خميس المزينة الأب القائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد ترددت كثيراً قبل أن أقرر كتابة هذه الكلمات.. هل سأستطيع الكتابة؟ وهل سأتغلب على الألم الذي يسكنني لأقوى على ذلك؟ وهل إن كتبت سأوفيه حقه؟ وماذا سأكتب وسيرته تحتاج إلى صفحات وصفحات وليس مجرد سطورعدة ؟ أسئلة كثيرة كانت تثار في داخلي، إلا أن ذكرى مرور عام على رحيله أجبرتني على الكتابة فلم أدرِ إلا والقلم بين أصابعي يخط كلمات قليلة ربما تفصح عن جانب من شخصية أبي لا يعرفه الكثيرون.

من المتعارف عن والدي المرحوم، هيبته وشخصيته العسكرية الملتزمة بفرض واحترام القانون وإرساء وتوفيرأُسس الأمن والأمان في ربوع بلدنا الحبيبة، فلم يكن يتساهل فيما يمس أمنها وسعادتها، مما جعله يعرف عند عامة الناس بالقوة والشدة والحزم، وجعلهم يتساءلون ويتفكرون عن شخصية القائد خميس بن مزينة في بيته ومع أهله؟ لقد سُئلت هذا السؤال مرات عدة ... لكونهم لا يستطيعون تخيل أن هذه الشخصية ذات الهيبة والقوة ممكن أن تكون ذلك الأب الحنون المحب والعطوف على أبنائه.

كنت أجيبهم أنه مختلف تماماً عما يعرف عنه في مجال عمله وعن ما يظنه الناس، كنت أخبرهم بأنه أب يعرف أن يوازن بين الجد والمزح، وبين الشدة واللين، لا أتذكر أنه مر علينا يوم، لم يمازحنا مباشرةً من دخوله المنزل بعد يوم عمل شاق وبصوته العالي وضحكته المعهودة يمازحنا وينادينا بألقابنا التي سمانا بها منذ أن كنا أطفالاً صغاراً حتى وفاته، ورغم علامات التعب والإرهاق التي تبدو واضحة على محياه إلا أنه يبدأ بسؤالنا عن شؤوننا ودراستنا ويتابع باهتمام أخبارنا. لم يعلموا أنه أب محب حنون وعطوف مثل بقية الآباء بل من أفضلهم.

لقد اجتمعت صفات مختلفة في أبي كشدة الحزم والقيادة العسكرية البحتة التي جعلت منه قائداً عاماً لشرطة دبي (والذي كان يدير قرابة 25000 عسكري)، مع الأبوة الحانية والعطف والمرح الذي جعله أحن وأعظم أب في نفوسنا.

لقد عرفه عن قرب رفقاء دربه وأصدقاؤه، عرفوا أبو محمد الإنسان فشهدوا له حبه للخير والحق والإنصاف وشغفه بخدمة الناس، كثير من الناس كانوا يتصلون به طالبين منه خدمة ما، أو مساعدة إنسانية، أو حل مشكلة ولا أتذكر أني كنت في صحبة أبي مرة إلا وقد أتاه اتصال فأغلق الهاتف وسارع لمساعدة الناس وحتى ساعات متأخرة من الليل، أو في أيام الإجازات.

عرفوه الإنسان المتواضع البسيط الذي يتمتع بروح الدعابة والمرح، كما كان يمتاز بأسلوب شيق في الحديث وسعة الاطلاع والمعرفة في شتى المواضيع.

كان يحب إثارة قريحة بعض الأصدقاء الشعراء بنظم بعض الأبيات الشعرية التي لا تخلو من المرح أو مجاراتهم ببعضها. كان أبي المعلم الملهم والقدوة الحسنة، حيث زرع فينا المبادئ والقيم العالية والأخلاق الطيبة الكريمة.

ومن خلال نشأتي تعلمت منه صفات الجد والمثابرة والإخلاص في العمل، لأن لا شيء أروع وأجمل من الإخلاص للوطن. لطالما جعلنا أبي نخوض بعض المواقف بالاعتماد على النفس، وكان يكتفي بالمراقبه مبتسماً عن بعد، وكنت أجهل حكمة أبي حينها، ولمَ يجب علينا أن نخوض هذه المواقف أو التجارب ونحن أبناؤه؟ ولكن أستطيع اليوم أن أقول إنه كان محقاً، مما يجعلني أتساءل، أكان يعلم أبي بقرب رحيله؟ وأنه سيأتي اليوم الذي يجب علينا أن نعتمد فيه على أنفسنا؟

لقد رحل أبي عنا فجأة.. دون سابق إنذار أو تحضير، فالموت لا ينتظر أحداً، رحل أبي عن هذه الدنيا، ولكنه لم يرحل عن قلبي، فهو الغائب عني والحاضر في وجداني وأعماقي، وهنا لا بد أن أقول إننا لسنا وحدنا من فقد أباه، بل فقده الوطن بأكمله.

رحل الأب القائد الفريق خميس بن مزينة، الرجل الشجاع، رجل الأمن والأمان، المواطن الصالح المحب لوطنه، العسكري المخلص في عمله، الوفي لقادته وحكامه وولاة أمره. لقد شهد له الناس جميعاً بذلك، فأحبوه وافتقدوه وترحموا عليه، والحمد لله على هذه النعمة، فمن أحبه الله أنزل حبه في قلوب عباده.

إن هدفي من كتابة هذا المقال، هو مشاركتكم بجانب آخر مضيء من شخصية والدي المرحوم الفريق خميس مطر المزينة، الذي لا يعلمه الكثيرون، ولكن الهدف الأسمى الذي أطمع به هو دعوة كل من عرف أبي أو سمع عنه أو قرأ كلماتي هذه أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، وأن يجعل الله تعالى مثواه جنة الفردوس الأعلى بصحبة نبينا وحبيبنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ «وأن يجمعنا معه وأمواتنا وأمواتكم أجمعين يارب العالمين».

Email