محمد بن راشد يُشرف على مكارم الأخلاق من «رجم عالي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدته «رجم عالي» بكلمات أوقدت سراجاً في دروب التائهين الباحثين عن موطن نور في بحر لجّيٍّ من الظلام الحالك، وكأني به نبراس يزداد إشعاعاً كلما زاد الباحثون عن ملاذ مضيء، ليظل منيراً لكل من طلب الهدى، في استعارة فيها الكثير من ألوان البيان التي تحفل بها أبجديات سموه الشعرية.

فعناوين قصائد سموه لها إيثارات تتعلق بالمراد الوصول إليه، فقصيدة «رجم عالي» لسموه بمثابة البنود التي تؤسس للأخلاق النبيلة التي ألِفها وأحبَّها وأصبحت منهاجاً سوياً في دستور فضيلته، لا يأبى الضيم، ولكنه يتأثر بمن نكص عن عهد الرجال، ليعاتب من أحب ولكن برفق المحبّ في عملية بناء لأخوّة صادقة حُفرت في قلوب المخلصين صفاء العسل في شهده.

وهنا في ملحمته الشعرية هذه التي بدأها بالفخر المقرون بالإنجاز، ليس من باب التباهي، إنما ليكون ذلك منارة وعَلماً يهتدي به الآخرون بقوله:

فوقْ رجمْ المرجلِهْ شَبِّيتْ ضَوِّي

رجمْ عالي لي مضَيِّعْ يهتدي بِهْ

فهنا كان تشبيه سموه واضحاً كوضوح «النار» التي شبّها فوق مرتفع ليكون دليلاً ومرشداً يهتدي به كل من ضاع من قدمه الطريق.. ولكن هذه القمم لا يصلها إلا أصحاب الهمم، فسموه عنون لموقعه بالرجولة التي اعتلاها بأفعاله وأقواله، ولتكون دبي هذا الرجم الذي علا فوق الأرض مع قائد نهضتها عنواناً لمن يبحث عن الأمل.

وانتقل سموه في أبياته إلى شأن الأيام وانقضائها، ولكن لم يتركها تمر مرور العابرين، فعينه ترمق تفاصيلها ومجرياتها ويصف حالها نهاراً وليلاً، وتقلبات هذه الليالي التي استعجب منها لغرابتها، لكنه تحمل حركتها الكونية بكل ما تحمله من تفاصيل.

وأرقِبْ الأيَّامْ تَجري منْ عِلِوِّي

واللِّيالي في تِقَلِّبْها عَجيبهْ

إن قامة بسمو محمد بن راشد حملت على عاتقها هموم الوطن ومسؤولياته الجسام، لابد أن يكون وصفها بوصلةً للعمل والإنجاز والمتابعة، فهنا يؤكد سموه في قصيدة "رجم عالي" أنه لا تخفى على سموه صغيرة كانت أم كبيرة فهو العين والأذن واللسان.

وهذا سر نجاح قيادته لدبي وللحكومة الرشيدة فوصفه كان ومازال يخاطب مجتمعنا المحلي المحافظ سواء في الحب أو شحذ الهمم أو في الوصف، فشعر محمد بن راشد مدرسة إتقان في فن الممكن، فليس استعمال المحسنات هنا للدلالة على التمكن باللغة الشعرية فحسب، وإنما تأكيدات لفظية على موقفٍ خبره ويريد أن يخبر من حوله أنه عالم ومدرك تماماً ما عليه عمله.

وما خفاني شَوُ أريدْ وشوُ أسَوِّي

لأجلْ ناسي أحملْ حمولٍ تعيبهْ

فسموه هنا يعرف الذي يُقدم عليه من أمور وهي ليست شخصية بل هي أمور وطن وأمة.. إذاً، محمد بن راشد هنا مسكون بالآخر، وهذا الإيثار من صفات الحكمة.

حيث تكون مصلحة الآخر أولاً.. لذلك دائماً ما كان خطاب سموه أنا وشعبي لا نرضى إلا بالمركز الأول، وحتى تصل للمركز الأول لابد لك من تعب، وهنا تحمّل محمد بن راشد هذا التعب لأجل شعبه وهذا لا نجده إلا في روايات الأولين.. ثم بدأ سموه في الإطناب عندما جارى المتنبي في قصيدته «على قدر أهل العزم» عندما قال:

أسقيْ اللِّي بهْ عطَشْ منْ فيضْ نَوِّي

وعادتي هذي تَرَىَ ما هي غريبهْ

خذتَها عنْ والدي ما هيْه تَوِّي

وهوهْ خذها عنْ أبوهْ وعنْ قريبهْ

هنا يصف سموه عاداته الموروثة كابراً عن كابر، وهو بذلك يثبت أن مدرسة البيت هي الأساس، وتوريث الخصال الحميدة ميزة لا تندثر عند أهل الخير والكرم فهو يروي الظمآن، وبتعريف المعاجم رجلٌ فيضٌ: كثير الخير فهذا هو محمد بن راشد بحر لا ينضب من ماء زلال..

إذاً، عندما يتحدث سموه عن النخوة والكرم يبدأ بالأولين قبل نفسه، وذلك تفضيل بلاغي بتقريب البعيد عن القريب، ولا يزال صاحب الأيادي البيضاء باسطاً يديه لكل من دق بابه لا يرد مسألته، بل يُبادر بالعطاء في عمليةِ تسابقٍ للخيرات في مضمار أحبَّه بمقدار عمق روحه التي اقترنت بفكر لا يأبــى الرديــة لقومــه، أسس لعمــل الخير في مشهد تنحني له الهامات، تشّرب أبجدياته عن والده الذي رسم له خارطة طريق نحو أقصى نقطة مــن الخيــر الــذي تسلـم مقاليده هو الآخر عن والــده فـي تسلســل الأفاضل عـن الأفاضــل.

ويحق للشاعر الذي تربى في مدرسة العلم والكرم والقيادة والفروسية، أن يعتلي صهوة السمو والمجد من خلال أقوال طرزها بأفعال يشهد لها القاصي والداني، ولكن هذه الأفكار لا يدركها إلا عاقل يتحمّل مجاراة راعيها.

جملة من الاستعارات المكنية والتصريحية وألوان أخرى من البيان والبديع، أبدع فيها صاحب السمو في وصف حالة من حالات المشاعر التي تجمل لنا عمق إحساس سموه، إذ قدم لنا أصناف الفاكهة اللغوية التي طربت لها الآذان وانقادت لها الأفئدة إلى مائدة لغوية زاخرة بالأحاسيس التي استقاها من البيئة التي شبَّ فيها.

مرتفعْ فوقْ السِّما السَّامي سموِّي

ساميٍ بأفكارْ للعاقلْ تِشيبهْ

وينقلنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بين أبياته من فخر إلى كرم إلى معاناة حيث يقول سموه:

وبي منْ أشواقْ العنا نارٍ تِكَوِّي

جَمرَها الوقَّادْ محمَرٍّ لهيبهْ

سموه هنا في حالة وجدانية يصفها وصف العارف الذي اكتوى بجمرها وتحمل عناءها، صابراً عليها صبر من «تشويه» النار من شدة حرها.

وكَنِّني ذيبٍ منْ الشِّدِّهْ يعَوِّي

العشا فاتهْ ولا حَدٍّ يثيبهْ

كَنْ صوتِهْ وهوهْ في الظَّلما يِدَوِّي

نَدْبَةْ شحوحٍ يشنُّونْ الحريبهْ

وهنا يجاري سموه الشاعر الفرزدق في قصيدته «وأطلس عسال» عندما اقتسم الشاعر عشاءه مع الذئب، بينما سموه هنا يصف حاله بحال ذئب لم يجازه أحد حتى علا صوته في ظلمة الليل.. فصوت الذئب في فضاءات الصحراء عال واستعار له سموه تشبيهاً يدل على القوة فشبهه بـ"ندبة" الشحوح عندما يستعدون للحرب.. هذا الذئب الذي آثر على نفسه جوعه وبقي عالياً سامياً بصوته، وهنا نعود إلى ما بدأ به سموه أنه يعطي ولا ينتظر عطاء يجزل ولا ينتظر جزاء.

تبقى بعض المعاني والرموز مختفية في ثنايا القصيدة ولا يعلم كنهها سوى محمد بن راشد، فسموه يرتحل بنا في عوالمه، يريد أن يعطينا درساً في الإنسانية، تجلى ذلك في كرم سموه المقرون بتسامحه حتى مع من حمل له ضغينة وبقي له الند القوي بثوب الناصح الأمين:

يا وليفي لي غدا كنِّهْ عدِوِّي

منْ طعونٍ منَّها روحي عطيبهْ

وسموه هنا يعطي الأمان لحالة أراد وصفها، تتمثل بكل ذي عقل مغيب لمصالح شخصية أو لوشاية واشٍ بقول سموه:

ما أدري منهو غَيَّرَهْ جَوَّهْ وجَوِّي

حدِّ عندهْ ساعيٍ عنِّي بغِيبِهْ

ويُشفق سموه على حال الطرف الآخر الذي لم يعمل للصلح، ونحا إلى التعنت المقرون بالسوء، فيرسل له سموه هنا رسالة مفادها أنكم تشربون من عسل محمد بن راشد الصافي، لكنكم تنسون حزمه وبأسه الذي إن رأيتموه انسكبت دموعكم.. في تحذير مغلف بعاطفة إنسانية. سموه قدم المسامحة والعطف على أي أمر آخر، في دلالة على تقديمه طيب الخلق على مُرّ الإساءة.

هذا وقد وصلت عدد التعليقات والإعجابات على قصيدة سموه «رجم عالي» في موقع سموه على «أنستغرام» 20000 متابع، وجميعهم عاجزون عن تفسير ما يرمي إليه سموه، ولكن الكل يجتهد في الوصول إلى مراد سموه، وتصب جميع التعليقات في أن سموه صنع معجزة التاريخ ابتداء من دبي وانتهاء بتطوير عمل الحكومة.

أن سموه يعتني بقصيدته مفردة وجملة من حيث الصور وبلاغة الألفاظ وإلى ماذا ترمي، سواء نبطياً أو شعراً فصيحاً، اعتناء وصل إلى حد التفرد لما يختزنه من تجارب صاغها ألفاظاً كمنظومة عقد، حتى غدا سموه مالك الكلم وفارس الحرف، لم يفوت مناسبة أو خاطرة إلا وحوّلها إلى ملحمة شعرية يجسد بها الحالة الموصوفة حتى تتراءى لك صورة حية متجسدة لفظاً ومعنى.

* القصيدة بنود تؤسس للأخلاق النبيلة التي ألِفها سموه

* قامة حملت على عاتقها هموم الوطن ومسؤولياته الجسام

* تحمّل التعب لأجل شعبه وهذا لا نجده إلا في روايات الأولين

* سموه باسط يديه لكل من دق بابه.. ويُبادر بالعطاء في سباق الخير

* توريث الخصال الحميدة ميزة لا تندثر عند أهل الخير والكرم

*  يحق لمن تربى بمدرسة القيادة والفروسية أن يعتلي صهوة المجد

Email