بدعم متواصل من الشيخ زايد

«أم الإمارات» مسيرة 46 عاماً للنهوض بالمرأة وترسيخ دورها

الشيخ زايد في إحدى زياراته لجمعية نهضة المرأة الظبيانية | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حفل يليق بالحدث، تم قبل أيام قليلة الإصدار الأول لكتاب أم الإمارات.. قصة خير من أبوظبي عن مؤسسة المباركة برعاية الشيخة موزة بنت مبارك بن محمد آل نهيان، رئيسة مجلس الإدارة، وكان لي شرف حضور الحفل في مكتبة الوطن في قصر الرئاسة، وقد قام معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، بالتوقيع على كل نسخة تم إهداؤها.

 

بقلم الإعلامي: د. محمد سعيد القدسي

 

تنمية الإنسان

ومع بداية كتابتي لهذا المقال استرعى انتباهي كلمات قليلة ذات دلالة شاملة في كلمة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، ومنها قوله:

«أذكر بكل فخر ما نتعلمه من سموها دائماً أهمية أن تتكاتف جميع مؤسسات المجتمع وقطاعاته في سبيل تحقيق أهداف التنمية المتقدمة والناجحة، أتذكر دائماً توجيهاتها الحكيمة في أن تنمية الإنسان وتطوير المجتمع هما أمران أساسيان وجوهريان لنجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الرخاء والسلام في كل ربوع الوطن، ولتكون الإمارات دائماً النموذج العالمي الرائد في تعميق قيم ومبادئ الحوار والتواصل والتسامح والعمل المشترك عبر العالم كله».

كلمات مختصرة لكنها تجسد شخصية «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.

عطاء

ومع استغراقي في التأمل فيما أبدأ به مقالي لفتت عيني كلمات بليغة في مضمونها في توصيف نهج عمل «أم الإمارات»، الذي أصبح مثالاً يحتذى كتبتها الشيخة موزة بنت مبارك آل نهيان، رئيسة مجلس مؤسسة المباركة، في قولها: «هذا هو ديدن مسيرة أم الإمارات ونهجها الأصيل منذ أن اختارت لنفسها أن تكون دائماً في مقدمة ركب العطاء الوطني، قائدة لمسيرة المرأة ونصيرة لها في كل الميادين، في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية وبناء الأسرة وغيرها من الأدوار والمنجزات الخالدة التي ستظل على مر التاريخ معيناً تنهل منه الأجيال وتتأمل سيرة ذلك العطاء، وتقتدي في مسيرتها العملية بنهج سيدة العطاء الوطني أم الإمارات».

كلمات تغني عن كتاب في لمحات سريعة عن محطات مختلفة وحافلة لمسيرة أم الإمارات في أكثر من أربعة عقود من الزمن.

نموذج

إن مسيرة العمل لإبراز دور المرأة في الإمارات التي تتقدمها «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية منذ انطلاقتها عام 1973 مروراً بتأسيس المؤسسات الأخرى في الدولة في حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحتى بعد وفاته، تعتبر نموذجاً فريداً من نوعه في العالم نظراً لما حققته ابنة الإمارات في كل المجالات، إلى جانب الدور الذي أنجزته سموها داخلياً وعالمياً واستحقت كل أشكال التكريم والتقدير التي حظيت بها من مختلف الهيئات والمنظمات الدولية عبر عقود من الزمن.

وتسجل صفحات التاريخ العمل الحثيث منذ بدايته المبكرة بدعم ووقوف الشيخ زايد، رحمه الله، بشكل متواصل مع سموها وهو يقدم التوجيه والمشورة والدعم بمختلف أشكاله، ومن هنا لم تنقطع زياراته، رحمه الله، لكل مراكز ومؤسسات المرأة في أنحاء الإمارات.

مع تسلمه، رحمه الله، مقاليد الحكم في أبوظبي عام 1966 كان المجتمع فيها يعاني من أوضاع صعبة في كل النواحي وهذا ما

تطلب منه بذل كل قدراته وخبراته ليتمكن من تأهيل شعبه للحاق بمظاهر التقدم التي تعيشها مجتمعات كثيرة، ووجد أن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، باستطاعتها أن تكون عوناً له في قطاع كبير من أبناء الوطن، وكان هذا نعم الرأي وصواب الاقتناع بما يمكن أن تقدمه، علماً بأن هذا أمر نادر الحصول في أي مجتمع من دول الخليج العربي في ذلك الوقت، وفعلاً أثبتت سموها صدق حدسه من خلال اهتماماتها الداخلية واستعدادها لأبعد من ذلك فيما بعد حين أصبحت نشاطاتها وفعالياتها ذات طابع دولي، ضمن صون قيمنا الاجتماعية وتقاليدنا وعاداتنا.

ومن هنا كانت نظرة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، أن قرينته وشريكته في الحياة والمسيرة سوف تؤدي دوراً مهماً في هذا التوجه

من خلال تحسين حال المرأة وأفراد أسرتها في مجالات الحياة المختلفة.

وكان الشيخ زايد، رحمه الله، يرى دائماً أن الإمارات وهي تنطلق في تطورها على كل صعيد لا يمكنها أن تنكر على المرأة - وهي نصف المجتمع - دورها الاجتماعي والتنموي وإلا نكون قد تخلينا عن جزء مهم من المجتمع، وتقول سموها: «عندما انطلق الشيخ زايد في ورشة التطوير والتنمية على صعيد أبوظبي ثم على صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة كان في سباق مع الوقت هو وفريق عمله ومساعدوه بهدف اللحاق بركب الحضارة، ما من شك أن المهمة كانت ثقيلة وشاقة وقد ألقت علينا نحن النساء مسؤوليات حيال بعض المهام والواجبات».

أما الشيخ زايد، رحمه الله، فقد قال فيما بعد في هذا السياق: «إن ما تم إنجازه على أيدي النساء في الإمارات العربية المتحدة خلال هذا المدى الزمني القصير يبعث في سعادة كبيرة، ويقنعني بأن ما زرعناه بالأمس ها هو اليوم قد بدأ يؤتي ثماره».

إنجازات

وطوال عهد الشيخ زايد، رحمه الله، حاكماً لأبوظبي ورئيساً لدولة الإمارات كانت سموها هي التي تزرع من خلال إطلاق العمل النسائي على كل المستويات في كل أرجاء دولة الإمارات، وتقول سموها: «إن الشيخ زايد شجع المرأة على خوض غمار العمل في كل المجالات»، وتضيف سموها: «إن الأرقام والإحصائيات تشكل خير دليل على ما بلغته المرأة الإماراتية لكن طموحنا لا يقف عند هذا الحد، ونحن لا نكف نتطلع إلى المزيد من الإنجازات حتى نطمئن إلى أن المرأة الإماراتية باتت متساوية مع المرأة في سائر بلاد العرب والعالم، وليس خافياً أن بلدنا لم يتجاوز عمره ثلاثة عقود وأكثر ومع ذلك استطعنا تحقيق عدد من الإنجازات التي كانت موضع دهشة الكثيرين ممن زاروا الإمارات وشهدوا ما حققته من تطور».

وبفضل القيادة الواعية تحققت مرحلة الإنجاز في كل المجالات التي أصبحت تنعم بها المرأة بل وأصبحت علامات سبقنا فيها الكثير من المجتمعات والدول، حيث انطلقت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، لتحقيق رؤية الشيخ زايد، رحمه الله، في مجتمع حديث قائم على التقاليد العربية والإسلامية مع الإدراك بأن تحرير المرأة يمكن أن يصل بالمجتمع إلى ما وصلنا إليه من تقدم وتطور.

قبل 46 عاماً جاءت الخطوة الأولى

افتتحت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، جمعية نهضة المرأة الظبيانية عام 1973 كأول تجمع للمرأة بهدف التشجيع على التعلم مع التركيز على الكبار ومحو الأمية، وكان للنجاح الكبير الذي لاقته الجمعية الحافز لافتتاح جمعيات مماثلة في الإمارات الأخرى ليتبع ذلك تأسيس سموها للاتحاد النسائي العام عام 1975 الذي شكل بدوره المظلة الجامعة لكل الجمعيات التي كانت مؤسسات مستقلة.

وقد اتسع نطاق العمل ليشمل العناية بالأم والطفل والشؤون الاجتماعية والنشاط الرياضي والثقافي إلى جانب التراث والأعمال الفنية، وانتشرت فروع الاتحاد النسائي العام في الإمارات نتيجة لذلك لتزيد على الثلاثين فرعاً، وقد نتج عن هذا استفادة عشرات الآلاف من النساء من كل الأعمار من خدمات الاتحاد المتنوعة والكثيرة التي شملت أيضاً صفوف محو الأمية والتدريب على التمريض والتدبير المنزلي والأعمال اليدوية مع برامج الإعداد الوظيفي وغير ذلك من البرامج.

وقد أكملت سموها تحقيق الهدف بتأسيس مؤسسة التنمية الأسرية التي تتكامل في واجباتها ومهمتها مع هيئات ومؤسسات المرأة في دولة الإمارات، وانتهاء بالمجلس الأعلى للأمومة والطفولة.

«أم الإمارات» وجهودها في مجال التعليم

كانت «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، مثالاً يحتذى في مجال التشجيع على العلم والتعلم ومحو الأمية، بهدف رفع شأن المرأة الإماراتية وترسيخ ثقتها بنفسها، ومن هنا كانت لا تترك فرصة إلا وتطلب من الجهات الحكومية المختصة بذل جهدها وتقديم كل ما يمكن لتحقيق هذا الهدف، كما كانت سموها ترعى النشاطات الاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى إقامة علاقات وثيقة مع الهيئات والمنظمات النسائية في العالم، وكانت ترى أنه لا بد من توفير كل المعطيات التي تؤهل المرأة لتقوم بواجبها نحو مجتمع وطنها الإمارات، وهي على يقين بأن العلم هو الأساس في ذلك، وكان مجلسها ومازال منبراً حياً للمرأة في الإمارات إيماناً منها أن المرأة بمسؤوليتها الأسرية وتنشئة الأجيال تمثل أكثر من نصف المجتمع وهي الصورة نفسها عند الشيخ زايد، رحمه الله، الذي ساعدها شخصياً في وضع برنامج عملها وتنفيذه، وعلى سبيل المثال وليس التحديد فإن أرقام عام دراسي واحد تترجم نجاح سموها في تعزيز دور ابنة الإمارات في مجال التعليم وهو عام 1983 وفيه بلغت نسبة المتعلمات اللواتي تجاوزن عمر المدرسة 88,7% إلى جانب ارتفاع أعداد طالبات المراحل الثلاث إلى قرابة مئة ألف طالبة مع وصول عدد خريجات الجامعات إلى نسبة 57%، وبعد أن قطعت دولة الإمارات العربية المتحدة هذه الرحلة في تعليم المرأة بدأنا في تثبيت هذا الإنجاز على أرض الواقع وفي كل مجال يجسده قول الشيخ زايد، رحمه الله: «ما من شيء يسعدني أكثر من أن أرى المرأة في بلادنا تتبوأ مراكز مهمة في المجتمع، ولا شيء يجوز أن يعوقنا من التقدم في هذا المجال. إن النساء كالرجال تماماً يحق لهن أن يشغلن المراكز العالية انطلاقاً مما يملكن من الكفاءة والقدرة».

ومع الانفتاح على عمل المرأة في كل مجالات الإنتاج وبناء الوطن أثمرت جهود «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، في تأسيس كلية عسكرية وكلية للشرطة لانتساب بنات الإمارات أسوة بالرجل، وفتحت أمامهن الأبواب ممثلات للشعب في المجلس الوطني الاتحادي في تجربة فريدة من نوعها حين أصبحت نسبة المرأة في العمل البرلماني الديمقراطي خمسين بالمئة أسوة بالأعضاء المواطنين، ولا تفوتها هذه المبادرة المباركة، حيث أشادت بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، برفع نسبة تمثيل المرأة الإماراتية في المجلس الوطني الاتحادي إلى نسبة 50 % وقالت: «لقد سعدنا جميعاً في أرجاء الوطن، رجالاً ونساءً، شباناً وشابات بالتوجيهات السديدة للقيادة الرشيدة التي تعمل على الدوام من أجل مزيد من التقدم والنماء لهذا الوطن الغالي عبر الأخذ بأيدي أبناء الإمارات ودعمهم في المجالات كافة».

ويضاف إلى ذلك وجود عدد ملحوظ من سيدات وبنات الإمارات في مناصب وزارية، وفوق ذلك كله شغل العنصر النسائي من سيدات وبنات الإمارات نسبة تزيد على 68% من القوى العاملة في الأجهزة الحكومية.

تقدير عالمي لـ «أم الإمارات»

إن الدور الذي قامت به ولا تزال «أم الإمارات» عبر مسيرة عملها الطويلة في حياة الشيخ زايد، رحمه الله، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، لم يقتصر على الإنجازات التي حققتها لدعم وتطوير المرأة والأسرة والطفولة داخل دولة الإمارات فقط، بل تجاوزت أياديها الحدود لتقدم كل عون للمجتمعات المختلفة وفي كل المجالات مما جعلها سفيرة أمينة لبلدها قابلها المجتمع الدولي بالكثير من معاني التقدير والتكريم في مناسبات مختلفة وكثيرة، كان منها درع الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة للمتطوعين والصندوق الإنمائي وميدالية ماري كوري من منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونيسكو) واللقب الغالي الثمين (أم الإمارات) في يوم المرأة العالمي عام 2005 ولقب (أم العرب) في أبريل 2015.

ولا أزال أذكر الحضور المتميز في قصر الإمارات في أبوظبي عام 2008 لتكريم سموها من قبل الأمم المتحدة لدورها النشط والفعال في مجال تقوية دور المرأة ورفع مستوى تمثيلها في عملية اتخاذ القرار، إلى جانب دورها في موضوع منع وقوع النزاعات بل وحلها متى وقعت، وقد شهد حفل التكريم حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، سمو الأميرة هيا بنت الحسين، والملكة رانيا العبدالله قرينة الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن.

وأجمل تكريم لسمو «أم الإمارات» رد الشيخ زايد، رحمه الله، على سؤال من أحد السفراء العرب أواخر السبعينيات: «لو لم تكن الشيخة فاطمة إلى جانبي لكانت الحياة كلها من دون معنى».

Email