السحر وهم يهدم العقيدة ويزرع الكراهية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال كثيرون في العالم العربي يؤمنون بأنه من الممكن اللجوء إلى السحرة والكهان لعمل سحر أو أعمال سفلية للانتقام من الآخرين، ويعتقد هؤلاء أنه من الممكن تحقيق ما يعجزون عنه بالوسائل المنطقية باللجوء إلى هذا العالم الغريب والاستعانة ببعض من يزعمون أنهم قادرون على تسخير الجن في تنفيذ أعمال سحرية تضر الآخرين فقط، وهو ما يخرج من يقوم بمثل هذه الأعمال عن الدين الصحيح.

وهو ما تؤكده أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر د. عبلة الكحلاوي، التي تقول إن من يدعي قدرته على كتابة الأعمال انتقامًا من الغير فهو ليس إنسانًا بل شيطانًا، مؤكدة أن الساحر كافر، موضحة ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من تعلم شعبة من شعب السحر فقد تعلم شعبة من شعب الكفر»، والعلماء أجمعوا على وجوب أن يقام عليه حد السحر وهو القتل، وأيضا حذر الرسول من أعمال السحر والدجل والشعوذة، حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل وما هن يا رسول الله ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق..».

وأوضحت الكحلاوي أن الشيطان هو الذي يُعلِّم السحر وفقا لقوله }وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَاروتَ وَمَـارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{، ومن خلال تلك الآية بيّن لنا الله عز وجل الأذى الذي يلحق البشر من فعلهم، مؤكدة أن الشيطان عدو مبين.

أما د. صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه بالقاهرة فيفرق بين الساحر والكهان، فالساحر هو الرجل الذي يتصل بالجن من أجل أن يقوم بتسخيره ويقوم بأعمال تضر الآخرين، مؤكدا أن الساحر لا يكون ساحرًا حقًا إلا إذا كفر بالله، وذلك حين يأخذ من المصحف بعض الأوراق ويلوثها بفضلات البشر، وهنا قد كفر حقًا، أما الكهنة فهم الذين يتنبأون بالمستقبل، وقال الرسول «إن الكاهن والتكهن والكهانة في النار»، مشيرا أيضا إلى الفرق بين العرافة والتنجيم قائلا: إن العراف هو الكاهن الذي يتنبأ بالمستقبل عن طريق الرمل والودع وحساب الجمل، أما التنجيم فهو ادعاء بأن النجوم فيها مقادير البشر، فكذب المنجمون ولو تحققت أقاويلهم وهذا يكون نادرا وبالصدفة.

وأوضح أن الانتقام في الأصل غير مقبول وحرام شرعا، حيث قال صلى الله عليه وسلم «واتبع السيئة الحسنة تمحها».

وقال إن القرآن الكريم يؤكد أن السحر شاع في عهد سيدنا موسى عليه السلام، عندما دعا فرعون السحرة حتى يُعجز موسى ورسالته ويصرف الناس عنه، ولكن حينما رأى السحرة معجزة وتيقنوا من صحة دعوة سيدنا موسى خروا ساجدين.

 

أفعال شيطانية

وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ، بهذه الآية القرآنية بدأت د.فايزة خاطر، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، حديثها عن السحر الذي يقصد به القيام بعمل أفعال شيطانية تسبب الضرر للآخرين، مؤكدة أنها لم تؤمن بمثل هذه الأعمال على الإطلاق، وأن هناك مقدرات لم ولن يستطيع الجن التحكم فيها على الإطلاق وهي «الرزق والزواج والأولاد» بل هي من تقدير الله فقد كتبها قبل خلق الإنسان ولا تبديل لكلمات الله فلا قدرة لمخلوق على تغييرها، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وقالت «خاطر» إنه من الممكن أن تكون لدى الجن القدرة على فعل أشياء كالنكد والحزن وغيرهما من الأشياء والأمور البسيطة، ولكن هذا يعد ابتلاءً من الله يمتحن من خلاله عباده لمعرفة مدى إيمانهم وقدرتهم على الصبر والتحمل، هذا إلى جانب ضعف إيمان المنتقم منه ولبعده عن تعاليم الله والرسول وسوء نيته.

وعن كيفية الوقاية منه، تقول خاطر إن الوقاية تكمن في ذكر الله، حيث يقول تعالى }أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ ومن ذلك قراءة الرقية الشرعية خاصة المعوذتين لفك السحر؛ لأن معاني كلماتهما فيها وقاية من هذا السحر الأسود ووقاية من جميع الأمراض الروحية، هذا إلى جانب قراءة سورة البقرة كل ثلاثة أيام في المنزل كعملية تطهير، وأيضا اتباع ما نادى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عملا بقوله تعالى «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا». وأرجعت انتشار أعمال الدجل والشعوذة إلى غياب الدعوة، موضحة أن المسلمين في حاجة إلى التوعية الدينية وفي نفس الوقت فإن الدعاة والأئمة مشغولون بالعبادات متجاهلين العقيدة والوعي الثقافي والديني وخوض الناس في الخرافات والهواجس.

 

بطولات وهمية

أما د.سهير سند، أستاذ علم الاجتماع، فتقول إنه في الآونة الأخيرة انتشر في المجتمعات العربية من يزعمون أنهم يكتبون الأعمال، ولم يقتصر الذهاب لهؤلاء فقط على غير المثقفين بل امتد ليشمل المثقفين أيضا، حيث أرجعت ذلك إلى أن هؤلاء يتوهمون أن اللجوء إلى السحر سوف يحقق هدفهم، وهذا يعد نوعًا من العيب في العقيدة الدينية، كما أن البعض يلجأ إلى مثل هذه الأعمال رغبة منه في الانتقام من آخرين، موضحة أن الخيال الشعبي المستلهم لدى كثير من الشعوب العربية والحكايات المتواردة عن بطولات وهمية أو كائنات خارقة مثل «أمنا الغولة» وما شابه وطبيعة القصص التي تتناول أعمال السحر.. جعل بعض الشعوب العربية وحتى بعض المتعلمين يؤمنون بأن هناك من لديه قوة خارقة للعادة، وهو ما تعتبره تفكيرًا خرافيًا يتناقض مع التفكير العلمي الذي يقوم على منهج يهتم باستقراء الحقائق المجردة، هذا بالإضافة إلى أن الاستسهال والسرعة في الانتقام تدفعان للاعتقاد في تلك الخرافات في ظل توقف العقل عن التفكير.

 

سلوك انتقامي

وفي السياق نفسه..تقول د.هبة العيسوي، أستاذ وعضو الجمعية الأميركية للطب النفسي، إن من يتوجهون إلى من يكتبون الأعمال انتقاما من الغير يتميزون بأنماط مختلفة من الشخصيات، مشيرة إلى أن شخصياتهم تتمتع بسلوكيات انتقامية ويخشون الظهور في الصورة ومواجهة من عذبوهم، وهذا يعد نوعًا من أنواع العنف السلبي.

كما يتسمون بالخوف والإحساس بالدونية؛ لأنه ليس لديهم القدرة على المواجهة ولا يمتلكون القوة ولديهم دافع داخلي للإيذاء ويلجأون إلى هؤلاء لأنهم لا يستطيعون رد الأذى عن أنفسهم. وأشارت إلى أنهم يلجأون لمثل هذه الأساليب؛ لتحقيق أغراضهم التي لم تتحقق بالشكل الواقعي العقلاني الأدبي والأخلاقي والاجتماعي فيلجأون إلى حيل أخرى ترضي غرورهم. مشيرة إلى أن هناك شخصيات مضادة للمجتمع، وعادة فإن مثل هذه الشخصيات يكون مستوى ذكائها أقل من الطبيعي، كما تكون هذه الشخصيات منقادة إلى حد كبير ويسهل التأثير عليها، وهذه الشخصية تميل إلى تعذيب الآخرين وتتلذذ بذلك.

 

Email