حاكم رأس الخيمة في حوار شامل مع «البيان» يستعين ببلاغة الصمت تكريماً للشهداء

سعود بن صقر: روح زايد تسكن كل واحــــد فينا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لحظات كان الصمت فيها أعلى صوتاً وأكثر فصاحة من الكلام، فكان لغة الوقار التي سادت المكان عند استحضار سيرة وبطولات شهداء الوطن، فاللغة تصبح ضعيفة وركيكة أمام عطاء الشهداء، فيحضر الصمت لأنه أبلغ، وإن تجرأت بعض الكلمات على تمجيدهم.. نعم كان الصمت أبلغ ما عبر فيه صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة عن مشاعره الإنسانية تجاه أبنائه الشهداء، ففي صمته كان ينظم قصيدة شعر بحروف من نور في تمجيد الشهداء، قطع الحديث مع «البيان» ليقرأ الفاتحة على أرواحهم، بعدها ساد صمت طويل حتى رأينا صور الشهداء وبطولاتهم وهو يحتضنهم في عينيه، قبل أن يستأنف الحديث بقوله إن «الجميع يتساوى في الكلام، لكن الشجاع يُعرف بمواقفه في المحن والشدائد، وهكذا هم أبناء زايد حملوا أرواحهم على أكفّهم فداء للوطن ونصرة للحق ولم يتخلوا عن شقيق أو صديق».

كان الشهداء عنوان الجلسة مع سموه في مجلس قصر الظيت في رأس الخيمة، لكن تحت ذلك العنوان تفرّعت أسئلة وقضايا عدة، كان محورها الإنسان وحقه في التعليم والرعاية الصحية والحياة الكريمة الآمنة، سواء أكان مواطناً أم زائراً أم مقيماً، وكلما ابتعد الحديث عنه نجده حضر من كل الزوايا في حديث سموه، مؤكداً أن قادة الإمارات علّمونا أن الإنسان أساس الحياة ومحور النجاح، وأن كل ما نجنيه اليوم من ثمرات الاتحاد هو من البذرة التي زرعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه المؤسسون في الوجدان الوطني وجوهرها الإنسان، ويرعاها اليوم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم الحكام. ولم يكن يقصد صاحب السمو الشيخ سعود ابن الإمارات فقط، بل الإنسان أينما وجد، في ضيافتنا أو خارج الحدود، مؤكداً أن عقيدتنا عقيدة تسامح وتعاون وما وجود 200 جنسية على أرض الدولة إلا تصويت عالمي بأننا دولة تسامح، نحفظ الحقوق، ونلبي نداء الواجب لشعبنا ولكل شعوب الأرض، فهذه هي الإمارات كما أرادها زايد، أرض محبة وعطاء وتسامح وتعاون وعمل، لخير الإنسانية، لذلك قال سموه: «إن حظ الإمارات كبير بزايد، الذي آمن بالقيم الوطنية والقومية والإنسانية، فأسس وشعبه دولة الرفاه لكل من يعيش على أرضها حتى صارت حاضنة لكل جنسيات العالم الذين يتمتعون بالأمن والأمان على أرواحهم وممتلكاتهم ومالهم وأعمالهم، فالإمارات بيت مفتوح، ولكنه آمن».

وكعادته الأثيرة التي عُرف بها في استرساله الشائق بالحديث عن قضايا الحياة والدولة والحكم والرعية بوضوح وشفافية ورؤية واضحة، طاف سموه بين شتى الملفّات، واقترب بحكمة القائد المخلص من مختلف القضايا المعاصرة والمستقبلية، وجال في فكره المنفتح على كل ما يهم المجتمع والدولة والإنسان، ورصد بعين الخبير آفاق المستقبل وما يحمله من متغيرات وتحديات، منطلقاً في حديثه ورؤيته من قاعدة العمل الاتحادي الذي يرصّ البنيان، ليبقى البيت متوحداً، بل يزداد وحدة.

وفي تفاصيل الحوار قال سموه إن حظ الإمارات كبير بالوالد زايد، الذي عرف أهله وشعبه وبلده وآمن أن المستقبل أمانة في عنقه، ومسؤولية ملقاة على عاتقه، فكان أهم شيء في حياته، رحمه الله، حب الوطن وثوابت الأمة، كما آمن، رحمه الله، بالتعاون فلبّى شعبه طموحه.

وأضاف أن الإمارات تتميز اليوم بروح زايد الموجودة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وإخوانه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم حكام الإمارات، وأبناء الشعب الإماراتي الذين كان لهم بصمة في دفع مسيرة دولة الإمارات للأمام.

التسامح والأمان والاستقرار

وأشار سموه إلى أننا نعيش اليوم واقع التسامح على أرض دولة الإمارات التي تحتضن جميع الأديان والأعراق، مؤكداً أن «التسامح لدينا ممارسات وليست قوانين، وحين نقول إننا في واحة أمان، فإننا لا نعيش أحلاماً بل نعيش واقعاً يشهد عليه أن دولة الإمارات هي اليوم حاضنة لشعوب العالم، الذين يعيشون في وئام وانسجام واحترام للآخر، وهو ما يلمسه كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة».

وتطرق صاحب السمو حاكم رأس الخيمة إلى نعمة الأمان التي نعيشها في دولة الإمارات، وقال سموه: «الأمان والاستقرار الذي يعيشه المجتمع في دولة الإمارات، يمثل أهم المنجزات التي حققتها الدولة، وهو ما يعد إنجازاً عالمياً كبيراً في ظل المزيج الشعبي من مختلف جنسيات العالم والسياح، فالإمارات بيت مفتوح ولكنه آمن.. ونريد من كلّ إنسان طيب أن يأتي إلى وطننا، وكل ذلك بفضل المنظومة الوطنية لمؤسسات الدولة ومتابعة القيادة الرشيدة التي وضعت كرامة الإنسان وسعادته وأمنه على رأس أولوياتها، وحملت على عاتقها تمكين الشعب الإماراتي من مواصلة مسيرته التنموية نحو التقدم والازدهار».

وأضاف سموه: «إن المغفور له الشيخ زايد حيّ بمن خلفه ويسير على دربه، وجميعنا نلتف ونقف صفاً واحداً خلف راية الوطن التي يرفعها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإخوانه وشعبه، ولا شك أن وجود جميع الأعراق والجنسيات على أرض الإمارات أكبر تصويت لنا بأننا دولة تسامح، وهو أحد أبرز الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات، في رسالة محبة للعالم».

تفعيل دور الشرطة

وشدد سموه على أهمية تفعيل دور الشرطة لحماية المجتمع وحل مشكلاته وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين والمقيمين على أرض الدولة على حد سواء، انطلاقاً من التخطيط المنهجي السليم الذي يشرف عليه الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وقال سموه: «كلّ الشكر لسمو الشيخ سيف بن زايد، حيث حرص على أن تكون المؤسسة الشرطية الإماراتية في طليعة المؤسسات الأكثر قوة وفاعلية وحداثة في العالم، فوظيفة الشرطة ليست مراقبة الناس بل تأمين الحماية لهم وحلّ مشكلاتهم».

وأضاف سموه: «اليوم نرى مؤسسات الشرطة في دولة الإمارات تتنافس فيما بينها لخدمة الشعب الإماراتي وبث الثقة والطمأنينة لدى جميع أفراد المجتمع، ضمن استراتيجية واضحة برؤية عصرية لتطبيق مفاهيم الشرطة المجتمعية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

وإن النجاح الذي حققته القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة بحصولها على المركز الأول في ثلاث جوائز، ضمن جوائز سمو وزير الداخلية بدورتها الرابعة، يعكس الجهود الكبيرة التي تقدمها الكوادر الشرطية للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة إلى أعلى المستويات، كنتيجة طبيعية للعمل ضمن منظومة الفريق الواحد، والتنافس لتقديم الأفضل للمجتمع الإماراتي، والتي تتماشى مع النهضة الحضارية والاستقرار الذي تتمتع به دولة الإمارات عموماً، ورأس الخيمة خصوصاً».

حماية الأسر

وقال سموه: «إن واجبنا هو حماية الأسرة في المجتمع الإماراتي، ولذلك تم إنشاء مؤسسات لحماية الإنسان من العنف الأسري والتفكك، انطلاقاً من المبادئ والقيم الراسخة في دولة الإمارات، وإيماناً بأن الأسرة السليمة تقود إلى مجتمع مستقر ومتماسك، وتقوم تلك المؤسسات بدور كبير في رعاية الحالة النفسية لضحايا العنف وتقديم الخدمات الصحية والنفسية لتمكينهم من استعادة حيويتهم وتوازنهم لإعادة دمجهم في المجتمع».

وأشار سموه إلى أن وزارة الداخلية عمدت إلى تأهيل وتطوير الكوادر الشرطية وفق منظومة عالمية لمواجهة التحديات والسلوكيات الدخيلة على المجتمع في ظل التركيبة السكانية الفريدة من نوعها في دولة الإمارات، وحماية الأسر وأولادنا وخصوصاً في مرحلة المراهقة لا سيما من آفة المخدرات من خلال برامج التوعية المجتمعية ورفع الوعي بأضرار ومخاطر المخدرات والمؤثرات العقلية.

وأكد سموه التعاون البنّاء بين مؤسسات الدولة في توفير المسكن العصري للمواطنين، وإنشاء البنية التحتية المتطورة، والعمل المستمر في خلق استقرار الأسر الإماراتية من خلال تسوية الأراضي وتسهيل المعاملات وإنشاء مواقع الترفيه وتوصيل الخدمات لجميع أبناء الإمارات.

المرأة في الإمارات

وأكد سموّه أن ابنة الإمارات ركن أساسي إلى جانب أخيها المواطن في دفع عجلة التنمية والتطور الذي تشهده دولة الإمارات، لتصبح المرأة الإماراتية مثالاً يحتذى به إقليمياً ودولياً بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة، ولتواصل ابنة الإمارات دورها الريادي في البناء والتقدم، وترك بصمة إيجابية في كل الميادين.

بيئة تعليمية راسخة

وأكد سموه أن دولة الإمارات رسّخت بيئة تعليمية وأكاديمية عالمية قوية من خلال استقطاب أكبر الجامعات العالمية، وإنشاء مراكز البحث العلمي، وتطوير التعليم ومساراته لتعزز دورها الإقليمي القائم على التنوع والإبداع والابتكار، تحقيقاً لأهدافها المتمثلة في بناء أجيال المستقبل المتسلحة بالعلم والمعرفة.

وقد اعتمدت دولة الإمارات منذ نشأتها بناء منظومة تعليمية ترتكز على التكنولوجيا المتقدمة والاستثمار فيها لصناعة الإنسان الإماراتي، الذي يمثل ركناً أساسياً في بناء اقتصاد المعرفة، ورفع سقف طموحاته، تماشياً مع النهضة المنشودة التي تتطلع إليها قيادتنا الرشيدة، واليوم لدينا كفاءات وطنية حولت المستحيل إلى شيء ممكن وملموس من خلال الصناعات الوطنية ووضع دولة الإمارات على خريطة استكشاف الفضاء الخارجي.

وقال سموه إن «الطموح للأفضل هو سمة أبناء الإمارات، كما أن البيت الإماراتي متوحد لخدمة هذا الإنسان، وتمهيد طريق النجاح أمامه، لتخطو دولة الإمارات خطوات كبيرة في مسيرة التعليم، من خلال تطوير مؤسسات الدولة، وتوفير احتياجات كل مواطن ومقيم، وهو ما يشكل أبرز التحديات لتمكين الإنسان وضمان مستقبله، ولذلك قمنا بإنشاء مؤسسات معنية بصقل مهارات الكادر التعليمي كأحد وسائل تطور المنظومة التعليمية وإيصال رسالة الدولة بتعليم جيل أفضل، فنحن نستطيع تغيير مستقبل طلبتنا عندما نتمكن من تغيير مستوى المدرسين».

وأضاف سموه: «على مستوى إمارة رأس الخيمة وضع المغفور له بإذن الله الوالد الشيخ صقر بن محمد القاسمي منهجاً تعليمياً راسخاً، وذلك بافتتاح المدارس وجعل التعليم إجبارياً للفتيات، كما هو للأبناء، وقام بصرف إعانة شهرية للأسر تشجيعاً لها على إرسال أبنائها للدراسة، وتحفيزاً للطلبة على الاهتمام والالتزام بالتعليم، وإذا ما تغيّب الطالب كان يُخصم منه درهم عن كل يوم غياب، واستكمالاً لهذه المسيرة بادرت بإنشاء مؤسسة سعود بن صقر القاسمي التعليمية الخيرية في رأس الخيمة لمساعدة الأسرة المقيمة في مواجهة ظروفها المادية بتوفير التعليم الجيد لأبنائها.

واليوم يشكّل خريجو هذه المؤسسة جزءاً ناجحاً من النسيج الوطني حاملين رسالة دولة الإمارات بصناعة ونجاح الإنسان، فالجهل أكبر المخاطر التي تواجه الإنسان، ليصبح هؤلاء الطلبة جزءاً صالحاً من المجتمع الإماراتي والوطن العربي، وما يهمّني هو كيف نحصّن أبناءنا بالعلم حتى يكونوا حصوننا وجنودنا، والتحدي الأساسي هو إكساب الفرد المهارات، فمهمتنا كيف نصنع إنساناً قادراً على الإنجاز».

وأشار سموه إلى برامج المنح والبعثات الدراسية للطلاب والطالبات المتميزين علمياً سنوياً للالتحاق في أرقى الجامعات داخل الدولة وخارجها، بهدف إعداد وتأهيل جيل قيادي من أبناء وبنات الدولة القادرين على مواجهة تحديات المستقبل، من خلال كوادر مواطنة مؤهّلة وفق أرفع المستويات العلمية لمواصلة مسيرة التنمية التي تشهدها الدولة، مؤكداً سموه حرصه على تشجيع المواطنين والمواطنات على استكمال دراساتهم والتزود بالعلم والمهارات للقيام بدورهم في المشاركة الإيجابية الفاعلة بمسيرة النماء والتطور التي تشهدها دولة الإمارات في المجالات كافة.

الجواز الإماراتي

وأكد سموه أن حصول الجواز الإماراتي على المرتبة الأولى عالمياً هو إنجاز رفيع لخطط حكومتنا الرشيدة، التي عملت بجد على بناء صورة دولة الإمارات الناصعة في الخارج، حتى أصبحت الدولة عنواناً للسلام والاعتدال، كما يضيف لأبناء الإمارات إنجازاً تاريخياً جديداً في سجلهم الحافل بالإنجازات في مختلف الميادين، ويكتسب هذا الإنجاز أهمية خاصة، كونه يأتي تزامناً مع «عام زايد»، نتيجة لدور سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، بتنفيذ رؤية القيادة الرشيدة.

وأشكر إخواننا القائمين على «الخارجية» لأنهم حققوا رؤية القيادة حتى أصبح جواز السفر الإماراتي الأول عالمياً، فهذا الإنجاز لا يقتصر على الفوائد الإيجابية لتوفير سهولة السفر والتنقل الخارجي لمواطني دولة الإمارات، بل يشمل أيضاً عوائد اقتصادية وتنموية لدولة الإمارات من خلال تسهيل التبادل التجاري والاستثمار الاقتصادي للأفراد والمؤسسات.

أبواب حكومية مفتوحة

وأكد سموه أن مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في تسهيل المعاملات تؤكد أن دولة الإمارات أبوابها مفتوحة باستمرار لخدمة كل من يعيش على أرض هذا الوطن، كما تعكس قوة ومتانة اقتصاد دولة الإمارات الذي ينمو ويزدهر بتنوع مصادره، الأمر الذي مكّنها من ترسيخ مكانتها وجهة عالمية ونموذجاً مختلفاً ومتفرداً في مختلف المجالات والقطاعات.

وقال سموه: «إن قيادة الإمارات متواصلة مع الواقع، وأفخر بوجود إخوة لي في القيادة يسابقون الزمن». وأضاف سموه «إن الحكومة الإلكترونية تقول لكل فرد أنا عندك في كل مكان وكل يوم.. و«المدير عندك»».

وأشار سموه إلى أن المسؤولين في مؤسسات إمارة رأس الخيمة يسابقون الزمن للقيام بدورهم في تنفيذ هذه المبادرات الحكومية الرائدة، من خلال تفعيل وتسهيل المعاملات وتشجيع الاستثمار، وقال سموه إن «الفشل سهل، ولكنّ النجاح يحتاج متابعة ومثابرة وشجاعة في مواجهة النفس عند الأخطاء، ولذلك بدأنا بإعادة تنظيم مؤسساتنا وأجهزتنا لخلق منظومة حكومية متكاملة ومبتكرة تتنافس فيما بينها لتقديم خدماتها للمتعاملين ورفع مستوى السعادة بين أفراد المجتمع».

منظومة قضائية رائدة

وأكد سموه أن المنظومة القضائية في دولة الإمارات، هي أساس الحكم واستقلاليته ومنصة فاعلة للعدالة التي ينعم بها الإماراتيون وكل مقيم على أرض الدولة، كونها أحد ركائز الاستقرار والتطور، ولذلك أطلقنا العديد من المحاكم النوعية المبتكرة وغير المسبوقة على المستوى العالمي ضمن حزمة متكاملة من المبادرات التطويرية في العمل القضائي، ومنها محكمة اليوم الواحد في رأس الخيمة التي تهدف للفصل بالقضايا خلال أقل من 30 دقيقة، وضمان حقوق المتقاضين وتحقيق العدل.

وحققت المنظومة القضائية والنيابة العامة العديد من الإنجازات، من خلال استخدام التكنولوجيا المتطورة في إطار رؤية «الحكومة الذكية»، والتي تم تصميم خدماتها لتوظيف التكنولوجيا في اختصار وتبسيط إجراءات تسجيل القضايا عن بعد ومتابعة مراحل التقاضي وتوثيق الملفات، والتي ساهمت برفع مستوى السعادة وتوفير الوقت والجهد. وقال سموه: «إن استقلالية القضاء هي أساس الحكمة وهدفنا تحويل السجون إلى بيوت للإصلاح ومحطة لفتح صفحة جديدة».

التخطيط لاستمرار النهضة

وشدد سموه على إيمانه بأن النجاح والفشل وجهان لعملة واحدة، ومفتاح نجاح أي مؤسسة أو دولة هو التنظيم، فالنجاح جيد والكل يطمح له، والأهم منه الاستمرار في النجاح.

وقال إن الفارق بين تحقيق النجاح والوقوع في الفشل يكمن في التخطيط السليم والأدوات المستخدمة، وضرب سموه مثلاً باللوحة الفنية المميزة بدقتها وجمالية تفاصيلها نتيجة لمسات فنان يمتلك رؤية خاصة، في الوقت الذي لن تخرج هذه اللوحة بهذا الجمال الفائق إن كان من يقوم عليها لا يتقن فن الرسم، ولو أنه استخدم الألوان والريشة ذاتها، وهذا أبرز التحديات التي وضعتها دولة الإمارات بتنظيم هذه الألوان وليس مجرّد تعدد الألوان، وهكذا هي رؤيتي في إمارة رأس الخيمة بتطوير مؤسسات الإمارة لصنع المستقبل، وتحقيق هدفنا للأجيال القادمة الحاضنة لهم.

وأضاف سموه: «إن زايد وضع لنا أسس النجاح والمهمة بعده أصبحت سهلة وواجبنا كيف ننظم المهام، وحين نعيد تنظيم دوائرنا نضع هدفاً واضحاً وهو تسهيل الإجراءات، فحكومة الإمارات جسر للنجاح، وعلينا استكمال مسيرة النهضة التي صنعها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وإخوانه المؤسسون، والحفاظ على الصدارة العالمية والنجاحات التي حققتها الدولة في شتى المجالات والقطاعات»، مشيراً إلى دور المجلس التنفيذي في رأس الخيمة وتطوير فعاليته وكفاءته، بالإضافة لدور المؤسسات الرقابية في تطوير العمل المؤسسي ووضع المعايير العالمية والالتزام بالقوانين والمعايير الإماراتية.

تطوير السياحة والاقتصاد

وتحدّث سموه عن قطاع السياحة، وقال: «إن أعداد السياح والزائرين لم تكن سابقاً تحقق طموحاتنا، أما اليوم فتستقطب إمارة رأس الخيمة أكثر من مليون سائح سنوياً، بالإضافة لارتفاع عدد الغرف الفندقية لأكثر من 6300 غرفة بمختلف مناطق الإمارة، وهدفنا مضاعفة عدد الزائرين باستقطاب 3 ملايين سائح بحلول 2025، نظراً لتمتع الإمارة بالمواقع الطبيعية الخلابة واختلاف طبيعتها بين الشواطئ البحرية والجبال والمواقع الأثرية وقمة جبل جيس الأعلى في دولة الإمارات، ضمن سلسلة لا تنتهي من توفير متطلبات الزائر للإمارة بمختلف تطلعاته ومتطلباته».

وأضاف سموه أن الإمارة تستعد لافتتاح أول ميناء سياحي لاستقطاب البواخر السياحية لمواكبة العصر واستقطاب شرائح جديدة من السياح، تأكيداً على مكانتها كأسرع وجهة سياحية نمواً في المنطقة، من خلال تنويع منتجاتنا الغنية بالمعالم والتجارب الأصيلة وتحويل صناعة السياحة في إمارة رأس الخيمة إلى محرك مستدام للاقتصاد الوطني، مشيراً إلى افتتاح ميناء الحاويات في ميناء صقر بغاطس 2000 متر، وهو الأعمق في منطقة الخليج العربي، وأحد أكبر الموانئ لتسليم البضائع في العالم، بهدف خلق بيئة اقتصادية جديدة للمساهمة في خدمة دولة الإمارات، بالإضافة لإنشاء مناطق صناعية في رأس الخيمة ومنها المدينة الملاحية والمدينة الصناعية بالحمراء وأخرى بالغيل، وهذه المناطق تزخر بصناعات وشركات متميزة، كما أن تنفيذ استراتيجية جديدة للصناعة يهدف إلى إنشاء بنية تحتية تجارية متكاملة تساهم في جذب المستثمرين ورجال الأعمال من جميع أنحاء العالم.

وأكد سموه أن إنشاء المكتب الإعلامي لحكومة رأس الخيمة هو جزء من استراتيجيتنا لتطوير الأداء الإعلامي في الإمارة وتعزيز مكانة الإمارة إعلامياً وإبراز منجزاتها والترويج لها بما يحقق أهدافها التنموية والحضارية عالمياً، ونقل الصورة الحقيقية لكل الأنشطة التي تجري فيها بموضوعية.

وأشار إلى إنشاء الشركات العقارية المطورة ومنها شركة رأس الخيمة العقارية بهدف تقديم الدعم للمستثمرين وبناء المجمعات السكنية الحديثة، بالإضافة لشركة «مرجان» كمطور رئيسي لمشاريع التملك الحر في رأس الخيمة، وتعمل الشركة ككيان مستقل مسؤول عن تطوير المشاريع العقارية المتنوعة وطرحها للتملك الحر في الإمارة، بهدف تنويع اقتصاد إمارة رأس الخيمة في القطاع العقاري، وتعزيز جاذبيتها للسياح والمستثمرين من كل أنحاء العالم بفضل ما تحتضنه من وجهات ذات مستوى عالمي، مؤكداً أن النجاح مؤسسي وليس فردياً، وهدفنا هو الاستمرار في الحفاظ على النجاح الذي حققناه.

الحفاظ على الهوية

وفي تأكيده على أهمية الهوية الوطنية، قال سموه إن دولة الإمارات حافظت على هويتها وإرثها الثقافي وعاداتها خلال مسيرة النهضة الشاملة، التي صنعتها القيادة الرشيدة ببناء دولة حديثة تنبض بالعديد من الثقافات والعادات، والحفاظ على ثقافتنا يعد جزءاً لا يتجزأ من هويتنا الوطنية والعربية الأصيلة، ولذلك نجد الاهتمام بتطوير الجمعيات المعنية بالفنون والتراث الشعبي وربط الماضي بالحاضر للحفاظ على التاريخ الثقافي الإماراتي كثروة يستفيد منها السائح، وحماية هذا التراث والعمل على تناقله بين الأجيال القادمة.

وأشار إلى أن الثقافة في دولة الإمارات حققت نجاحات وإنجازات على المستوى الإقليمي والعالمي، من خلال معارض الكتاب في دولة الإمارات ومنافستها على الأرقام العالمية، بالإضافة لنشر ثقافة القراءة، بالإضافة لدور الثقافة في القطاع الاقتصادي من خلال صناعة الأفلام والمسرحيات، والمساهمة في دعم هذا القطاع.

قواتنا المسلحة والشهداء ونصرة القضايا العادلة

وتوجّه صاحب السمو حاكم رأس الخيمة بالحديث عن دور قواتنا المسلحة فقال سموه: «نحن في دولة الإمارات نؤمن أن الإسلام لا يعترف بالعنف والإرهاب، فهو دين التسامح والخير والتعايش، ولذلك كانت قواتنا المسلحة حاضرة بقوة في نصرة القضايا العادلة للشعوب الأخرى، عربياً وإسلامياً، وهنا أخص بالشكر أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي نهل من فكر مدرسة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، وطموحه في تأسيس مؤسسة عسكرية قوية مسلحة بأحدث التجهيزات العسكرية، واليوم نرى مساهمات رجال قواتنا المسلحة البواسل ومساهمتهم في الوقوف إلى جانب أشقائهم».

وأشار سموه إلى أن قواتنا المسلحة الباسلة أثبتت على الدوام أنها حصن الوطن المنيع والسند للأشقاء في أوقات المحن، وقال: «نشيد بوقفات أبناء القوات المسلحة وهم يؤدون الواجب في ميادين الشرف والعزّة، حيث سطروا بدمائهم الزكية صفحات خالدة في سجل البطولة والفداء، وظهر ذلك أثناء مشاركتهم في العديد من الحروب والتضحية بأرواحهم في سبيل وطنهم وأمتهم، ودفاعاً عن الحق ورداً للظلم والعدوان، وهذا ليس بغريب على أبناء الإمارات الذين تربوا في مدرسة زايد».

وأكد سموه أن «تاريخ أهل الإمارات حافل بالبطولات ونصرة الحق كواجب وطني، فالجميع يتساوى في الكلام ولكن يُعرف الإنسان الشجاع بمواقفه في المحن والشدائد، ومن هو صادق في ولائه لوطنه، وليس بغريب على أبناء الإمارات الذين فاجأوا العالم بشجاعتهم وإخلاصهم، ولنا أن نفخر أيضاً بصور الوفاء التي قدمتها عائلات الشهداء وخاصة الأمهات وتعبيرهم عن فخرهم بأبنائهم الأوفياء، الذين قدموا أروع قيم التضحية مسطّرين بمواقفهم المشرفة وأعمالهم البطولية والإنسانية في ساحات العز وميادين الشرف صفحات مضيئة ستظل خالدة في ذاكرتنا الوطنية».

شهداؤنا أحفاد الرجال

يحظى ملف الشهيد بمكانة أثيرة في قلب صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، وظهر ذلك من خلال التأثر الشديد الذي بدا عليه عندما طُرح عليه سؤال حول مكانة الشهداء ومواقف وتضحيات أبناء الإمارات الأبطال، حيث أطرق سموه طويلاً قبل أن يبدأ بإجابته عن السؤال ثم أثنى على بطولات أبناء قواتنا المسلحة وشجاعتهم ومواقفهم المشرّفة في الدفاع عن الوطن، ثم ذكر قصة وقعت على زمن المغفور له بإذن الله الشيخ صقر بن محمد القاسمي. وقال سموه: «كنت جالساً في مجلس والدي الشيخ صقر، رحمه الله، إذ جاءه شاب يطلب من والدي المساعدة في تكاليف زواجه، فرحّب به والدي ولبى له طلبه وتبادل الحديث معه، وبعد أن خرج الشاب من المجلس التفت إليّ والدي وأبدى إعجابه بهذا الضيف وقال لي إن هذا الشاب تبدو عليه علامات الرجولة والشجاعة.

ودارت الأيام ومضى على الحادثة عدة عقود، حيث كنت في مجلس عزاء أحد شهداء الوطن من قبيلة ذلك الشاب الذي أتى إلى والدي، رحمه الله، فقال لي أحد أقارب الشهيد إن جدّ هذا الشهيد قد ذهب إلى الوالد الشيخ صقر وقد ساعده الوالد بتكاليف زفافه، فاستحضرت فوراً كلمة والدي ونظرته التي لم تخب في ذلك الشاب، وقلت إن الرجولة والشجاعة لم تغب وها هي اليوم تظهر في أحفاد الرجال».

Email