مؤيد الشيباني: روحي تشبعت بالقصيدة الإماراتية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يلذ للشاعر والباحث العراقي مؤيد الشيباني، أن يقرن في نهجه البحثي الفكري، بين جماليات الشعر وحكايات القصيدة والشعراء وماهية الوقائع التاريخية التي أحاطت بالإبداع. وهو ما يتبدى جلياً في كتابه «عتيج بن روضة الظاهري - قصائد بتلقائية الغناء الشعبي»، إذ أحاط فيه بكل ما يتعلق بعتيج صاحب أغنية «غزيل فله» التي غناها الكثير من الفنانين، بدءاً من الإماراتي جابر الجاسم الذي غناها في 1968 ومن ثم أعاد توزيعها وغناءها سنة 1973.

وفي الكتاب الصادر أخيراً عن دار الكتب الوطنية، يبين الشيباني أن شعر عتيج بن روضة متنوع المضامين والأغراض، ويتميز بالتلقائية والبساطة، إلى جانب استعراضه جوانب عدة من حياة الشاعر. ويؤكد الشيباني في حواره مع «بيان الكتب»، أن سنوات عيشه الطويلة في الإمارات.

وكذا دول الخليج العربي، جعلته مندمجاً بالكامل بثقافة هذا المجتمع.. ووصل هذا الاندماج، كما يوضح، إلى درجة أن المسامات الجلدية الروحية تشبعت بالقصيدة الشعبية الإماراتية، بكل ما فيها من تجارب الشعراء والتلوين في لهجتها.

كيف اكتشفت عتيج بن روضة؟

منذ منتصف السبعينيات من القرن الفائت، وأنا معجب بأغنية «غزيل فله في دبي لاقاني» التي غناها الفنان الإماراتي جابر جاسم «في حوالي سنة 1968»، وهي القصيدة التي كان الشاعر عتيج بن روضة قد كتبها أثناء زياراته المتكررة لدبي، في إطار عمله كسائق كثير التردد والانتقال بين مدن الإمارات «دبي وأبوظبي والعين... وغيرها».

ومرت ثلاثة عقود وأنا أسأل عن شاعر هذه الأغنية، وإن كان لديه قصائد أخرى ولم أجد إجابة، إلى أن التقيت قبل عامين، في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بابن الشاعر عتيج بن روضة واسمه محمد بن عتيج، وتوصلت من خلاله إلى مجموعة كبيرة، من المخطوطات المكتوبة بيد الشاعر الذي تعلم القراءة والكتابة على يد المطوعين.

ومن هنا كانت القصائد لا تقرأ بسهولة، فأرجعتها إلى أوزانها وعروضها وألقيت الضوء على المعاني، كما عثرت على مصورات بسيطة ولقطات للشاعر عتيج الذي ولد في العام 1940 وتوفي في 1984، أي أنه عاش 44 عاماً.

بين الكلمة والغناء

كيف كانت سيرة قصيدة «غزيل فله في دبي لاقاني» مغناة؟

هذه القصيدة/‏‏ الأغنية بقيت حبيسة المحلية الضيقة حتى عاد جابر جاسم بعد الدراسة في القاهرة سنة 1973. فأعاد تقديمها ضمن رؤية جديدة تتوافق مع ما تعلمه من أصول الموسيقى والتلحين والتوزيع، وبعد أن كان قد لحنها على العود، أداها مع فرقة موسيقية، وكانت أبرز أغنية إماراتية غنيت في استاد لكرة القدم، في بطولة الخليج في العام 1974.

ونقلت حينها على الهواء مباشرة، وضجت المنطقة بهذه الروحية وهذه الكلمات والأداء والصوت، ومن تلك الفترة حتى تأليف الكتاب، أعاد أكثر من أربعين مغنياً ومغنية، غناء الأغنية.

كم من الوقت بقيت تعمل على الكتاب؟

بقيت سنتين أعمل على الكتاب، تنقيحاً وترتيباً وتبويباً.

كيف عملت على تنقيح القصائد؟

وجدت بعض الحروف مائلة ومدمغة، مثلاً «يا نظير العين» كتبها «ينظر العين» لا ألف ولا ياء، وهو ما يجعلني أقف أمامها طويلاً، فهذه الكتابة ناتجة عن أن الشاعر كان يعاني ضعفاً في الإملاء، وهي ليست مشكلته، بل هي جزء من عمل المحقق.

ماذا عن مصادرك في الكتاب؟

اعتمدت على ما قدمه محمد ابن الشاعر، الذي كان متعاوناً.

تلقائية

ما الذي يميز قصائد عتيج بن روضة؟

التلقائية والبساطة والمفردة القريبة من الحياة اليومية أبرز ما يلفت في شعر الظاهري، بالقياس إلى شعر الذين عاصرهم وتعايش معهم بشكل يومي، أو الذين قبله أو بعده.

فهو تلقائي في مفرداته وصوره، لكنه وهذه مفارقة مهمة، كان يعيش صراعاً وجودياً، يحاول التعبير عنه، يحترق ويجتهد من أجل الإفصاح عن مكنونات نفسه، إنه يتكلف في الحياة ويعاني، لكنه لا يتكلف على الإطلاق وهو يكتب قصيدته، هكذا في جميع نصوصه الشعرية يبدأ من المطلع ومن دون توقف، وصولاً إلى زفيره الحار والخارج من ضمير وجوده.

بين البحث والشعر

أصدرت أكثر من كتاب تناولت فيه القصيدة الشعبية، فلماذا اتجهت إلى هذا النوع من البحث؟

أعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ثلاثين عاماً، وقبلها 10 سنوات في دول الخليج العربي الأخرى، وهكذا منحتني هذه الفترة اندماجاً كاملاً بالمجتمع، ووصل هذا الاندماج لدرجة أن المسامات الجلدية الروحية تشبعت بالقصيدة الشعبية الإماراتية، بكل ما فيها من تجارب الشعراء والتلوين في لهجتها.

أما العوامل الأخرى، فأنا شاعر مغرم بالشعر، ومن بيئة المنطقة الجنوبية في العراق، القريبة من اللهجة الخليجية، والأكثر من هذا أن البنية الفنية للقصيدة الإماراتية تشبه البنية الفنية للقصيدة الجنوبية في العراق، من ناحية الوزن والإيقاع والقافية، وهي تختلف عن القصيدة الشعبية في دول أخرى مثل مصر.

ما طبيعة كتابك الجديد الذي سيصدر بعنوان «الأغنية الإماراتية.. نشأتها وتطورها»؟

مشروعي الأجمل والأهم، جمع التراث الغنائي الشعبي الإماراتي، وليس من قبل مئات السنين بل من 60 عاماً، أي منذ انطلاقة حارب حسن الفنان الإماراتي الذي يعتبر أول من غنى قصيدة غنائية، وكانت «يا حبيب القلب عذب الحشا»، هذه الرؤية ستملأ 12 كتاباً ستصدر قريباً جداً عن أكاديمية الشعر في أبوظبي، ومنها ما هو في المطبعة.

بدأت شاعراً ثم انتقلت للعمل البحثي، فكيف تمت هذه النقلة؟

الأبحاث تعتمد على النظرة الموسوعية، وهي النظرة الموجودة عند الشاعر، فالقصيدة لا تكتب من فراغ بل من أرضية معرفية، والبحث يحتاج إلى هذه الأرضية، على سبيل المثال عندما أريد أن أجري تناصاً وأعتمد على حدث يعود لأيام صلاح الدين الأيوبي يجب أن أعرف كيف حررت القدس، وكيف أكتب هذا بالقصيدة..

وبالتناص الشعري أستخرج صورتي الشعرية، وهو ما منحني القدرة على البحث لأنني أزعم أن معرفتي واسعة. كما أني أعمل منذ 40 عاماً في مجال الأبحاث، وركزت في أبحاثي على التراث الشعري الإماراتي، وما يحمله من ثقافة تاريخية.

أين هو الشعر في إنتاجك حالياً؟

الشعر لا ينقطع، فأنا دائم التواصل والشعر رغم الانشغال، فهو صاحب الفضل علي وأنا أحتاجه إلى اليوم. فهو الذي يحقق لي التوازن بين الجنون والعقل، ويجعلني أحب كل شيء حتى القبيح أجمله بالشعر، فهو الذي جعلني متميزاً حتى في تحولات الأزمنة الخطيرة. وهناك جديد سيصدر قريباً، سيكون بمثابة انعكاس لما يجري فيه من الهموم والتطلعات والحب والمحبة.

ما مشاريعك للأيام المقبلة؟

ثمة مشاريع كثيرة أعمل عليها، وهي متنوعة ما بين التوثيق التراثي الإماراتي، والكتابة المسرحية والشعر.

عتيج بن روضة الظاهري .. أشعار بتلقائية الغناء

يسرد الشاعر والباحث مؤيد الشيباني، في كتابه «عتيج بن روضة الظاهري - قصائد بتلقائية الغناء الشعبي»، الصادر عن سيرة الشاعر عتيج بن روضة الظاهري، عبر 300 صفحة من القطع الكبير.

، وهي سيرة موزعة على 10 فصول يستعرض فيها كيف أن شعر عتيج متنوع يخوض في مختلف المضامين والأغراض، منها الاجتماعي، كالشكوى من بعض المواقف الصعبة في الحياة، والردود على أصدقائه الشعراء الذين كانوا يتناولون قضية ما، ومنها أيضاً العاطفي كالغزل وهو الذي كان يلقبه المطربون وأصحاب التسجيلات وتوزيع الأسطوانات «شاعر الجمال».

1940

يبدأ الشيباني كتابه بمقدمة يشير فيها إلى أن الظاهري قد ولد في العام 1940 في واحة «الجيمي» بمدينة العين، وبعد وفاة والده، وهو في عمر الطفولة المبكرة، أخذته أمه ليعيشا عند أخواله في منطقة «ارطاه» بالقرب من «رماح» على طريق العين - أبوظبي. فعاش طفولته وصباه وهو يساعد في مهن منطقته وأهله. وبعد فترة تزوجت أمه، لينتقل عتيج للعيش عند أخيه الكبير عبدالله الذي قام على تربيته وتعليمه الكتابة وقراءة القرآن الكريم عند المطوع «قبل ظهور التعليم النظامي».

خيال

يذكر الشيباني أن عتيج تلمس ضوء الشعر مبكراً، حيث كتب قصيدته الأولى بعمر عشر سنوات، وهو يتعلم القراءة والكتابة بالطريقة التقليدية في «الكتاتيب» لكنه تمتع منذ البداية بخيال واسع، واستطاع أن يخزن صوره الشعرية من خلال معاناته اليومية كصبي وشاب ومتطلع لحياة اقتصادية مستقلة في ظروف لم تكن تعينه في تلك السنوات.

وخاصة بين منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي. وفي النصف الثاني من الستينيات «1966» بدأت الحياة تأخذ منحى آخر بتسلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي.

حيث الأعمال وبناء المنشآت وبدايات تعبيد الطرق وغيرها، فتسنى لعتيج العمل في النقل، وقد كان لتلك الفترة والعمل في التنقل بين المدن، أثر مهم في نمو ونضوج التجربة الشعرية لدى عتيج بن روضة، وهي فترة الشباب والاندفاع والاحتراق المتواصل.

وفيها أنتج الكثير من القصائد الدالة على تلك الحركة المكانية في الخارج والعاطفية في الداخل. وقد انعكس ذلك في قصائده أيضاً، من خلال التعرف على السيارة كأداة جديدة في ذلك الوقت، وهو أحد العاملين في أجوائها.

100 قصيدة

للشاعر كما ورد في الكتاب، قصائد عديدة تتعلق بالسيارات وطبيعة تأثيرها في المجتمع والحياة عموماً، فرضها عمله كسائق تاكسي في تلك الفترة من الحياة، حيث لا وجود للسيارات بالكثرة المعروفة اليوم، لكنه كان يتعثر في عمله بسبب الحوادث واحتياجات التصليح والصيانة.

وهذه الجزئية لم يتركها عتيج تمر من دون أن يوثقها في قصائده، التي يشكو فيها من كثرة الأعطال وما يترتب عليها من ديون والتزامات مالية أثقلت كاهله. إلى أن ترك العمل في مجال «السياقة»، وانتمى إلى دائرة الماء والكهرباء في أبوظبي، وقضى فيها شطراً من حياته.. حتى فارق الحياة إثر أزمة قلبية في العام 1984.

لكن عتيج استطاع خلال حياته القصيرة أن يترك الشعر المتنوع، كما وصفه الشيباني، حتى إنه تناول الجانب الاقتصادي الذي عالجه وتطرق له بمضامين وصور ورموز جميلة، إلى جانب قصائد المديح التي توجه بها إلى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي المرحلة التي شهدت التحولات والإنجازات الكبيرة في الإمارات.

ويقول الشيباني في الخصوص: نحن أمام تاريخ نستطيع قراءته من خلال القصيدة الشعبية، والقصائد المئة التي يحتويها الكتاب هي التوثيق الأول لأعمال الشاعر منذ رحيله.

إضاءة

مؤيد الشيباني. شاعر وإعلامي وباحث عراقي، أصدر العديد من المجموعات الشعرية، منها: لا تسأل كم بقي من الوقت، قصب كله نايات.. والكثير من الكتب البحثية، منها: «حمد خليفة أبو شهاب - الشعر والتوثيق»،«أوتارك مقاربات القصيدة والأغنية والمكان»، «أحمد راشد ثاني - ما قاله الأصدقاء للموت».

Email