، وهي رواية مبنية على أحداث مستشرفة للعام 2025.

لماذا اخترت هذا الاسم لروايتك «استشراف القلوب» وما الرسالة التي تود إيصالها للمجتمع من خلاله؟

«استشراف القلوب» رواية اجتماعية بلمحات سياسية وتتضمن جوانب أمنية وإرهابية وفق أحداث مستشرفة للعام 2025 في الإمارات، وقد اخترت هذا الاسم للرواية لأنها تتناول فكرة عجز البشر عن استشراف قلوب الآخرين، عن معرفة ما يكنونه لهم أو ما يضمرونه لهم، وإذا تمعنا فيما يحدث حولنا من أحداث نجد أن العجز عن استشراف القلوب يشكل سبباً مشتركاً لوقوع مآس كثيرة.

من خلال هذه الرواية، أحاول توجيه نظر المجتمع إلى ما يحمله المستقبل لنا، فاستشراف المستقبل لا يعني أن حياتنا ستصبح أسهل من خلال تبني التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي فحسب، بل يعني كذلك أننا سنكون كمجتمعات أمام تحديات كبرى، فهناك ما يسمى حروب المستقبل، وهناك ما يسمى إرهاب المستقبل، والعالم مع تحوله التقني يتيح الفرصة للخير والشر للاستفادة من التقدم التكنولوجي..ولهذا يجب أن نكون مستعدين للمواجهة.

2025

ماذا تناقش الرواية.. وهل تحمل أية مفاجآت؟

الرواية تتحدث عن الإمارات بعد ثمانية أعوام، وبالأخص في عام 2025، وتناقش الفكرة الأساسية التي يذكرها العنوان، فاستشراف القلوب يشكل عنصراً هاماً في تعاملنا مع الآخرين، عجزنا عن استشراف القلوب هو الذي يضعننا أحياناً وسط حروب لا ذنب لنا فيها، وهو الذي يسمح للآخرين باستخدامنا كأسلحة في معاركهم. ليس شرطاً أن تحمل جميع الروايات مفاجآت سردية، لكني ككاتب أميل إلى أن تكون الحبكة قادرة على إحداث تغيير في نفس القارئ وقادرة على إيصال الرسالة المطلوبة له. أحاول من خلال هذه الرواية وضع تصور مستقبلي للحياة في الإمارات في المستقبل القريب، والتلميح للتحديات التي سنواجهها كمجتمع مع من يحاولون استغلال التقدم التقني والذكاء الاصطناعي في الشر.

الرواية مبنية على أحداث مستشرفة للعام 2025، هل بمقدورنا تصنيفها كرواية خيال علمي؟

لا، روايات الخيال العلمي مختلفة وتتحدث عن أمور متخيلة ولم يسبق أن خطرت على البال ربما، لكن في رواية «استشراف القلوب»، أتحدث عن المستقبل القريب الذي تم الإعلان عنه، أنا أتحدث عن أمور ستحدث بالفعل وتم الإعلان عنها لا عن أمور خيالية قد لا تحدث أصلاً.

ففي دولة الإمارات يعتبر استشراف المستقبل محوراً أساسياً لجميع المؤسسات، فالحكومة لديها وزارة للمستقبل، والجهات الحكومية لديها إدارات ومتخصصون في استشراف المستقبل، وهذا ما جعل الإمارات دولة مستقبلية تعمل من أجل المستقبل وتستعد له. وخلال السنوات القادمة سيتم إطلاق العديد من المبادرات المستقبلية التي تم الإعلان عنها، في هذه الرواية أحاول أن أدفع القارئ ليعيش تلك الحياة القادمة. يمكنني أن أقول إنها رواية ضمن أدب المستقبل وهو مجال جديد على الساحة الإماراتية.

نتبين مع الفيديو الخاص بإطلاق الرواية أنها تتحدث عن الإرهاب، ويرى البعض أن الكُتاب الذين لم يعايشوا الإرهاب غير معنيين بالكتابة عنه.. ما رأيك في ذلك؟

الرواية اجتماعية..فيها جانب يتطرق إلى السياسة والإرهاب والأمن، ولكن من منظور مبني على استشراف المستقبل. وفي الإمارات واجه المجتمع خطر التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التي تطرقت إليها في روايتي الأولى «ريتاج»، وواجه المجتمع قضايا أمنية متعلقة بداعش وقد تناولتها في روايتي الثانية «لأجل غيث»، وواجه المجتمع جماعة شباب المنارة الإرهابية التي تناولتها في روايتي الثالثة «هل من مزيد؟». وفي هذه الرواية أتحدث عن إرهاب مستقبلي قد تواجهه دول العالم المختلفة. نحن نعيش في عالم صغير مختلف عما عهدناه خلال السنوات الماضية، اليوم الجميع يستسقي كميات ضخمة من المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما جعل الجميع يعيش وسط الأزمات العالمية حتى لو لم يكن وسطها جسدياً. ولهذا لا يمكن ربط الأدب بالوجود المكاني أو بالقضايا الشخصية في هذا العصر، نحن جميعاً نعيش في عالم صغير يتيح لنا التخيل والبناء على هذا التخيل.

توقعات مدروسة

ما المقصود بالإرهاب الجديد الذي تتحدث عنه في الرواية؟

الإرهاب الجديد أو الإرهاب المستقبلي أو حروب المستقبل هي أمور مستشرفة أو متوقعة الحدوث في المستقبل حول الطريقة التي يمكن أن تقوم بها العصابات الإرهابية بعملياتها، فمثلاً، قبل عام 2001، من كان يتوقع أن يقوم الإرهابيون باستخدام الطائرات في عملياتهم الإرهابية؟ وقبل الأعوام الحالية، من كان يتوقع أن يستخدم الإرهابيون أسلوب الشاحنات في الشوارع...؟ العالم يتغير، والإرهاب يتغير معه، والجميع يستفيدون من التقدم التكنولوجي حتى من يملكون أجندة الشر.

ما الذي تهدف إليه من تطرق رواياتك إلى قضايا إرهابية وأمنية؟

أؤمن أن أحد الأسباب الرئيسية للإرهاب في العالم هو عدم قدرة البعض على تبني التسامح، ما يجعلهم في خلاف مع الآخر ومن ثم محاولة إيذائه. من خلال رواياتي التي تتناول قضايا الإرهاب والأمن، أهدف إلى نشر التسامح من خلال الأدب، وهذا يتحقق عن طريق توعية المجتمع، وبالأخص الشباب، بطريقة تفكير الإرهابيين وبعدهم عن التسامح. أعتبر أن الأدب السياسي وسيلة مهمة لفضح الإرهاب ولنشر التسامح بين أفراد المجتمع.

ممكن

هل من نية لديك لنقل الرواية إلى شاشة التلفزيون؟

أنا كروائي لا أكتب للتلفزيون، وأركز على العمل الأدبي. ولهذا لا أملك إجابة على هذا السؤال، فما حدث مع روايتي «ريتاج»، التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان «خيانة وطن»، يمكن أن يحدث مع أي رواية أخرى، والأمر متاح للمنتجين ومحطات التلفزيون للنظر في الموضوع.

ما طريقتك في كتابة الروايات؟

لكل روائي طريقته الخاصة في الكتابة، وبالنسبة لي أتعامل مع أية رواية جديدة كمشروع يجب التخطيط له جيداً. المرحلة التي تسبق الكتابة قد تكون أطول بكثير من مرحلة الكتابة، ففي المرحلة الأولية أقوم بعمل بعض البحوث وتدوين الملاحظات وبناء الأفكار والأهداف والهيكل الرئيس للرواية وحبكتها وشخصياتها. وفي مرحلة الكتابة، تبدأ عملية ترجمة كل هذه الأمور إلى نص سردي قابل للتلقي من قبل القراء.

دولة تسابق الزمن

هل واجهت أية تحديدات أثناء كتابة روايتك الجديدة؟

التحدي الأكبر كان تشكيل صورة عامة عن الحياة في الإمارات بعد ثماني سنوات، خاصةً ونحن نعيش في دولة تسابق الزمن في مختلف الميادين. واعتمدت في هذه الرواية على المشاريع الكبرى التي سيتم إنجازها قبل عام 2025، مثل مشروع الطاقة النووية والهايبرلوب، على سبيل المثال.

جائزة

حمد الحمادي. كاتب واديب إماراتي. حاصل على جائزة «أوائل الإمارات» التي تقدمها حكومة الإمارات، ذلك كونها أول من دشن الأدب السياسي في الإمارات، وقد تناولت رواياته السابقة قضايا سياسية وأمنية، وتحولت روايته الأولى «ريتاج» إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان«خيانة وطن»، والذي يعتبر أول مسلسل سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية، حيث حقق انتشاراً واسعاً. ووصفه النقاد بأنه نقطة تحول في الدراما الإماراتية.

«استشراف القلوب».. المستقبل في وطن الخير

تنبني رواية «استشراف القلوب»، في حبكتها على ثيمة البطولة الجماعية، وتدور أساساً حول شخصية الدكتورة سماء، التي تدير المستشفى الوطني للأمراض الجينية. إذ تجد نفسها وسط حرب لا ذنب لها فيها سوى عجزها عن استشراف القلوب. ويشاركها في هذه الحرب شقيقها طارق، الذي يعمل مهندساً في شركة الهايبرلوب، والذي يتورط معها في بعض العمليات التي لم يكونا يعلما عنها. كما أن هناك جاسم وسلطان وجهينة وجلال، وهؤلاء جميعا يدخلون حياتها بأهداف مختلفة ومتعارضة.

أعداء أنفسهم

وبشكل عام، تسلط الرواية الضوء على أولئك الذين وجدوا أنفسهم، من دون قصد، وسط حرب تجعلهم يعملون ضد أوطانهم من غير أن يعلموا..حرب تجعلهم يكتشفون أن الحقيقة لا تموت وأن نهاية الظالم لا تتأخر إلا لأن الله يريد له نهاية أسوأ مما يتوقع الجميع.. حرب تجعلهم يوقنون أن استشراف القلوب وحده لا يكفي، وأن الكره الحقيقي أفضل ألف مرة من الحب المزيف. نعم، ما من شيء يضع الأشخاص في أماكنهم الحقيقية مثل الخذلان، ليرحلوا بلا رجعة وليبقى الوطن يساراً جهة القلب.

قوة وأسرار

تحمل الرواية في جوهرها عدة حقائق مهمة، ومن بينها أسرار امتلاكنا القوة التي نملكها الآن، كما تطرح عدة أسئلة أبرزها: هل سنشهد اليوم الذي يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي استشراف القلوب أيضاً لنعيش حياة أفضل؟ أما العناوين الداخلية اللافتة التي لا بد وأن تستوقف القارئ، فهي كثيرة، ومنها: «أسوأ لحظات حياتنا هي تلك التي تتحول فيها الثقة العمياء إلى خذلان ثاقب البصر»، «الحاجة هي أم الإختراع وهي أم الخداع أيضاً»، «ليس التيه أن نجهل أماكننا بل أن نجهل قلوبنا»، «لا أحد يتحدث بطلاقة مثل الابتسامات الشامتة»، «لا فائدة من كلام الشفاه حين تصمت الأعين، لا فائدة من صمت الشفاه حين تتحدث الأعين».

Email