تقرير القمة العالمية للحكومات: الدول الفائزة تظفر بكل شيء

ت + ت - الحجم الطبيعي

حدد تقرير «الفائزون يظفرون بكل شيء» الذي صدر عن القمة العالمية للحكومات في دورتها الأخيرة، السباق لاعتماد منهجية متكاملة لخلق فرص العمل في حقبة العمل المستقبلية، مفصلا دور الحكومات في حقبة العمل المستقبلية، والتحولات الأساسية الأربعة لكيفية تعامل الحكومات مع تطور أماكن العمل.

وفصّل المآزق الشائعة في طريقة استجابة الحكومات لمسألة خلق فرص العمل، واعتماد آليات النظام خاصة فيما يتعلق بمنومة التوظيف، وكيف يتعين على الحكومات الاستجابة.

دور الحكومات

ينذر تزايد الاعتماد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي بخلق عالم مستقبلي يماثل توقعات عالم الاقتصاد كينز الذي يشير إلى تقليص عدد ساعات العمل إلى 15 ساعة أسبوعياً، وسيحدث كل ذلك في ظل زيادة عدد السكان ممن هم في سن العمل بمقدار 700 مليون في الأعوام العشرين المقبلة.

وتشير هذه التحولات إلى أن العالم قد يشهد حقبة جديدة من الوظائف واسعة الانتشار عالية الجودة، بحيث تغدو المهام البسيطة أمراً من الماضي، إلا أن هذا الأمر لا يزال بعيداً كل البعد عن الوضع الراهن، ويبدو أن العالم يتجه نحو خلق فرص عمل جديدة، ومع ذلك فإن طبيعة هذه الوظائف وردود فعل الجهات الفاعلة المؤسسية تشير إلى أن أي نمو يحدث سيركز في شريحة صغيرة من السكان،.

وستكون النتيجة النهائية لذلك زيادة حادة في التفاوت الاجتماعي حيث ستحصد مجموعة صغيرة من الأطراف الفاعلة الموهوبة التي تتمتع بمهارات عالية كافة فوائد أسواق العمل الحديثة، حيث من الممكن أن يكون هذا التفاوت مقبولاً على المدى القصير، ولكنه سيؤدي بشكل واضح إلى نتائج غير مستدامة على المدى الطويل.

تغيرات سوق العمل

وأشار التقرير إلى التغيرات التي من الممكن أن تطرأ على واقع أسواق العمل في القرن الحادي والعشرين التي تفرض الأهمية الملحة.

وهي: إمكانات النمو الكبيرة في مجموعة واسعة من القطاعات التي تتسم بمستويات عالية من الابتكار، ما يستدعي الحاجة إلى مهنيين من ذوي المهارات، وفي الوقت ذاته سيكون هناك عاطلون عن العمل الذين يشعرون بعزلة متزايدة عن سوق العمل، وهؤلاء هم الذين تخلفوا عن ركب قطار الاقتصاد العالمي.

وقد يشير البعض إلى أن هذه التغيرات حدثت على أعتاب كل ثورة صناعية، ومع ذلك فإن سرعة التحول اليوم لم يسبق لها مثيل، ولم تترك التغييرات التكنولوجية الجذرية السريعة خياراً للحكومات سوى حشد كافة مواردها الداخلية والتصدي لتحديات العمالة المواكبة لها، وستترتب على الإجراءات الحكومية مجموعة من النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية في نهاية المطاف، وسيتم تحديد وملاحظة الفرق بين الفائزين والخاسرين.

الفائزون والخاسرون

عرّف التقرير الخاسرين: هي الدول غير القادرة على التكيف مع التحول الجذري في طبيعة الوظائف أو استبقاء المواهب الماهرة، ومن المؤكد بأن شريحة واسعة من سكانها ستشعر بالعزلة، مما سيثير حلقة من ردود الفعل السلبية في السياسات الشعبية، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، والتباطؤ الاقتصادي، وارتفاع حدة التوترات الاجتماعية.

أما الفائزون فهم: الدول التي ستحتضن مستقبل الوظائف وستقوم بتكييف منظوماتها للتفاعل بشكل إيجابي مع الواقع المستقبلي لسوق العمل، وستنجح هذه الدول في بناء حلقة من ردود الفعل الإيجابية المتمثلة في استقطاب المواهب الماهرة في القطاعات المبتكرة، وجذب القطاعات المبتكرة التي تبحث عن المواهب الماهرة في الوقت ذاته.

التحولات الأربعة

وتتضمن التحولات الأساسية الأربعة في منظومة العمل في القرن الحادي والعشرين كلاً من: الابتكار في نماذج الأعمال، وتنويع المناصب، وتغيّر آليات إيجاد الوظائف المناسبة، والقوى العاملة المتغيرة.

المآزق الشائعة

وحدد التقرير المآزق الشائعة في طريقة استجابة الحكومات لمسألة خلق فرص العمل، والأخطاء التي ترتكبها الحكومات، وفصلتها بمأزقين شائعين هما: الأول، ردود الفعل غير المحسوبة للحكومات المتمثلة بالوقوف في طريق التغيير، في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن، وتبرر الحكومات الحفاظ على الوضع الراهن بطريقتين، إحداهما:

تنحاز الحكومات للطرق الماضية «المجربة والحقيقية»، وتقول إن الابتكار والتغييرات الجذرية لن تؤدي إلا إلى خسارة الوظائف، ونتيجة لذلك، قد تحظر الحكومات دخول الشركات التي تعرض نماذج أعمال مبتكرة وغير معروفة، بينما تشجع قطاعات شبه منقرضة كانت توفر الوظائف في الماضي.

والطريقة الأخرى هي أن تقاوم الحكومات الابتكار أو التغيير بسبب عدم تمتعها بالمعارف اللازمة، ولا تمتلك فهماً للمشاكل الحقيقية التي تؤثر على سوق العمل بل تركز على القضايا الثانوية.

ويتمثل المأزق الثاني في محاولة «القيام بالمزيد بشكل أفضل» من خلال إعادة وتطبيق الأدوات المجربة والمختبرة ذاتها التي حققت نجاحاً في الماضي لكنها لا تعالج القضايا المستقبلية بشكل كاف.

آلية لمنظومة التوظيف

ويفند التقرير اعتماد رؤية لآليات النظام المتعلقة بمنظومة التوظيف، وتوجيه تحويل العمل بنجاح إلى استجابة مجددة وشاملة، وعوضاً عن الاستمرار في تطبيق مجموعة الحلول ذاتها على مشاكل مختلفة، يتوجب على الحكومات وواضعي السياسات اعتماد منهجيات متكاملة تراعي الصلات والترابط بين العناصر داخل منظومة سوق العمل، ولتسهيل ذلك يمكن اعتماد التفكير المنهجي.

وهو نهج يهدف إلى فهم السلوك غير الخطي للأنظمة المعقدة عبر تحديد وتحليل العناصر الديناميكية المتشابكة فيه، وهو أسلوب لوضع الأطر التي يمكن أن تستخدمها الحكومات لتشخيص وتحديد حلول العمالة من خلال مساعدتها على تحقيق عدة أهداف أبرزها: تزويد واضعي السياسات بتصور شامل عن منظومة التوظيف الخاصة بهم، ما يتيح لهم فهم الصورة الأكبر لما يحدث في النظام، وما تحاول الجهات الفاعلة تحقيقه.

كما يعمل على مساعدة الحكومات على رؤية المشكلة وفهم تعقيداتها لتحديد نقاط الارتكاز المؤثرة في التغيير طويل الأمد، بالإضافة إلى تسليط الضوء على التفاعل الديناميكي بين العناصر الفردية داخل النظام، ومساعدة الحكومات على تحديد عمليات التغيير التي تكشف أنماط السلوك مع مرور الوقت.

ويعد التفكير المنهجي أداة تحليلية يمكن أن تساعد في تعزيز كيفية فهم واضعي السياسات لأسباب سلوكيات سوق العمل، وهيكل الاستجابات المنسقة اللازمة لتحقيق نتائج مستدامة مع مرور الوقت.

ويمكن أن تساعد الحكومات على تحليل مستقبل العمل والاستعداد لتأثيره والاستفادة من الفرص التي يقدمها بأخذ منهج الأنظمة في مجال التوظيف مع الأخذ في عين الاعتبار النظام الأوسع لعوامل العرض والطلب والسوق المترابطة، ويمكن تصنيف هذه العوامل أو العناصر وفقاً لتأثيرها وترابطها البيئي، وتتطلب عملية التصنيف هذه من الحكومات أن تزيل تدريجياً طبقات من نظام العمل للكشف عن قدر اكبر من التفاصيل والتعقيد.

نظام سوق العمل واستجابة الحكومات

ذكر التقرير أن نظام سوق العمل يتألف في طبقته العلوية من أربعة عناصر محورية هي: القوى العاملة، وتوازن السوق، والمناصب، ودراسة حالة الأعمال المتعلقة بالنمو، وتمثل العناصر المحورية القوى الديناميكية التي تنشأ بين العرض والسوق والطلب على آلية اليد العاملة وتندرج تحتها أنظمة فرعية تعمل معاً ضمن نظام العمل الأوسع لتعزيز التوظيف، وهي: التعليم، والتركيبة السكانية، وسوق العمل، والقطاع الخاص، والحوكمة.

كما تتألف الأنظمة الفرعية من عدد من العناصر، ويمثل كل عنصر طرفاً رئيساً أو مؤسسة أو عملية أو نشاطاً أو مورداً أساسياً لعمل منظومة توظيف مستدامة بحد ذاتها، وتشمل أيضا عناصر منفصلة تمثل العوامل المحفزة والمعوقات والثغرات في قطاع التوظيف، وتتصل العناصر داخل النظام باستخدام «حلقات التغذية الراجعة» التي تصف النتائج السلوكية لهذه العناصر، والإطار الزمني الذي تقوم به بذلك.

منهج الأنظمة

يؤكد التقرير انه ستزداد أهمية المنهجيات المتكاملة للتوظيف في ضوء المشهد المتغير في مجال التوظيف حالياً، وبما أن الوظائف تصبح أكثر تقنية ورقمية ، فإن أهمية العناصر الكامنة داخل منظومة التوظيف ستتغير، ويجب على الحكومات أن توجه بشكل استباقي مستقبل العمل من خلال معالجة تأثير هذه القوى وآثارها على إعادة تصميم الأعمال.

ويجب عليها أيضا الاستعداد لاستيعاب تعقيدات هذا الواقع وفهم كيف يكون لأفعالها عواقب منهجية، وعليها كذلك توقع التحديات التي يطرحها مستقبل العمل وتصميم حلول لمساعدة القوى العاملة على التغلب عليها.

استجابة الحكومات

يعرض التقرير كيفية استجابة الحكومات إذ لا تستخدم دائما الأدوات الصحيحة بالطرق الصحيحة، وتعد المؤسسات الحكومية الأكثر تطوراً التي تملك الأدوات الأكثر تطوراً من الناحية التقنية عرضة لهذه الأخطاء، ومن الضروري أن تتمتع الحكومات بفهم أفضل لمدى تعقيد المشكلات والحلول المتعلقة بالتوظيف، وتتضمن الخطوات الأولية لتصحيح الأخطاء كلاً من:

إقرار صريح بأن منظومات التوظيف تتطور وتتداخل ببعضها البعض، وأنها ليست قطعاً نابتة قائمة بذاتها، والاعتراف بالاختلافات بين النقاط التي تتعامل بها الأنظمة مع التدخلات وتداعيات السياسات على الصعيد الميداني، وينطبق هذا بشكل خاص على الأنظمة الاجتماعية.

حيث يمكن أن يؤدي كل تدخل إلى حلقات غير متوقعة من التغذية الراجعة، ومن الضروري مشاركة الجميع في كافة نقاط منظومة التوظيف، ويجب تصميم السياسات وتنفيذها من خلال تمكين الجهات المعنية على الصعيد الميداني.

كما ضمت فهم الأساليب التقليدية القديمة المتبعة للسياسات التي كانت خطية وأحادية البعد، إذ اعتمدت على وضع السياسة وفرضها، ولن ينجح النهج التقليدي الذي يتبعه البيروقراطيون الوزاريون الذين يجلسون في مكاتبهم بعد الآن، وينبغي أن يتم وضع نماذج أولية للحلول، واختبارها وتعديلها وإعادة تجربتها.

والإقرار بالحاجة إلى معلومات دقيقة يمكن أن توفر لواضعي السياسات منظوراً متكاملاً فيما يتعلق بإيجاد فرص العمل، بالإضافة إلى الإقرار بالحاجة إلى مقاييس جديدة ومختلفة لقياس نتائج الأداء المستدام.

 

 

 

إصرار الحكومات على إعادة تقديم سياسات العمل القديمة غير المجدية

يتناول التقرير الإجابة على إصرار بعض الحكومات على الحفاظ على الوضع الراهن أو إعادة تقديم سياسات العمل غير المجدية، لأسباب أبرزها:

أن لدى الحكومات فهماً خاطئاً لطبيعة الواقع القائم حاليا، وأنها تعالج المشاكل بمعزل عن بعضها البعض، إذ يسود لدى الحكومات اعتقاد خاطئ بأنه يمكن تقسيم المشاكل وتحديدها ومعالجتها على أساس مستقل بينما تتطلب في الواقع استجابة موحدة ومتكاملة من كافة أصحاب المصلحة المعنيين.

واعتمادها على منظور خاطئ بشأن مدى تعقيد الواقع الذي يجب معالجته، وتركيز الحكومات على المكاسب السريعة والأرقام العالية، حيث إن الفكرة القائلة بإمكانية خفض نسبة البطالة إلى رقم أحادي المنزلة من دون الأخذ بالاعتبار عوامل مثل مسارات العمل والبطالة المقنعة والسلالم الوظيفية، والابتكار الصناعي، تدفع الحكومات إلى اعتماد نهج «المكاسب السريعة».

ويفشل هذا القصور في معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل ويدفع الحكومات إلى خلق وظائف مؤقتة وغير مستدامة، وينطوي على هذه المآزق شقين، الأول الاعتراف والقبول بتعقيد خلق فرص العمل، والثاني اعتماد منهج متكامل منظم للتعامل مع خلق فرص العمل ويشتمل هذا الأمر على تغيير طريقة فهم الحكومات لهذه القضايا، وتصميم الحلول ومواءمة تنفيذ خططها.

سباق لاعتماد منهجية متكاملة لخلق فرص العمل المستقبلية

سعت العديد من المنهجيات وأوراق البحث وأطر العمل إلى توصيف موضوع مستقبل العمل الأخذ بالتطور، وركز البعض على العمليات المتقدمة في سوق العمل، والبعض الآخر على توزيع المهارات المطلوبة ويتسابق معظمهم للإجابة على السؤال الأساسي المتمثل في كم عدد الأشخاص الذين سيفقدون وظائفهم.

وعلى الرغم من وجود منظورات وتساؤلات وجيهة للبحث فيها إلا أن أكثر ما يثير الاهتمام حاليا هو طريقة تغيير منظومات العمل وطريقة استجابة الحكومات لتلك التغييرات.

وفي الوقت ذاته توجد تحديات للتوظيف فصلها التقرير إذ إن الموظفين المؤقتين أو الذين يعملون بنظام العمل الجزئي، لا يحصلون على المزايا التي يحصل عليها العاملون الدائمون المتفرغون للعمل، مثل العطلات، والاجازات المرضية مدفوعة الأجر، والمدفوعات التي تمنح للاستغناء عن العمالة الزائدة عن الحاجة، والتأمين الصحي.

لذا تدرك الحكومات على نحو تدريجي أن القوى العاملة لديها تتجه نحو فرص العمل المستقل أو فرص ريادة الأعمال، ولتسهيل هذا التوجه، تواصل الحكومات استحداث قوانين جديدة لتنسيق هذا النشاط المهني، وأنشأت الدول الغربية فئات من العاملين لحسابهم الخاص مع حماية محددة، مثل مستحقات العمال.

 

Email