«الدرب واضح» .. كلام من ذهب

رائعة شعرية تجمع الإبداع والحكمة وبعد النظر

محمّد عبدالرّحيم سلطان العلماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحمدُ لله الذي جعلَ من الشِّعر حكمةً وبياناً، والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم أفصح العرب وأعلاهم شأناً، وعلى آله وأصحابهِ قدوة الأمم في التوحُّد والمؤازرة وأعظمهم تضامناً وإيماناً.

أمّا بعد، فإنّ مسيرة الشِّعرِ العربيِّ في عُبورهِ الحضاريِّ فيما يزيدُ على أربعة عشر قرناً، لتؤكِّد أنّ الشِّعر ديوان العرب، ففيهِ مفاخرهم وانتصاراتُهم، كما فيه أحزانهم وعبَراتُهم، فالشّاعرُ جزءٌ من المجتمعِ الذي يعيشُ فيه، ولا قيمةَ لشعرهِ إذا لم يجسِّدْ فيه حركةَ الواقعِ الذي يصدرُ عنه، فالشّاعرُ الملتزم هو الشّاعر المنتمي لقضايا عصره، وهو الذي يسخِّرُ شعرهُ لخدمة المجتمع، ولا سيّما في الظروف الصعبة، التي تعصفُ بأفكارِ النّاس وحياتهم، كما هو الحالُ في هذه الأيّام من الأزمة الخليجيّة القطريّة، التي قد تؤذنُ بالتفكك والتشرذمِ والضّعف، وهو أمرٌ حذّرَ منه النبيُّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ في قوله: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت».

وفي خضمِّ هذه الظروف المتلاطمة، يُطلُّ علينا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بقصيدةٍ عصماء، وسمَها بـ«الدّرب الواضح»، وكأنهُ يذكِّرنا بقول النبيِّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «تَركْتُكُمْ علَى المَحجّة الْبَيضاء، لَيلُها كَنهارِها لا يَزِيغُ عَنْها إلّا هالِكٌ»، وقد تلاحمتْ فيها العواطفُ الجيّاشة، مع الألفاظ والتراكيب والأوزان، لتشكِّلَ بناءً أدبيّاً متناغماً منقطع النّظير، عبّرَ فيها عن موقفهِ من الأزمةِ مع قطر، وشحنها بالقيم الإسلاميّة التي نشأ عليها، والتي ينبغي لكلِّ مسلم التحلِّي بها، فهي بمجموعها تجسِّدُ قوله عزّ وجلّ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: ١٠٣]، وعبارة النبيِّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «وكونوا عباد الله إخواناً».

كيفَ لا، وهو القائدُ المحنّكُ الذي تخرّجَ في مدرستي الشّيخ زايد والشّيخ راشد رحمهما الله، اللذين لم يُعرَفْ عنهما إلّا زرع الخير في محيطهما، حتّى غدتْ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة مضربَ المثل في الخير والرحمة والتسامح وحُسن الجوار، وكريم التعامل.

ولمّا كان سموُّهُ شاعرَ السّيفِ والقلم، فارساً في حومةِ الميدان، صادقاً في كلِّ ما يلهجُ به لسانُه، استهلّ قصيدتَه بما يؤكِّدُ ذلك بقوله للهِ درُّه:

خيلْ المعاني جَريَها باللِّساني

                         والشَّاعر إيسَمَّا لسانِهْ حصانهْ

وأنا علىَ الخيلينْ رَبِّي هداني

                        علىَ الرِّمكْ والسابقهْ في بيانِهْ

ترنيمها عزفْ ولحونْ الأغاني

                        وتَفخيمها للصافيهْ في دنانهْ

ولا يخفى ما تنطوي عليه هذه الأبيات من معانٍ أصيلة، نسجها سموُّهُ في صورةٍ أدبيّة غايةٍ في الجمال والعذوبة، إذْ لا ريبَ أنّ خَيلَ الشاعرِ معانيه التي يجري بها لسانه، فلسانهُ حصانُه، وسموُّهُ حازَ قصباتِ السّبقِ في ذلك، وأربى عليها فكان شاعراً فارساً، سيِّداً لقومهِ، والسيِّدُ راعٍ، كمال قال النبيُّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «ألا كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فالأمِيرُ الَّذِي على النَّاسِ راعٍ، وهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» الحديث.

ولا يُفهَمُ من المقطوعة السّابقة أنّ سموَّهُ قصدَ الفخرَ فحسب، وإنّما أرادَ أنْ يذكِّرَ المخاطبينَ برموز أمتنا العربيّة، التي تنطقُ بلغةٍ واحدة، وتدينُ في معظمها بديانة واحدة، ولذلك فقد أبرزَ مقوِّمات الوحدة في البيت العشرين بقوله، رعاهُ الله :

منْ منبَتٍ واحدْ وشَعبْ وكِياني

                       دَمْ ولَحَمْ واحدْ وأرضْ وديانِهْ

ويتخلّصُ سموُّهُ على عادة شعراء العربيّة من الفخر إلى النسيب، ليذكرَ الحبيبَ وظعنه، بعد أنْ كانَ قريباً، وتغيّرهُ عليه دونَ مبرِّرٍ، ووصفهُ بالمُهرة ذات الجمال البارع، وهي لا تنكرُ أنها تريده، لكنّها تستصعب الوصل، وهو في ذلكَ يرمزُ إلى قطر، التي يُخشى عليها مفارقةَ الجماعة، فيقول، حفظه الله:

واللِّي هويتهْ وهو هواهْ إهتواني

                            منْ عقبْ هجرانهْ تغيَّر زمانِهْ

لاهوُ تريَّا أوْ تهيَّا وجاني

                           ولا آنا عشانهْ كنتْ أرضىَ هوانهْ

يا مهرةٍ لي بالتِّغَلِّي تباني

                           كانتْ نصيبي عَنْ فلانْ وفلانهْ

أغليتها مغلي الغلاَ وجيتْ عاني

                           للغاليْ اللِّي في الغلا خَذْ ضمانِهْ

وينتقلُ سموُّهُ ليُعدِّدَ مآثرَ شقيقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليعمِّقَ ويؤكِّد الأخوّة بينهما، التي ينبغي للإخوة العرب أنْ يحذوا حذوها، فهما رعاهما الله أنموذجٌ لصدق الأخوَّة، وكلاهما على قلبٍ واحد، يحفظان الأمانةَ التي أُنيطا بها، لصيانة حقوقِ شعبيهما، وردِّ أي عدوانٍ قد يحيقُ بهما، أو قد يُشاعُ عنهما: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه) [فاطر: ٤٣]، فقال أعزّه الله:

فارسْ حياتهْ في ثباتهْ كفاني

                          أثبتْ منْ أثبَتْ ثَبْتْ ثابتْ جَنانِهْ

حصنِهْ حصينْ محصَّنٍ بالعَياني

                          متحصِّنْ بحصنِهْ لنارَهْ ودخانهْ

شاهدْ شِهَدْ عنْ محنةٍ وإمتحاني

                         عنْ شاهدْ ومشهودْ حانْ إمتحانه

وانا مودِّي دونْ حقٍّ جفاني

                         وحاوَلتْ أثني عنْ مسارَهْ عنانِه

وعندي دليلْ إنْ ليلْ يظلَمْ هداني

                        عينهْ علىَ شعبهْ تباتْ إسْهَرانِهْ

عوني وأخويِهْ وإنْ أناديهْ جاني

                         وإذا يناديني ألَبِّي عشانهْ

هذاكْ بوخالدْ وما عنهْ ثاني

                          اللهْ رفَعْ قَدرَهْ وبالعَقلْ زانهْ

والوَقتْ في أمرَهْ وطوعْ البناني

                          منْ هيبتهْ تموتْ النِّفوسْ الجَبانِهْ

أنا وهوهْ لدارنا بالضِّماني

                          عَ قلبْ واحدْ حافظينْ الأمانِهْ

منْ غيرْ شَكْ إنصونْ شَعبٍ مصاني

                         ونرِدْ عدوانه ونحفَظْ كيانهْ

يصفه بالغالي الّذي أخذ مكانته في سويداء القلب واستقرّت محبّته في شغافها، وبأنه فارس الميدان والأسد الهصور الّذي حمل همّ الذود عن الوطن وحماية مكتسباته، وثبت في وقائع تزلزل الهمم وتزعزع القمم، وأكّد رسوخ قدمه في الثوابت وأنّه لا يتزعزع عن الحقّ الّذي يؤمن به، وفي هذه الأبيات من القصيدة يُعلن شاعرنا، رعاه الله، عن مدى مكانة هذا الإنسان الرائع في قلب سموه، وما يُكنّه له من محبّة صادقة؛ لِما يتمتع به من جميل الصفات وشِيم الأخلاق وبديع المكارم، فهو قد بلغ الذُّرى في المودّة، والقمّة السامية في الأخلاق والتواضع، وهو كذلك يُمثّل الدرع السابغ لحماية الوطن مع احتفاظه برباطة الجأش وثبات القلب في أحلك الظروف وأصعب المواقف.

وأثبت هذا الفارس جدارته وثباته في المواقف الجسيمة، فقد كان رابط الجأش ثابت الجنان في وقائع تُنبئ بقوّة الإرادة، وأنّه يُعتمد عليه في صون البلاد، والذود عن أرضه وترابه، وأنّه العين الّتي تسهر لحفظ البلاد وأمن العباد.

ثمّ يصل الشاعر إلى بيان وحدة الإرادة والفكر بينه وبين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لاجمًا بذلك لسان كلّ مدّعٍ وحاقد، وأنّ العلاقة الّتي بينهما علاقة الأخ بأخيه، وكلُّ واحدٍ منهما عونٌ للآخر، وسندٌ له في المهمّات والملمّات، يُلبّي كلّ واحدٍ منهما نداء الآخر ويأتيه مسرعًا ليعينه ويساعده.

ويسرد الثناء على سميّه بأبلغ الصفات من حيث الشجاعة والسهر على راحة الشعب، مبيّناً أنّ الله رفع شأنه وأعلى قدره، ووهبه الحكمة ورجاحة العقل، وسخّر له الوقت ورزقه البركة فيه، ومنّ عليه بهيبة عظيمة تفرق منه النفوس الجبانة والأبصار الزائغة والعقول المنحرفة.

ويخلص صاحب السمو إلى أنّه وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد جعلا نصب أعينهما السهر على حفظ الوطن واستقراره، والتنافس في خدمة الشعب وإسعاده.

هذه هي الأخوة بحق، فالمسلمُ يقفُ إلى جانب أخيه المسلم في السرّاء والضرّاء، ويلبِّيه إذا قصدهُ، ويُدافعُ عنهُ، وهذا ما أوصى به الله عزّ وجلّ في قوله (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال: ٧٢ ]، وهذا أيضاً ما أكّدهُ رسولُ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في العديد من الأحاديث الشّريفة، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك ــ رضي الله عنه ــ قال: قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ :«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره»، وحذّرَ عليه الصّلاة والسّلام من حُرمة المؤمن، فقال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».

ثم ينتقلُ سموُّهُ إلى الغرض الأساسيِّ من هذه القصيدة، وهي مخاطبة قطَر الشقيقة، بكلِّ رفقٍ ومودّة، مذكِّراً بحقوق الجار التي عمّقها الإسلامُ في نفوسِنا، ومحذِّراً من عواقب الفرقة والتفكُّك، فقال أجزلَ اللهُ مثوبتَه:

ومنْ سالفٍ في الوقتْ عشنا زماني

                               معْ جارنا والجارْ أخْلَفْ رهانه

والجارْ قَبلْ الدَّارْ جا في المعاني

                              وكنَّا نعينهْ وهوُ لنا في الإعانِهْ

منْ منبَتٍ واحدْ وشَعبْ وكِياني

                             دَمْ ولَحَمْ واحدْ وأرضْ وديانِه

وتَدري قطَرْ أنَّا لَها ظِلْ داني

                            عنْ الغريبْ وعنْ ضعيفْ المكانهْ

ما هي مصالحْ بالسياسهْ تهاني

                           يا غيرْ خوِّهْ جارْ والحَظْ خانِهْ

وواجبْ علينا نناصحهْ بِلْعلاني

                          إنْ حَطْ لهْ أفعىَ رَمِلْ في ثبانِه

والذيِبْ ياكلْ م الكبارْ السِّماني

                            ساعَةْ تغادرْ سربها بإستهانهْ

هذه هي القيم الإسلامية، التي تميَّز دينُنا الحنيف بها عن غيره من الأديان، فالجارُ قبلَ الدّار، وقد قال نبيُّنا عليه الصّلاة والسّلام: «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالْجارِ حتّى ظَنَنْتُ أنّهُ سَيُوَرِّثُهُ». متفق عليه، وقالَ عليه الصّلاة والسّلام: «لا يَدْخُلُ الْجَنّةَ مَنْ لا يأْمَنُ جارُهُ بَوائقَهُ»، والبَوائِقُ: الغَوائِلُ والشُّرُورُ.

ولعلّ من أبسط حقوق الجار على الجار تقديم النَّصيحة، وسموه في هذه الأبيات التاريخيّة، يقدِّمُ النصيحة الذهبيّة لقطر الشقيقة، فهي من هذا العِقد الذي ينتظم دول الخليج، وانشقاقها قد يؤدِّي إلى انفراط العقد والفُرقة، ممّا يُطمعُ الأعداء بنا، وهُنا، يتألّقُ سموُّهُ في ضربِ المثل على سبيل الاستعارة التمثيليّة، فالذئبُ يأكلُ من الخراف السمينة ساعة تغادر سربها باستهانةٍ، وفي هذه الصورة الفنية، توظيفٌ وتأثرٌ بقول رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية».

ويُطنبُ سموُّهُ في الحثِّ على وحدة العرب، وترك الخلافات جانباً، والمحافظة على وحدة الصّفِّ، فكما قال عليه الصّلاة والسّلام: «الجماعةُ رحمة والفرقة عذاب»، وقال: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد».

يقولُ لله درُّه:

ولكلْ شَيٍّ لوٌ تفكِّرْ أواني

                      والجِدْ يا أهلْ الجِدْ هذا أوانِهْ

وآحِسْ أنِّ الوقتْ يكفي وحانِ

                      والشَّرْ نسعىَ كلِّنا في دفانهْ

ونرجعْ إلىَ وحدَةْ قلوبْ ومعاني

                      نحمي بعضنا دونْ حقدْ وضغانهْ

منْ السعوديهْ لديرةْ عماني

                     معْ دولتي لي هيهْ للعقدْ دانهْ

وبحريننا ويَّا قطرْ وآل ثاني

                    خليجْ واحدْ يصلحْ الرَّبْ شانهْ

وقالوا عَرَبنا منْ قديمْ الزِّمانِ

                    قبلْ الرِّمايهْ يترسون الكنانهْ

نعم بلا شكّ، هذا أوان الجِدّ والعمل على إصلاح ذات البين، ورأب الصّدع، ودفن الضغائن، وإماتة الأحقاد، وإطفاء نار الشرّ، ويا للهِ ما ألطف أسلوب الخطاب الذي يوجِّهه سموُّه لقطر، إذْ علينا أنْ ندفن الشرّ، ونحمي شعوبنا من غير حقدٍ ولا ضغينة، وإخماد نار الفتنة، من خلال الوحدة والتكاتف والتضافر، ولله درُّه في قوله:

وتأبَىَ الرِّماحْ العالياتْ اللِّدانِ

                  أنْ تنكسرْ متجمِّعهْ بذاتْ خانهْ

وإذا إتِّفَرَّقْ تنكسرْ في ثواني

                  ولا ينفَعْ الرِّمحْ المِكَسَّرْ سنانهْ

وفي هذا يذكّرنا بقول المهلّب بن أبي صُفرة عندما دعا أبناءَهُ حينَ أشرفَ على الموت، فقال ناصحاً لهم، رحمه الله:

كونوا جميعاً يا بَنِيَ إذا اعترى

                           خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسُّراً

                          وإذا افترقن تكسرت آحادا

ثمّ يختمُ سموه قصيدته، بنصيحةٍ وموعظة حسنة، استجابةً لقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: ١٢٥]، فيقولُ رفعَ الله شأنه:

لوُ تتركونْ المرجفينْ بمكانِ

                        ونحنْ لكُمْ أقرَبْ منْ أهلْ الرِّطانهْ

وما في المزايَدْ خيرْ يرجيهْ عاني

                       وكلْ وقت تدري لهْ صلاتهْ وأذانِهْ

وماهيهْ بالقوَّهْ ولا بالأماني

                       ومهما إختلفنا جارنا في أمانهْ

ناخذْ ونعطي وبالتِّحاورْ يباني

                      الحقْ ظاهرْ مايبا لهْ فطانهْ

والدَّربْ واضحْ منهجهْ بالعياني

                      والبابْ مفتوحٍ ومحدَّدْ مكانهْ

ودربٍ إلىَ الرحمنْ خيرْ وجناني

                     أحسَنْ منْ الشِّيطانْ وأهلْ الشِّطانِهْ

وإنْ مابغيتوا دربنا بامتناني

                     فكلْ واحدْ لهْ طريجهْ وشانهْ

هذا هو الدّربُ الواضح، والمحجّة البيضاء، التي لا يزيغُ عنها إلا هالك، وسبيلُها: تركُ المُرجفين، وأهل الرّطانة، والأخذ بأسلوب الحوار والتفاهُم، ولزوم الجماعة؛ لأنّ الحقّ ظاهرٌ، ويخاطبُ سموه إخوته في قطر، ليذِّكرهم بأنّ «الباب مفتوحٌ ومحدّد مكانه»، وهو دربٌ إلى الرّحمن، وخيرٌ يقودُ إلى الجِنان، بعيداً عن «الشيطان وأهل الشطانه».

وإدراكًا من صاحب السمو بأنّ التوفيق والهداية بيد الله، وأنّ واجب المسلم بذل النصح بحكمة، وليس مطلوبًا منه تحقيق النتيجة؛ يختم قصيدته بخاتمة قويّة كما بدأها باستهلال بارع، ويوجّه كلامه إلى الإخوة بأنّ علينا النصح؛ فإذا لبّيتم فذلك غاية أمانينا ورغبتنا، وإنْ لم تفعلوا ذلك بامتنانٍ، فلكلِّ واحدٍ طريقه، إذ لا يمكن أن يجتمع الحق مع الباطل، وعندئذٍ على كلّ طرفٍ أن يتحمّل نتيجة اختياره، ولعلّ سموه في هذه الخاتمة يتمثّلُ قول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: ١٠٨].

 

Email