تمتدّ بطول 4 كيلومترات ومحمية بالكثبان الرملية

الدُور الأثرية بأم القيوين.. كنوز التاريخ والحضارة

جانب من القبور التي تم اكتشافها | تصوير: غلام كاركر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تولي الدولة اهتماماً بالغاً بالمحافظة على التراث والمناطق والمكتشفات الأثرية، لما تمثله من أهمية تراثية وتاريخية، ولعل أبرز المقتنيات التراثية نجدها في أم القيوين بآثار لها تاريخ ضارب في القدم.

تاريخ مميز على مستوى الدولة يمتد لآلاف السنين، فتشمل آثارها مقتنيات يعود تاريخها إلى عدة قرون، وهي آثار موجودة في القاعتين الثالثة والرابعة من متحف أم القيوين الوطني الذي يقع في حصن آل علي.

كما أن من أبرز المناطق التراثية في الإمارة منطقة الدور التراثية التي تعد من أكبر المواقع الأثرية في الدولة، فهي محمية بصورة طبيعية بمجموعة من الكثبان الرملية العالية التي بدورها حمته من الرياح البحرية الشمالية السائدة في المنطقة، كما تعد رمزاً من رموز الهوية الوطنية وشاهداً حياً على التراث الحضاري والثقافي الذي يؤكد تاريخ المنطقة وعلى الصلات والروابط بين مختلف المناطق.

كما أنها تعتبر من أغنى المناطق التراثية والأثرية في الدولة، حيث تضم مستوطنة بشرية تعود إلى 2000 عام قبل الميلاد، كما أن أبرز المناطق التراثية موقع جزيرة الإكعاب وموقع أم القيوين (2)، حيث تم اكتشاف آثار تراثية تعود إلى 7 آلاف و500 عام.

عصب التاريخ

وتعد منطقة الدور عصب التاريخ الذي يحيي الماضي بكم هائل من مفردات التراث المادي الذي يعرض بشكل جلي وواضح سيرورة الحياة في الإمارات بشكل عام وفي وأم القيوين بشكل خاص، كما تسلط الضوء على البعد الثقافي والتراثي في الإمارة وتعرف زوارها بتاريخها الذي يعد عنواناً للهوية الوطنية، وركناً أساسياً في بناء الشخصية الإماراتية الفاعلة في المجتمع والمتمسكة بالمبادئ والقيم الوطنية.

فهي تقع على الساحل الجنوبي الشرقي للخليج العربي بين خطي طول (25-33) شمالاً وعرض (35 - 55) شرقاً في أم القيوين بالقرب من الطريق الذي يربط بين رأس الخيمة من جهة وإمارتي الشارقة ودبي من جهة أخرى، وعلى بعد 120 كم من مضيق هرمز ويطل على بحيرة خور البيضاء الضحلة، ويرتفع عن سطح البحر من 7-9 أمتار وتبلغ مساحته ما بين 3- 4 كيلو مترات.

4 بعثات

تقول علياء الغفلي مدير عام دائرة الآثار والتراث بأم القيوين إن الاكتشافات الأثرية في الإمارة بدأت العام 1970، حيث اكتشفت بعثة المسح الأثري العراقية عدة مواقع أثرية في الإمارة أهمها موقع الدور.

ثم عادت بعد ذلك للعمل العام 1974 لمدة موسم واحد، لتظهر أهمية الاكتشافات التي قامت بها بعثة الآثار العراقية، التي شجعت 4 بعثات أجنبية، هي الدنمارك، وبلجيكا، وبريطانيا، وفرنسا للتنقيب فيه تحت إشراف ودعم حكومة أم القيوين، حيث بدأت أعمالها في العام 1987 وانتهت عام 1995م.

كما يرتبط موقع الدور مع موقع مليحة في إمارة الشارقة، وكانت بينهما علاقات قوية، إذ إن الدور اعتبر المورد الغذائي عن طريق البحر في حين اهتمت مليحة بالمنتجات الزراعية غير المتوفرة بالدور، ما كون وجود اقتصاد موحد له عملة خاصة به.

كما يمثل موقعها نقطة توقف رئيسية بين (شراكس) في جنوب بلاد الرافدين وشمال غرب الهند لأخذ المياه والإمدادات الأخرى لمواصلة رحلة التجارة، حيث تم الاستدلال على ذلك من خلال الآبار التي عثرت عليها البعثة البلجيكية، بالإضافة إلى العديد من البضائع المستوردة كالعملات والأواني الفخارية والأواني الحجرية.

أهل الاختصاص

وأوضحت أن مشروع التنقيب بموقع الدور يأتي تماشياً مع استراتيجية حكومة أم القيوين الرامية إلى تشجيع ودعم وتنظيم عمليات البحث والتنقيب عن الآثار بمختلف المناطق الأثرية في الإمارة، حيث إن أعمال التنقيب في الموقع الحالي تأتي بالتعاون مع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وتم استقدام الفريق الوطني للآثار للعمل على مشروع التنقيب الأثري بموقع الدور.

كما تم الاستعانة بعدد من الخبراء المختصين بمجال البحث والتنقيب في أعمال التنقيب الأثري من الأردن، حيث تكللت نتائج التنقيب في الموقع باكتشاف عدد من المقابر، بالإضافة إلى العثور على مجموعة من الخرز وحبات من اللؤلؤ والفخاريات المزججة والتماثيل الطينية ورؤوس الأسهم والعقيق والعملات المعدنية التي يعود تاريخها الى القرن الأول الميلادي،.

كما أن آخر الاكتشافات الشهر الماضي 29 قبراً بها خرز ولؤلؤ وعملات الإسكندر تعود إلى القرن الثالث الميلادي، كما أن الدائرة منذ العام 2000 تتولى مسؤولية حماية وصيانة الموقع.

ومن العام 2007 يتولى فريق محلي مختص أعمال التنقيب في الموقع بشكل دوري، مبينة أن المكتشفات شملت عدداً كبيراً من الخرز، بما فيها اللآلئ والعقيق الأحمر وخرزة واحدة على هيئة خنفساء سوداء لعلها من أصل مصري، كما تم العثور في القبور على كؤوس زجاجية كبيرة.

إله الشمس

وبينت الغفلي أنه تم اكتشاف معبد اله الشمس الإله السامي (شمس) بالدور التراثية عن طريق البعثة البلجيكية في العام 1987، ويقع في حوض تحيط به كثبان رملية من الناحيتين الشرقية والجنوبية، ما ساعد في الحفاظ على المعبد سليماً بعلو 2م إلى 2.30م، وأن أبرز ما يميزه شكله شبه المربع إذ تبلغ أبعاده 8.30×8 أمتار.

وله مدخلان الأكبر يقع في جهة الشرق وعلى جانبيه نجد مصطبتين يوضع عليهما تمثالين لنسرين مقطوعي الرأس من الحجر، عثر عليهما في بالقرب من المعبد، والباب الآخر يقع في جهة الغرب.

وقد كسيت جدران المعبد الخارجية بالجص وأحاطت بمداخله الزخارف الهندسية، وتوجد كتلة حجارة ضخمة في وسط المبنى التي يرجح أنها جاءت أصلاً من أحد مدافن حقبه أم النار الألف الثالث قبل الميلاد ووصفت بأنها مذبح وينتصب خارج المبنى أربعة مذابح أخرى مبنية من صخور شاطئية متوفرة محلياً، الأمر الذي يفسر بأن الطقوس الدينية مثل النذور والذبائح كانت تلعب دوراً مهماً.

تحف أثرية

وأضافت أنه تم العثور على العديد من المكتشفات الأثرية داخل المعبد، منها مصباح برونزي زيتي روماني الصنع، وعدد من المباخر الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام بالقرب من موقع المعبد، ما يدلل على أن هناك طقوساً معينة كانت تجري داخل المعبد، فوجود المصباح الرئيسي والمباخر دليل قاطع على هذه الطقوس.

كما أن وجود هذه اللقى الأثرية دليل على تقديم القرابين مصحوبة للطقوس الدينية للإله «شمس» فالثقافة الدينية هي ثقافة رافقت البشرية منذ نشأتها، كما أدت حفريات تولاها فريق فرنسي إلى اكتشاف مبنى يغطي مساحة تزيد على 300م، مبنى سكني بدليل أنه عثر في أرضية إحدى الغرف على جثة رجل دفنت فيها.

كما عثر على هيكل عظمي لجمل لا شك أنه قدم ضحية في إحدى الممارسات الشعائرية إضافة إلى سيف حديدي دفن بجانبه، وخارج المبنى وجد عدد من الحفر القليلة العمق أودعت الأواني الزجاجية والفخارية والأسماك والمحار وعظام خراف وماعز يرجح أنها كانت تقدم طعاماً للأموات.

صيانة

ولفتت الغفلي إلى أن الدائرة وبالتعاون مع المجلس الوطني للسياحة والآثار ومركز آثار الشارقة التابع لمنظمة الإيكروم قامت باستضافة مجموعة من الخبراء في مجال الترميم لتشخيص حالة المبنى وتحديد الطريقة الصحيحة لترميم المعبد، فتم أخذ عينات لمادة الحجر المستخدمة في البناء، وطبقة الملاط المستخدمة بين الأحجار، وعينة من طبقة البلاستر الموجودة على الطبقة الخارجية لجدران المعبد.

وتم تحديد التحليل الكيميائي المطلوب لكل عينة من هذه العينات، وعلى أساس نتائج التحليل تم تحديد المواد الأصلية المستخدمة في البناء، وبدأت أعمال الترميم على مرحلتين المرحلة الأولى فبراير2016 لمدة ثلاث أسابيع والمرحلة الثانية أبريل لنفس العام لمدة أسبوعين وقامت دائرة الآثار والتراث بعد أعمال الترميم بعمل سياج داخلي لحماية المعبد والمذابح المحيطة به.

موغل في القدم

موقع الدور الأثري يشمل فترات استيطان بشري في فترات متعددة، منها فترة العبيد والعصر البرونزي، والعصر الحديدي، وفترة ما قبل الإسلام، وهي فترة الاستيطان الرئيسي، حيث تم استيطان الجزء الأكبر من المنطقة، وغطت عشرات التلال بالمباني والقبور المبنية من الحجارة وتعتبر هذه الفترة هي فترة ازدهار الموقع.

ويتميز الموقع بعدد كبير من التشكيلات الجنائزية والمباني السكنية بنيت من الحجارة المحلية، وكانت تضم مجموعة من الهياكل العظمية للذكور والإناث بالإضافة إلى بعض أدوات الحياة اليومية، حيث بينت لنا عادات الدفن والشعائر الجنائزية في تلك الفترة، كما أنه ما زال محط أنظار خبراء الآثار العالميين لأهميته التاريخية.

حيث تعود بعض الآثار المكتشفة به إلى ألفي عام قبل الميلاد، ولأنها تعد من أهم المناطق الأثرية بالدولة لكونها الامتداد التاريخي العريق للإمارات، كما هو الحال بالنسبة لمناطق أخرى في الدولة.

علاقات تاريخية

عثر المنقبون على كمية من الفخاريات في موقع الدور تشكل دليلاً على العلاقات التجارية التي أقامها السكان.

كما تثبت الأدوات المستوردة من روما وشرقي الأبيض المتوسط على قيام العلاقات التجارية مع الغرب، في حين تشهد كمية ضئيلة من الأدوات الهندية المطلية بالأحمر على قيام روابط مع الشرق، وإلى جانب العملات المعدنية الكثيرة المصنوعة محلياً، التي تحمل العديد منها اسم (آبي آيل) وبعضه مصنوع أصلاً في دار ضرب العملة المفترض وجوده في مليحة، عثر على لقى سطحية يرجح أصلها إلى روما.

Email