أوصاف الجمال والجلال والذوق

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أنت المعلم وليس غيرك، وإذا كان الأسد يعرفك ويطلب قربك وجوارك، بعد أن خرج في غفلة من الحراس، وهام في الحديقة حتى وجد نافذة غرفتك مفتوحة، فعبر منها إلى مخدعك، وعرفك وراح يشمك حتى أيقظك.

إذا كان الأسد وهو الوحش الكاسر، يهيم هكذا في هواك، ويتتبع رائحتك فيأتي على الرائحة مستأنساً بك يا فارس العرب، فكيف لا تعرفك الخيل وهي من أذكى الحيوانات وألطفها، ولاسيما مع من يعرف لغتها وعادتها وطبعها وداءها ودواءها؟

لذلك فعندما تقول يا سيدي:

مِـــنْ عَــلَّـمْ الخيلْ أنْ بإسـمي تـنـاديـني

وأنِّــــي إذا جــيــتْ مِ الــبِـعـدْ إتِّـلَـقَّـاني

تــفـرَحْ بـقـربـي وتـمـازحـني وتـحَـيِّيني

وَإنْ غــبـتْ عـنـهـا عــلـىَ نــارْ إتِّـرَيَّـاني

تَــــدْركْ وجـــودي وتَـعْـرفـني وتَـغـلـيني

وتـبِـشْ لــي وبَــسْ قـاصـرْها إتِّـحـفَّاني

وتـحـسْ بــي وبـشعورْ تـشَمَّمْ إيـديني

يـاكنَّها فـي الـمشاعرْ نـفسْ الأنساني

إحسان

إن مطلع هذه القصيدة يذكرني بقول الشاعر العربي قديماً:

مَن علّم الورقاء أن محلّكم

حرمٌ وأنك مَلجأ للخائف؟

نعم..إن الذي علم الورقاء هو الذي علّم الخيل، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فأنت يا صاحب السمو تمتد يمناك بالإحسان إلى كل شيء، فلو استنطقت الجماد لشكرك، فكيف بالخيل وهي تعيش في نعماك صباح مساء، ولقد تربت في اسطبلاتك أحسن تربية، وسستها بأحسن سياسة، فعرفتها وعرفتك، وقدرتها حق قدرها وقدرتك، واليوم قليل في حقك ما تُظهره لك يا سيدي هذه الخيول من مظاهر الرضا.

وما أشبه هذا الموقف من الخيل بالموقف الذي عبر عنه المتنبي عن الزهور في وقت الربيع إذ قال:

وذكي رائحة الرياض كلامُها

تبغي الثناء على الحيا فتفوح

جُهد المُقلّ فكيف بابن كريمة

توليه خيراً واللسان فصيح

أجل..يا سيدي إنها تتشمم يمناك التي أحسنت إليها، والأصيل لا ينكر الإحسان، وقلتَ سموك: «يـاكنَّها فـي الـمشاعرْ نـفسْ الأنساني»، لكني أقول: ليس كل إنسان في هذه الأيام يقدر الإحسان، ففي بعض الحالات نجد أن الحيوان الأعجم أرحم وألطف وأوفى من الإنسان الذي يتنكر إنسانيته ويلبس جلد الوحش المفترس، لذلك فإن أحد الشعراء يقول:

عوى الذئب فاستأنست عند عُوائه

وصوّت إنسان فكدتُ أطير

إسطبلات الأخلاق

سيدي أنت حساس ومرهف الإحساس وكذلك خيلك، فهنيئاً للخيول التي تتربى في إسطبلات الأخلاق الفاضلة عندك، وهنيئاً لك يا صاحب السمو على أنك منحك الله الحاسة السادسة، فصرت بها تدرك لغة هذه الخيول ذوات الحس المرهف والذوق الرفيع.

ومثلما وقف ملك الشعر والشعراء امرؤ القيس يصف جواده يقول:

وقد أغتدي والطير في وُكناتها

بمُنجرد قيد الأوابد هيكلِ

مِكرّ مِفرّ مُقبلٍ مدبرٍ معاً

كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ

كُميت يزلّ اللبْد عن حال متنه

كما زلّت الصفواء بالمتنزلِ

مِسحّ إذا ما السابحات على الونى

أثرن غباراً بالكديد المركّلِ

يزلّ الغلام الخفّ عن صهواته

ويلوي بأثواب العنيف المثقّلِ

دَرير كخذروف الوليد أمرّه

تتابع كفيه بخيط موصلِ

له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ

وإرخاء سرحان وتقريب تتفُلِ

كأن على الْمَتْنَيْنِ منهُ إذا انْتَحَى

مَداكَ عروسٍ أو صَلايةَ حنظلِ

كأن دماء الهاديات بنحره

عصارة حنــــاء بشيب مرجّلِ

جمال وجلال

إذا كان امرؤ القيس وصف جواده بذلك الجمال والجلال والكمال، فإنك يا فارس العرب مع شيء من الخصوصيات وصفت خيلك بما يشبه تلك الحال من الإعزاز والإكرام والإجلال فقلت:

ولـلـخـيلْ أنــسـابْ وأوطـــانْ وبـلاديـني

وفـي الـخيلْ أسـرارْ محفوظهْ بكتماني

إمـضـمَّرْ الـظـبي فـيـها وصـفَهْ إمـحيني

وعـدوَةْ الـذيبْ في غفلَهْ علىَ الضاني

مـشـدودَةْ الـجـلدْ مـحـسوبَهْ بـتمكيني

صـلـيبةْ الـقينْ لـي فـي الـشَّدْ مـالاني

سـلسةْ عـنانٍ وحِـيَّةْ سيرْ في حيني

عقبْ التَّعَبْ ترجعْ أنشَطْ م الذي كاني

تـنصبْ فـي الـسِّيرْ صَـبْ الـما بتعييني

شـلاَّلْ مِـنْ راسْ ضـلعْ إيـصبْ عجلاني

يـاكِّـنـكْ تــشـوفْ هـــدَّاتْ الـشِّـواهيني

هـدَّنْ عـلىَ الـصِّيدْ لـكنْ دونْ جـنحاني

فـيها مِـنْ الـزِّينْ زيـنْ أزيَـنْ مِـنْ الـزِّيني

جـمـالـهـا فـــي عـيـونـي مـالـهـا ثــانـي

استفهام جميل

وجميل أنك افتتحت القصيدة باستفهام جميل وعلى شكل سؤال طرحته كمن ينتظر الإجابة مع العلم بأن الإجابة في بطن السؤال نفسه.

وفي الختام كانت القفلة بهذا البيت الذي لخص القصيدة بهذه الإيقاعات الفنية الجميلة التي تعودنا عليها من سموك (الاشتقاق) ثم ما تراه أنت يا سيدي جميلاً مع فوارق الزمان والمكان، فمن غير شك نراه نحن جميلاً أيضاً، لأنك أنت الذوق الأجمل والأكمل والأول، وأنت القائل:

والخيل بالخيال محكومه

ما يحكم القايد سوى القايد

 

Email