كتاب يضيء جوانب نادرة في شخصية المؤسس

زايد... مكونات أخلاقية وجماليـة منبعها البادية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مئة وخمسين صفحة، من القطع الوسط، وعن دار الكتب الوطنية في أبوظبي، صدر أخيراً كتاب أنيق بعنوان «زايد الشخصية الأخلاقية» للأديب الإماراتي المعروف علي أبو الريش، وهو إصدار دسم المضمون رشيق اللغة والتناول، حاول المؤلف من خلاله استعراض جوانب إنسانية وثقافية شديدة الإيحاء والدلالة من شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

وخير من يشهد على فحوى الكتاب الجديد مؤلفه حيث يقول علي أبو الريش: «في هذا الكتاب تبدو الصحراء المرجع والدافع في الاقتراب من شخصية الشيخ زايد - طيَّب الله ثراه - فهي الطريق التي ذهب ليستدل بها منبع إبداعه الأخلاقي، وهي الموجة التي حركت وجدانه الإنساني باتجاه الصفاء والقيم النبيلة، وهي السهل والمؤهل، وهي الماء والساحل، وهي شجرة الاخضرار التي أينعت في داخله وأنبتت ثمرات الحكمة ونعيم الفطنة.

عندما نحاول أن نقترب من شخصية زايد الأخلاقية لا يمكننا إلا أن نعبر الصحراء، ولا بد وأن نقف عند عبقريَّتها لنستلهم من شخصية زايد لباقة الكتابة في أمر يخص الأخلاق، لأن زايداً والصحراء رافدان لنهر واحد، ألا وهو نهر الحياة.

فالحياة في الإمارات اكتسبت أخلاقها الوجودية من الصحراء، وزايد هو بستان العطر الذي عبق وجدان الناس بعبير القيم الأخلاقية، وها نحن نحاول في هذا الكتاب أن نحذو حذو الصحراء التي حاذت شخصية زايد فاستلهم منها الصبر كما نهلت منه العبقرية في ترتيب أشجار القلب».

جذور وفكر

ويمضي علي أبو الريش مخاطباً روح زايد الخير:

«نتحدث عن الأخلاق ونحن الذين طالعنا في دفتر أيامك، فقرأنا في الصفحات منجزات ومعجزات مذهلة هائلة تعجز القريحة أن تسرد فيضها، والفيض أنت بما أبديت، وما أعطيت، وما أسديت، وما أجزيت، وما أثريت، وما أغنيت، وما أسعدت. ومن باقي هذه السمات التي تحلى بها الشيخ زايد سوف نقطف مقولة للمؤرخ أرنولد توينبي والتي يقول فيها: «إن التحدي هو الذي يخلق رجل الأخلاق، والقادة لا يزدهرون في أسهل الظروف، وإنما على العكس، فإنهم يزدهرون في الظروف التي تتحداهم أشد التحدي. وكلما ازداد التحدي صاروا أكثر عظمة وجلالاً وبهاءً».

سياحة في الكتاب

بعد التقديم الذي أتينا على تفاصيله المهمة آنفاً، فإن كتاب «زايد الشخصية الأخلاقية» ينطوي على خمسة فصول وخاتمة، الفصل الأول يشكل إطارا نظريا يحدد مفهوم الأخلاق ومعناها، والثاني يعالج علاقة الأخلاق بالصحراء، وأما الفصل الثالث فهو يركز على القيم الأخلاقية التي اشتملت عليها قصائد زايد الشعرية. وفي الفصل الرابع يتناول قوة حضور زايد والإمارات وعلامات ذلك، وأخيراً يورد المؤلف شهادات الآخرين عن زايد بعنوان «زايد في عيونهم».

هذا الكتاب رحلة ماتعة ودرس كبير في مفهوم الأخلاق وتجسيد شخصية مؤسس الإمارات للإنسان صاحب الأخلاق العالية، ولذلك نتوقع له الفوز بجوائز في مقدمتها جائزة زايد للكتاب، خاصة وأنه جرى تأليفه بطريقة البحث العلمي الرصين، في ظل رشاقته التي تنأى به عن جفاف التأليف الأكاديمي.

زايد والشعر

لعل من أجمل فصول الكتاب وقوف المؤلف على علاقة الشيخ زايد - طيب الله ثراه - مع نظم الشعر الرقيق.. يقول: زايد لم يحترف الشعر كحالة لحظية وراهنة، بل عاش الشعر كجزء من الحياة، وعنصر من عناصرها الجميلة، ودور الإنسان في الحياة أن يكرس مبادئ القيم الجمالية، وأن يقف عند ثوابتها، وأن يستدعي كل مقوماتها، وما من حياة تستمر من دون إيمان بجمال الطبيعة، وهيبتها وروعتها وبراعتها، في التأثير والإيعاز للإنسان بأن يكون جميلاً ليرى الوجود جميلاً، وهذا بطبيعة الحال يتطلب جهداً مضنياً وعملاً دؤوباً، يقوم به المرء لتخليص نفسه من شوائب التشاؤم وقبح المشاعر.

من هذه القصيدة نستكشف رؤية الشيخ زايد، في التواصل مع الحياة، وكيف يتم تقويم الجمال في الحياة، هذه نظرة عميقة بالغة الدقة، وفيها من النبوغ الشعري ما يفوق وعي الإنسان العادي، لذلك من يقرأ في شعر الشيخ زايد فسيحتاج إلى بصيرة شعرية، وإلى وعي بما يختبئ بين السطور، وما تفيض به القصيدة. من شعره هذان البيتان:

إمن الوزا ظمياني

                ولا نلت لي مقصودْ

وحقه ذرب المعاني

                       سلام عد النودْ

شعر الشيخ زايد ينتمي إلى البسيط العميق، السهل في مفرداته الغزير في معانيه، ما يجعل المتلقي يتذوق الكلمة أولاً، ثم يذهب إلى المعنى ليستشف منه غزارة المطر، وكثافة الغيمة.

وهو عندما يخاطب الطبيعة فإنما يحاكي الإنسان ابن هذه الطبيعة، ويوجه له الخطاب الأنيق بصيغة شعرية مسبوكة بذهب المعاني، مصفوفة من سعف النخلة الوفية، منسوجة من حرير الرمل الصحراوي، مصوغة من قطرات المطر، محبوكة من رشات الموجة.

في الأبيات الستة التالية دعوة صريحة للشباب لما هو أخلاقي، وصفات تجعل للإنسان قيمة وشيمة ووسامة المبادئ السامية، هي دعوة للحب السامي والحقيقي:

ما يحترم لانساني

                إلا بخصال اليود

إن كان م الشباني

                 ولَّا كهل معدود

الشهم له ميزاني

                 حشمه وقدر عود

يا ذا الشباب الباني

                   بادر وقم بجهود

ولا تقلد الدلهاني

                 لي ما وراهم زود

وترى الردى والداني

                  في سعيهم منقود

زايد والنخلة.. وشيجة وفاء واستلهام

يورد المؤلف قول الشيخ زايد رحمه الله: «لقد كانوا يقولون: إن الزراعة ليس لها مستقبل في بلادنا، ولكن بعون الله تعالى وتصميمنا فقد نجحنا في تحويل هذه الصحراء إلى أرض خضراء».

ويعلق أبو الريش على ذلك بالقول: للشيخ زايد والنخلة علاقة عشق متجذرة في كيانه، فهي بنت الصحراء التي ينتمي إليها ويعتز بها، تعلق بها وعاهدها على الوفاء، وبادلها الحب والإخلاص، أعطته وأعطاها، ورأى في شموخها مثالاً، وفي ثباتها قدوة، وفي وقتها مجداً وعزاً. فكيف لا يعشقها زايد وقد أوصانا بإكرامها؟!

زايد جعل من النخلة على تراب الإمارات عزيزة كريمة وصديقة للشعب والأرض والهوية، وشراع الظل الذي يصد الرياح العاتية، ويمنع زحف الرمال على مدن الناس ومواطن معيشتهم، بل إن أرض الإمارات تحتضن اليوم أكثر من ثلاثين مليون نخلة مطمئنة بوجودها، عزيزة بين أهلها، وينعم بثمارها ملايين البشر.

سجع الحمام

يقول أبو الريش: في هذا الكتاب حاولت أن أسجع كالحمام في صحراء معشوشبة بالجمال، وفي بستان الأخلاق هتفت أزهار الحياة معلنة عن شخصية مد لها التاريخ أشرعة المجد، فجادت بالحب وجودت في العطاء حتى صهلت جياد الصحراء مبتهلة للذي أعطى الأخلاق أمن طوقها بقلائد الحكمة والحشمة، والنعمة، والقيمة، والشيمة، ونحت على رمل الصحراء أيقونة كحلت عيون الناظرين بإثمد الفرح، وشنفت آذان السامعين بأقراط الفخر، وطوقت الأعناق بفرائد الخصال.

المؤلف بإيجاز

الأديب علي أبو الريش«ليسانس علم نفس»

• كاتب وروائي، ألف عشر روايات ومسرحيتين ومجموعة نثرية ومن ضمن رواياته (الاعتراف) وفازت ضمن أهم مئة رواية عربية خلال القرن.

• من رواياته، السيف والزهرة، ورماد الدم، ونافذة الجنون، وتل الصنم، وسلايم، وثنائية مجبل بن شهوان، وثنائية الروح والحبر والتمثال، وزينة الملكة.

• وصدرت له المجموعات القصصية (ذات المخالب) ومسرحية: (الرسالة وجزر السلام)

• له عدة مؤلفات أخرى فكرية وبحثية.

Email