الإهمال يفاقم حوادث الأطفال

أولياء أمور يتجاهلون الواجب والمساءلة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال الإهمال الأسري ينشب أنيابه في ضحاياه من الأطفال لنسمع بين الحين والآخر عن ضحية جديدة، قضت نحبها محصورة في سيارة العائلة، أو لفظت أنفاسها البريئة غرقاً في غياب رقابة الأهل، أو أسلمت نفسها للريح قفزاً من شرفة المنزل بعد ترك الطفل وحده في المنزل أو التساهل في عناصر الأمن والسلامة على الشرفات، بل ربما كان هؤلاء الأبرياء ضحايا ذئاب بشرية تسلب منهم براءتهم وأرواحهم.

معضلة مؤلمة لم يعد يجدي معها المواساة بالقضاء والقدر، بل لا بد من وضع المسؤوليات في أعناق المتساهلين في هذه الحوادث من أولياء الأمور، وتشديد العقوبات بحق المستهترين، مع زيادة جرعات التوعية وباستمرار لحماية كنوز المستقبل الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم وثقوا بأسرهم والمحيطين بهم في أنهم لن يفرطوا في سلامتهم.

وإذا كان قانون الطفل «وديمة» قد جاء ليضع حداً لهذا الاستهتار بعد رصد عدد من الحالات الكثيرة في وفيات الأطفال بسبب الإهمال إضافة الى إنقاذ آخرين من قبل الجهات المختصة كان من الممكن أن يكونوا في عداد الموتى، إلا أن بعض الأهالي الذين لم تردعهم واجباتهم الأسرية تجاه فلذات أكبادهم لا يبالون بالمساءلة القانونية

تكثيف التوعية

ودعا جاسم النقبي رئيس لجنة حقوق الإنسان بالمجلس الوطني الاتحادي، عضو لجنة التشريعات والقوانين، إلى تكثيف حملات التوعية عبر الوسائل الإعلامية بكافة أنشطتها المسموعة والمرئية، في شأن ترك الأطفال في المركبات لمدة طويلة خاصة خلال فترة الصيف، إذ يشكل الأمر خطراً بالغ الأثر ما يعرضهم إلى الإنهاك الحراري ويؤدي إلى وفاتهم.

حوادث مؤلمة

وشدد مركز حماية الطفل في وزارة الداخلية الأسر على ضرورة اتخاذ احتياطات السلامة الكفيلة والرقابة وعدم ترك أطفالهم في المركبات لأية فترة طالت أم قصرت بدون رقابة مما قد تعرضهم لأخطار محدقة، مشيراً إلى أن الإهمال من المسببات الرئيسة لإصابات الأطفال والذي قد يودي بحياتهم في غالب الأحيان وهم بعمر الزهور.

وأكد مركز حماية الطفل في تصريح خاص لـ«البيان» أن حوادث اختناق الأطفال داخل السيارة أثناء وجودهم بمفردهم دليل واضح على إهمال الأسر وقلة وعيهم بالمخاطر المحتملة، مشيراً إلى ضرورة توسيع نطاق مسؤولية الأسرة، ومشدداً على تضافر الجهود المشتركة التي تصب في تعزيز حماية الأطفال.

تعذيب أطفال

وأفاد العميد الدكتور محمد المر مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان أن الإدارة تعاملت مع حالات إهمال أسري وتعذيب من قبل أولياء الأمور إضافة الى رصد حالات إهمال منها تجرد أب وأم من المشاعر الإنسانية وقاما بتعذيب طفلهما الرضيع البالغ 8 أشهر فقط بسبب الخلافات بينهما ولم يكتفيا بذلك بل اختلقا قصة ملفقة لوجود آثار ضرب على جسده الضعيف بأنه سقط على الأرض، فيما عذب الأب الطفل صمتت الأم أياما طويلة على تعذيب طفلها، وتمكنت الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي من كشف الحقيقة ونزع الطفل من هذا الأبوين اللذين لا يستحقان أن يعيشا معه.

دور أساسي

بدوره، أكد العقيد جمال سالم العامري المدير التنفيذي لجمعية ساعد للحد من الحوادث المرورية، أن الدور الأساسي الذي يلعبه ولي الأمر سواء كان الأب أو الأم يأتي في المقام الأول في المحافظة على أرواح فلذات أكبادهم وهم الأبناء.

وقال العقيد العامري إن هذه المسؤولية تأتي من خلال المتابعة الحثيثة للأبناء لحظة بلحظة بوجودهم أمام أعيننا بحيث لا يعهد بالمسؤولية لأي شخص كان سوى أنفسنا، لكي لا تتعرض الأسرة الإماراتية سواء مواطنين أو مقيمين لأي من الفواجع التي نقرأ عنها ما بين حين وآخر حيث لا ينفع الندم.

خطر حقيقي

وحذر أحمد إبراهيم الطرطور، مدير إدارة حماية حقوق الطفل، التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، من مثل هذه الأمور التي تشكل خطرا حقيقياً يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها، لافتا الى أن حادثة اختناق الطفلة في المركبة بعد نسيانها في مركبة ذويها 6 ساعات متواصلة أعادت الى دائرة الضوء الحديث عن حوادث الأطفال الناجمة عن الإهمال وهو ما يعد أحد أشكال الإساءة لهم، عازيا هذه الحوادث الى غياب الرقابة الأسري.

ودعا الأهالي للانتباه بعدم ترك الأبناء داخل السيارة باعتبارها مكاناً خطراً لأنه أثناء تشغيل السيارة بدون حركة ينتج غاز يؤدي الى الاختناق كما أن لدى الأطفال فضول قد يجعل الأمر أكثر خطورة في حال العبث بأدوات السيارات وتحريكها ما يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، وأن غالبية حوادث الأطفال كالغرق أيضا في المسابح المنزلية هو نتيجة لعدم الرقابة على الصغار وتركهم بمفردهم.

برامج للأسرة

وأشار العميد عبد الله خميس الحديدي نائب قائد عام شرطة رأس الخيمة إلى أن العام الحالي، ولله الحمد، لم يسجل أية حادثة وفاة إهمال ضد طفل، داعيا الأهالي إلى اتباع التعليمات والإرشادات الأمنية والمرورية، حتى لا يعرضوا أنفسهم وأبناءهم لمثل هذه المواقف والحوادث، مشيرا إلى الاحتياطات الوقائية التي تتخذها أجهزة الأمن الميدانية التي تجوب جميع المناطق، عبر زيادة عدد الدوريات الأمنية.

وقد وضعت القيادة العامة لشرطة رأس الخيمة خطة وقائية تتمثل في حملات وبرامج مجتمعية وتوعوية حول سلامة الأطفال وحمايتهم من الإهمال والحوادث بمختلف أنواعها، إضافة إلى أهمية رقابة الآباء على أبنائهم.

رعاية ومتابعة

من جانبه، أشار الرائد طارق أحمد الشرهان رئيس قسم الإسعاف والإنقاذ بشرطة رأس الخيمة لتفادي حوادث الغرق بشكل عام وغرق الأطفال خاصة، إلى أنه يجب فرض الرعاية والمتابعة بشكل كبير للأطفال خاصة، وعدم السماح لهم بالاقتراب من مياه البرك الراكدة أو العكرة قبل التأكد منها، كما يجب على أولياء الأمور معرفة أعماق الأماكن المراد السباحة فيها وعدم السباحة بعد غروب الشمس، وكذلك عدم الدخول لحوض السباحة بمفردهم إلا في حالة وجود شخص مرافق.

ونوهت الاختصاصية الأسرية والاجتماعية بثينة حسن، أن هناك أبعاداً نفسية للأهل بعد وقوع مثل هذه الحوادث وقد تنتهي بالأمراض النفسية أو بالمشاكل الأسرية التي قد تنتهي غالباً بالطلاق، وهذه حالات شهدتها إحدى المناطق بعد وفاة أحد الأطفال في سن الثانية غرقاً مما أدى إلى دخول الأم لمستشفى الأمراض النفسية، مؤكدة عدم الاستهانة بموضوع إهمال الأطفال وأن يحرص كل فرد منا على دوره تجاه من يرعى، لتفادي هذه المشاكل.

قانونيون: لا إعفاء من المسؤولية الجنائية

شدد محامون على أن تدابير قانون حماية الطفل لا تعفي أولياء الأمور والقائمين على الطفل من العقوبة الجنائية أو الغرامة، التي يمكن أن تشملهم في حال ثبوت تعرضه للأذى بسبب إهمالهم.

وأفاد المحامي الإماراتي يوسف البحر أن القوانين الإماراتية تعاقب على إهمال الأطفال وتعريض حياتهم للخطر، وذلك وفق بنود قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 وقانون الطفل «وديمة»، مشيرا الى أن المادة 350 من قانون العقوبات تنص: يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تزيد على عشرة آلاف درهم من عرض للخطر طفلا لم يتم سبع سنوات وكان ذلك في مكان معمور بالناس سواء كان بنفسه أو بواسطة غيره.

وأكد المحامي البحر أن قانون الطفل وديمة ينص على حماية الطفل من كافة مظاهر الإهمال مشيرا إلى أن القانون نص: السلطات المختصة والجهات المعنية، تحافظ على حق الطفل في الحياة والبقاء والنماء، وتوفير كل الفرص اللازمة لتسهيل ذلك، كما تعمل على حماية الطفل من كل مظاهر الإهمال والاستغلال، وسوء المعاملة، ومن أي عنف بدني ونفسي، وتقوم بتنشئة الطفل على التمسك بعقيدته الإسلامية، والاعتزاز بهويته الوطنية وحماية المصالح الفضلى للطفل.

كما تقوم بتوعية الطفل بحقوقه والتزاماته وواجباته، في مجتمع تسوده قيم العدالة، وتنشئة الطفل على التحلي بالأخلاق الفاضلة، وبخاصة احترام والديه، ونشر ثقافة حقوق الطفل على أوسع نطاق، والعمل على إشراك الطفل في مجالات الحياة المجتمعية، وفقاً لسنه ودرجة نضجه.

ولفت إلى أنه يقع على عاتق والدي الطفل أو من في حكمهما أو القائم على رعاية الطفل، الالتزام بتوفير متطلبات الأمان الأسرى للطفل في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة، مشيرا إلى أنه ووفقاً للقوانين المعمول بها في الدولة، يحظر على القائم على رعاية الطفل، تعريضه للإهمال أو تركه دون رقابة أو متابعة أو عدم القيام على شؤونه، كما يحظر تعريض الطفل للتعذيب أو الاعتداء على سلامته البدنية أو إتيان أي عمل ينطوي على القسوة، من شأنه التأثير في توازن الطفل العاطفي أو النفسي أو العقلي أو الأخلاقي.

تدابير

وأوضح الباحث القانوني أيهم جمال المغربي أن التدابير التي حددها القانون لحماية الطفل لا تعفي أولياء الأمور والقائمين على الطفل من العقوبة الجنائية أو الغرامة، التي يمكن أن تشملهم في حال ثبوت تعرضه للأذى بسبب إهمالهم، وحظرت المادة (34) تعريض سلامة الطفل العقلية أو النفسية أو البدنية أو الأخلاقية للخطر، سواء بتخلي القائم على رعايته عنه أو تركه بمكان أو مؤسسة رعاية دون موجب أو رفض قبول الطفل من القائم على رعايته أو الامتناع عن مداواته والقيام على شؤونهم.

وتنص المادة (35) كذلك على أنه يحظر على القائم على رعاية الطفل تعريضه للنبذ أو التشرد أو الإهمال أو اعتياد تركه دون رقابة أو متابعة، أو التخلي عن إرشاده أو توجيهه أو عدم القيام بشؤونه أو عدم إلحاقه بالمؤسسات التعليمية، يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم من يخل بأحكام المادتين.

وفيما يتعلق بالحقوق الجسدية والنفسية للطفل، نصت المادة (36) على حظر تعريض الطفل للتعذيب أو الاعتداء على سلامته البدنية أو إتيان أي عمل ينضوي على القسوة من شأنه التأثير في توازن الطفل العاطفي أو النفسي أو العقلي أو الأخلاقي، ويعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

كما تنص المادة 350 من قانون العقوبات الاتحادي نفسه، على أن يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، أو بالغرامة التي لا تزيد على 10 آلاف درهم من عرض للخطر طفلاً لم يتم سبع سنوات، وكان ذلك في مكان مليء بالناس، سواء أكان ذلك بنفسه أم بوساطة غيره.


شرطة دبي تتعاون مع المستشفيات للإبلاغ عن حوادث الأطفال

أكد العميد الدكتور محمد المر مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان أنه يوجد تعاون وثيق مع كافة المستشفيات في دبي للإبلاغ عن أي حالات اعتداء على الطفل والمرأة وأن إدارة حقوق الإنسان تابعت العديد من الحالات منها حالات اعتداء على أطفال من قبل الأبوين أو أحدهما والتي دائما ما ترد الى المستشفى بقصص غير حقيقية للتنصل من المسؤولية، مشيرا إلى أنه في حالة التأكد من عدم كفاءة الأبوين في رعاية الطفل يتم نقله الى مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال بعد أن يتماثل للعلاج.

وأشلر العميد المر إلى جهود دولة الإمارات المستمرة في حماية حقوق الطفل وسرعة البت في التشريعات وإصدار القوانين التي تصب في نفس السياق، كما أن القانون شمل مواد رادعة للإهمال المتعمد أو غير المتعمد من قبل بعض أولياء الأمور.

265

سجلت الإحصائيات الصادرة من شرطة دبي إنقاذ ما يقارب من 265 طفلاً خلال 18 شهراً الماضية حوصروا في مركبات ذويهم أو داخل مصاعد أو في شقق أو منازل أو حمامات أو أماكن أخرى، وإن أفراد الإنقاذ مجهزون ومدربون للتعامل مع الحالات التي يكون المصاب أو الضحية فيها من فئة الأطفال، بكل سهولة ويسر، باستخدام معدات متطورة جداً وفي سرعة كبيرة خاصة وأن الثواني في تلك الحالات قد تنقذ حياة طفل.

كما أن تحقيق مؤشر الاستجابة يعود إلى حرص الإدارة على الانتشار الصحيح لفرق الإنقاذ في مختلف أرجاء إمارة دبي مما يحقق الجاهزية والاستعداد الدائمين للأفراد وذلك بعد أن يتم رصد ودراسة الإحصائيات للحوادث وزمن ومكان وأسباب وقوعها على مدار العام.

الشريعة الإسلامية والتشريعات العالمية تؤكد على حماية الطفل

أمرت الشريعة الإسلامية برعاية الطفل والمحافظة على حياته وصحته ونموه، وقد حمى الإسلام الطفل من أن يكون مسرحاً لنزاع الوالدين وشقاقهما؛ فقد حرم القرآن الكريم مضرة أحد الوالدين للآخر عن طريق الإساءة للطفل أو إهماله. فقد قال الله تعالى (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) سورة البقرة 233.

كما حرصت معظم التشريعات العالمية على سن القوانين التي تهتم بحقوق الطفل منذ سنوات ومنها على سبيل المثال مبادئ قانون الأسرة الأوروبي والتي تضمنت قسماً خاصاً بعناصر مسؤولية الوالدين بموجبها يلتزم الوالدان بتقديم واجب العناية والحماية للطفل. وقد ورد بالقسم السابع من هذه المبادئ توقيع عقوبات على أحد الوالدين في حال إهمال أطفاله وتصل هذه العقوبات إلى إسقاط الولاية من على المسؤول عن إهمال الطفل.

Email