كرّست قيم الوفاء في ربوع وطن يستحق كل خير

قصيدة في مقام الحب تختزن أنبل المشاعر

ت + ت - الحجم الطبيعي

«اخويْ مْحمّدْ».. بهذه اللغة الدافئة، وهذا التركيب العفوي يخاطب صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد أخاه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، تعبيراً عن عُمق المودّة، وأصالة العاطفة التي تنطوي عليها جوانح صاحب السموّ لأخيه الذي يبادله مودة صادقة عميقة، وكيف لا يكون ذلك وكلا الشيخين قد نهل من مدرسة شيخ الإمارات وفارسها الحكيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ذلك الحكيم الذي بنى بلاده على المحبة الصادقة، وجَمْعِ الأيدي والأكتاف في سبيل مجد البلاد ورفعة شأنها، وهاهم أبناؤه ومحبّوه والسائرون على منهجه لا يخيّبون ظنه، بل ينشرون الحب والوفاء في ربوع الوطن الذي يستحق كل خير وتضحية وبناء.

في هذا السياق من الحب الصافي بين أبناء مدرسة الشيخ زايد تأتي هذه القصيدة التي تتماوج حروفها بالحب والإخاء، وتختزن في كلماتها أنبل العواطف وأصدقها، ولا يحتاج القارئ لأي دليل لإثبات هذه الحقيقة، فالقصيدة عامرة بالمحبة، مؤسسة على العزيمة، ناظرة إلى المستقبل، ناشرة لثقافة الحب والأمل والبناء، وهي في جوهرها الأصيل من باب المطارحات الشعرية بين أرباب السيف والقلم تخليداً لمثل هذه العواطف الصادقة التي يموج بها الصدر السليم والقلب الأبيض.

عزم المتكاتفين

في مطلع القصيدة تأكيد على قيمة التعاون والتعاضد بين رجالات الوطن، وتصريح بأن الإمارات إنما بُنيتْ بعزم أبنائها المتكاتفين، وأن الحمول الثقيلة لا يحملها إلا الرجال الأشداء ذوو المناكب القوية المصممة على البناء والتقدم:

تِقْبل الأيام بحمولٍ ثِقال

وتنثني وان صادِفت منْكب صمل

بين دورات الليالي والنزال

ما يفوز إلا من يعاضِد رجل

بعد ذلك يتوجه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد بقلبه وحرفه إلى أخيه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، ويمهّد لمدحه بذكر مناقب الرجال الذين يشتدّ بهم الساعد وتقوى بهم العزائم، فالرجال أنواع والأيام سِجال، ولا يثبت على المحكّ إلا الفارس الباسل الشجاع، فكيف إذا كان هذا الرجل من أهل المعرفة بالمعاني والجلال في إشارة واضحة إلى اكتمال معالم المجد في شخصية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد:

والرجال أنواع والوقفة سجال

حدّ يرهيها وحدّ منها يِفِلّ

وتتنامى القصيدة على نحو بديع في رصد ملامح الكمال في شخصية الشيخ محمد بن راشد، فهو ليس سياسياً وقائداً مقداماً وحسب، بل هو من أهل الحكمة والمعرفة بالحياة والثقافة، وهو من رجال القول والفعل، وهذه من علامات الكمال في الرجال:

وعارف اجلال المعاني م ِالهزال

في أراضي المعرفة عقله بهل

ذاك اخوي مْحمد اللي يوم قال

كِلْمِتَه ما تنْثني «قُولْ وفِعِلْ»

وهذا البيت من عين البداوة الصافية في تركيبه وإيقاعه، وهو بهذا الأسلوب المحكيّ الّذي يفيض جمالاً ورُقيًّا، يُعبّر عن عاطفة صادقة راقية تجمع بين قلبي هذين الفارسين، وهو سرّ القصيدة وعلى ضوئه يتمّ تفسير جميع المعاني النبيلة التي أسبغها الشاعر على صفيّ قلبه وصديق عمره.

معالم النبل

بعد ذلك تندفع القصيدة وبلغة الحب الصافية التي تذكرنا بالمتنبي وهو يتغنى بمناقب سيف الدولة، تندفع القصيدة في إضاءة معالم النبل والفروسية في شخصية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، فهو الرجل الذي لا ينحني أمام الصعاب والعقبات بل يطوّعها ويتجاوزها ويجعل من وجودها درساً في التحدي والإنجاز:

طَوّع الصّعبات لين العود مال

وانطوت في قبضته طيّ السجل

وهذا البيت فيه إشارة إلى أنّ الصعاب والشدائد لا يقف أمامها الممدوح، بل كلّ هذه الأمور طوع يده يتصرفّ فيها تصرّف الكاتب البديع في طيّ الورق، وهذا ينبئ عن رفعة درجة ومقام صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الّذي تصغر في عينه العظائم.

الأمير العالم

وتزداد القصيدة تعبيراً عن الحب الصافي في الأبيات التالية من خلال نبرة يشيع فيها الحبّ الأخوي الدافئ، وتنعطف للتعبير عن ملامح أخرى في شخصية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الأمير العالم، بل هو منارة العلم التي تتوهج بالمعرفة، ويهدي الأجيال ضوءُها الذي يكفل لهم السير في الطريق الأقوم والآمن الذي هو طريق الرقيّ والتقدّم، فالإمارات لا تراهن على شيء مثل رهانها على صناعة الوعي في الإنسان وإطلاق طاقاته الخلّاقة المبدعة، وها هي الدولة تتقدم بإيقاع سريع جعلها أنموذجاً يُحتذى بين الأمم الناهضة والطامحة إلى تحقيق الذات الحضارية الفاعلة.

يا منار العلم لي ما عنك فال

ضوّ علمك في سما العالم شِعلْ

ثم تزداد عاطفة الإخاء تدفّقاً في قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فيخاطب أخاه بقوله (سيدي) وهي كلمة لا تسمح بها النفس إلا في سياق المحبة الصافية، وبها يرتفع الشيخان إلى أعلى مراتب الإخاء، فالحواجز تزول حين تستقر المحبة في القلب، وما أروع قول المتنبي حين خاطب سيف الدولة مؤكداً عمق هذا المعنى وأصالته حيث يقول:

إذا نِلْتُ منك الودّ فالكلّ هيّنٌ

وكلّ الذي فوق التراب تراب

وههنا يخاطب صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد أخاه ورفيق دربه وعَضيده في بناء الدولة فيقول له وبلغة لا نظير لها في الحب والوفاء:

سيدي يا سناد عزمي بكل حال

والصعود ويّاك جنّبنا الفشلْ

ثم يوضحُ سموّه ملامح هذا الإخاء، فإذا هو اليد الممدودة بالخير من الطرفين، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ممدود اليد بالمؤازرة والصمود في وجه الصعاب، وهو كالسيف في مواجهة المعضلات، ولولا هذه العزيمة الماضية لما تمّ إنجاز شيء ممّا تحقق، ولكن الواقع شاهد على كل شيء:

إن لقيت لْيَه على الصعب احتمال

مَدّة إيدك خلّت الكايد سهل

والله انّك يوم صكّات الحبال

سيف يُمْنى حدّك رهيف النصل

ويهدر نهر الحب في قلب صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، فيفصح عن أعمق مشاعر المودة الصافية التي تنطوي عليها جوانحه تجاه أخيه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد فيخاطبه قائلاً:

تاج راسي عزّ في سود الليال

عِزوتي وان غِلق للشيمة سبل

كم للدولة نَقَلْ كِتفك وشال

إن خِلصْ فرضَك تِليتِه بالنَّفَلْ

وهذه الصورة من أبدع الصور الدالة على مدى الجهد الذي بذله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في بناء دولة الإمارات الحديثة، وهو جهد مشكور تحتفظ به النفوس التي تدرك قيمة الإنجاز وتشكر عليه ولا تتنكر له.

لمّ الشمل

وليست حسنات صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد مقتصرة على الإعمار والبناء، بل هو حريص على لمّ شمل العرب، ويسعى في سبيل استعادة مجدهم ولا يعير أذنه لكل الناعقين بالانفصال والتشرذم بين أبناء العروبة من المحيط إلى الخليج:

من ينادي للامم لا لانفصال

يدرك الحسنات في لمّ الشمل

في عمار ديارنا نضرب مثال

نحنَ ما نِحسبْ حسابات الجهل

واعترافاً بفضل صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد في بناء الدولة، وتأكيداً على حماية ثرى الإمارات وصيانته من كل من تُسوّل له نفسه الاقتراب من حماها، تعلو نبرة التحدي في القصيدة والتصميم على حماية المنجزات التي بذل أبناء الإمارات الغالي والنفيس في سبيل تحقيقها، فهي محمية برجالها وليست لقمة سائغة لكل طامع:

مِنْ رِسمها قبل يِبني ع الرمال

يا أخو محمد له ايردّ الفضل

نفتديها بكل حال وكل مال

مجدنا بالروح والدم انكفل

ومن يحسب ديارنا لقمة حلال

إن شهرنا سيوفنا ما تنوصل

ثم يمتد الأفق أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فينظر إلى الأجيال القادمة التي ستصون الأمانة وتحافظ على عهد الآباء، وتتابع مسيرة الإنجاز تأكيداً على تواصل البناء والحفاظ على منجزات الدولة ومقدرات الوطن:

عَهْدنا لعيالنا ما به انتشال

وعهدهم إلْنا بَعَدْ ما يِنْتِشِلْ

كل يوم نشوم للنيف الطوال

دولةٍ بافعال اهَلْها نِحْتِفل

عالعهود أجيال تتوارث فِعال

في بناها لا تِكلّ ولا تِملّ

ثم يؤكد على شِيَم أهل الإمارات، وأنهم ممن لا يجعلون للكرم والمجد إلا صيغة الحسم والجزم فلا يوجد في قاموسهم: (يمكن واحتمال)، بل هم يواجهون الشدائد بعزائم الفرسان الشجعان الذين تزداد بسالتهم عند الصعاب:

وللندا ما فيه (يِمكنْ) و«احتمال»

كل ما تِكبر به الشدة بِسَل

قضية اليمن

ثم تزداد نبرة التأكيد على أنّ العزائم القوية لا تعرف الأهداف المستحيلة، مع الدعاء الخالص لله تعالى أن يحفظ الوطن من كل شَين وفال سيئ، وأن يظل أهل الإمارات ينعمون في ظلال السكينة والعيش الكريم، غير غافل عن الرجال الذين لبّوا نداء الوطن للقيام بواجب الأخوة في حفظ وحدة بلاد العرب من خلال المشاركة في الدفاع عن اليمن الشقيق:

يحفظ الله بلادنا من شين فال

ينعِمون شْعوبها في طيب ظلّ

ويحفظ الله في ميادين القتال

جندنا لي ردوا العِلْم العدِل

ثم تذهب التحية إلى شيخ الخليج وملكه الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فيخصه بالمدح لمواقفه الراسخة كالجبال في مواجهة التحديات التي تحدق بدول الخليج، معتذراً عن عدم قدرة الكلمات على الوفاء بحقه وعالي مقامه:

وللملك سلمان وقفات الجبال

ما توفّيه القصايد والجُمَل

ثم كانت الخاتمة مفتوحة بالحب والحكمة والامتنان لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي كان سبباً في قدح زناد هذه القصيدة التي جاءت نموذجاً في الحب والإخاء والاحتفاء بالفروسية: فروسية العلم والحكمة والإدارة والثبات:

شرّفتني بالمعاني والمقال

ولا يفوز إلا من يعاضد رجل

Email