من طالب التقى دورية على الشاطئ إلى قائد عام لشرطة دبي

المزينة يحل بحدْسه ألغاز أعقد الجرائم العالمية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن ذاك الطالب الجالس ليراجع ما عليه من واجبات مدرسية على شاطئ رأس خور دبي عام 1981، يعلم أنه سيكون يوماً قائداً ذا شأن كبير... طالب في مقتبل العمر، لعبت الصدفة دوراً كبيراً في دخوله إلى شرطة دبي، عندما التقى عريفاً يقوم بدورية تفقدية للاطمئنان على حال الناس واستتباب الأمن بالقرب من الشاطئ.

في الساعة الثانية صباحاً، كان الطالب يدرس برفقة زميله عبد الله المري، قرب مكتبة دبي للتوزيع بمحاذاة الشاطئ، فشاهدهما العريف -في ذاك الوقت- نور الرحمن أحمد محمد، ونزل لتفقدهما والاطمئنان عليهما، عندها فاجأه الطالب بسؤال «أين تعمل؟»، فجاء الرد «في المباحث الجنائية».

ووجه الطالب سؤالاً ثانياً للعريف: هل تلقون القبض على متعاطي «أبو قرون»، وكان هذا اسم يطلق على المشروبات الكحولية في ذلك الوقت، فرد العريف «نعم نحن ننفذ القانون»...، فعلق الطالب «إذن سأرشدك على متعاطين».

طوى الطالب كتبه واتجه إلى ناحية منطقة مظلمة بمحاذاة الشاطئ، تستخدم لتصليح «اللنشات»، ثم صعد إلى إحداها، فيما تبعه العريف بدورية الشرطة، وإذ به يفاجأ بهذا الطالب يمسك بأربعة أشخاص، ويطلب منهم النزول عن «اللنش»، وبحوزتهم مشروبات كحولية، ثم سلمهم إلى العريف، وعاد ليكمل دراسته.

كان هذا الطالب، هو المغفور له بإذن الله، الفريق خميس مطر المزينة، القائد العام لشرطة دبي، فبعد هذه الحادثة، توطدت علاقته بالعريف نور الرحمن أحمد محمد، الذي أعجب بحرصه على تطبيق القانون، وشخصيته، الأمر الذي زاد من تعرف «الطالب المزينة» على العمل الشرطي.

بداية المسيرة الأمنية

بعد عامين، وفي تاريخ 13 من يونيو عام 1983، انضم «الطالب المزينة» إلى شرطة دبي، وساعده العريف في عملية التسجيل، حيث بدأ مسيرة عمله في المباحث الجنائية، وعمل بجد واجتهاد، إلى أن صقل خبرات متراكمة، وأصبح يملك حدْساً أمنياً عالياً وفريداً من نوعه، استخدمه في حل قضية مقتل سوزان تميم، وجريمة النمر الوردي، وغيرها من الجرائم المعقدة.

يؤكد المشرفون على التحقيقات في قضية الجزار، أن أوراق القضية الغريبة من نوعها، عُرضت على الفريق المزينة، رحمه الله، وطالع كافة معطياتها، ثم أبلغهم أن طريقة القطع تدل على خبرة واحتراف في استخدام السكين، وأن الفاعل قطعاً سيكون من العاملين في مهنة «الجزارة»، وأن عليهم التأكد من تورط العاملين في الجزارة، وبالفعل، جاء حدس القائد في مكانه «القاتل كان جزاراً».

«الحدس الأمني» لدى المغفور له بإذن الله، الفريق المزينة، تشهد له إنجازاته المتنوعة في قضايا كبرى، ويشهد له كافة العاملين معه، والتي سجلتها الذاكرة الشرطية على مر سنوات عمله البالغة 33 عاماً.

سوزان تميم

لعب حدس الفريق المزينة، دوراً كبيراً في كشف قضايا كبرى، كالقضية الشهيرة المتعلقة بمقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم في إمارة دبي، والتي حاول القاتل إخفاء وجهه عن كاميرات المراقبة، عن طريق ارتداء «كاب» على رأسه..

كان حدس الفريق المزينة عميقاً جداً في هذه القضية، فقد لفت نظره ماركة «الكاب»، وأبلغ فريق التحقيق، أن هناك محال معدودة في دبي تبيع هذه النوع من الماركات، فتم مراجعة المحال، وكان كلام الفريق المزينة في مكانه، فالقاتل كان قد اشترى «الكاب» من أحدها، عن طريق بطاقة ائتمانية ساهمت في دعم القضية وكشف هويته.

سباق مع الزمن

ومن قضايا القتل التي كان لحدس الفريق المزينة، رحمه الله، دور هام في كشف تفاصيلها، ففي قضية مقتل رجل أعمال هندي في النادي الهندي، حيث توجه، رحمه الله، إلى مسرح الجريمة، واطلع عن قرب على كيفية ارتكابها، ثم أبلغ فريق التحقيق أن طريقة التنفيذ تعود بلا شك إلى أشخاص قادمين من خارج الدولة، ولا بد أنهم حضروا بطريقة غير شرعية، وسيحاولون الهرب بالطريقة ذاتها.

شكل، رحمه الله، فريق عمل، وشرعوا في عملية البحث والتحري، وبالفعل كان حدسه في مكانه، فقد تمكنوا من إلقاء القبض على مرتكبي الجريمة قبل محاولة هربهم بساعة عن طريق البحر، وأطلق على القضية وقتها اسم «سباق مع الزمن».

مشتل الضياع

ومن القضايا اللافتة والغريبة التي تابع تفاصيلها الفريق المزينة، ووجه بكيفية الكشف عنها والقبض على مرتكبها، قضية «مشتل الضياع»، حيث كان يقوم المجرم بزراعة شتلات الماريغوانا في مقر سكنه، ثم يستخرج منها المواد المخدرة، بقصد تعاطيها وترويجها وبيعها لأشخاص آخرين.

وقد قام المجرم بتوزيع زراعة وتصنيع سمومه على طابقي الفيلا، ففي الطابق الأرضي، كان يزرع الماريغوانا في غرفة لها بابان، تحتوي على ثلاث حُجيرات مقطعة بواسطة ألواح فلينية، ومجهزة بطريقة احترافية من أجل زراعة الماريغوانا، وفي الطابق العلوي، خصص حجرة فلينية موصولة بمضخات هوائية، تعمل على تجفيف كميات الماريغوانا التي كان يقوم بحصدها.

قضايا محال الصرافة

ولعب الحدس الأمني للفريق المزينة، دوراً كبيراً في الكشف عن تفاصيل مقتل المراسل الصيني مؤخراً في مصعد بناية، عندما أبلغ فريق التحقيق بالبحث والتحري في الأماكن القريبة من البناية، عن دلائل حول القضية، ليتم العثور في البناية المجاورة على الحقيبة والأداة المستخدمة في الجريمة، ثم القبض على الفاعل.

وفي سجل حدس الفريق المزينة الكبير، قضية «صرافة الارتباط»، والتي انتهت إلى كشف تورط محل الصرافة في جرائم غسل أموال، ناجمة عن بيع مخدرات على مستوى دولي، حيث كانت سيارة محل الصرافة، قد تعرضت إلى عملية سطو وسرقة 12 مليون دولار منها.

أحضر أفراد الشرطة الأموال والمتهمين إلى المباحث بعد القبض عليهم، وكان الفريق المزينة وقتها برتبة مُقدم، وكانت الأموال أمامه، فأخذ يقلب أوراقها، فلاحظ خروج غبار من داخلها، عندها، أبلغ زملاءه أن محل الصرافة بلا شك متورط في جرائم غسيل الأموال.

حولت المباحث الأوراق النقدية إلى المختبر الجنائي، وتبين بعد فحصها، أن الغبار عائد إلى مادة الهيروين المخدرة، وكشفت التحقيقات في ما بعد، أن محل الصرافة مجرد واجهة لنقل وغسيل أموال ناجمة عن بيع المخدرات، فتم تحريز المبالغ، وإغلاق المحل نهائياً.

في تسعينيات القرن المنصرم، وأثناء تولي الفريق المزينة مهامه مديراً للتحريات في شرطة دبي، وقعت جريمة السطو على محل رمس للصرافة، وسرقت 10 ملايين درهم منه، فتوجه إلى مسرح الجريمة، وعبر مطالعته للمكان، أعطى أمراً فورياً لجميع الدوريات، بإيقاف السيارات الخارجة من دبي، وتفتيش كل أفريقي يجدونه فيها.

كان حدس الفريق المزينة بأن منفذي الجريمة من الأفارقة، وأنهم سيحاولون الهروب من مدينة دبي، والابتعاد عن مسرح الجريمة، وما هي إلا دقائق بعد توجيه الأمر، حتى أوقف أحد رقباء السير، سيارة أجرة فيها رجل أفريقي، وعند قيامه بتفتيشه، عثر بحوزته على حقيبة أموال، تبين أنها عائدة إلى محل الصرافة، وبالتحقيق معه، كشف هوية باقي المتورطين، وألقي القبض عليهم.

الباب الخلفي

ولعب الحدس الأمني العالي للفريق المزينة، رحمه الله، في كشف جريمة اغتيال رجل أعمال تركي في الإمارة داخل مواقف سيارات، عندما تنبه إلى أن كاميرات المراقبة لم تلتقط صوراً لمتورط يدخل إلى البناية من الباب الرئيس، فأبلغ فريق التحقيق، أن هناك باباً آخر استخدمه لدخول المتورطين.

كان الحدس في مكانه، فقد انتهت التحقيقات إلى دخول الفاعلين إلى البناية من باب خلفي، بمساعدة رجل استأجر شقة، وحصل من المالك على بطاقة تخوله الدخول من الباب المغلق دائماً، وبالتالي، فقد كان دخولهم بعيداً عن أعين كاميرات المراقبة، فتم القبض على الرجل، وألقي القبض على منفذي الجريمة عن طريق الإنتربول لاحقاً.

إنجازات كبيرة، وقصص نجاح ساهمت في تعزيز الشعور بالأمن والأمان، سطرها الفقيد المزينة خلال مسيرة عطائه، ويعجز تقرير عن كتابتها لرجل تمتع بحدس أمني عالٍ، وساهم في خدمة وطنه، وتعزيز الأمن والأمان لكل مواطن ومقيم وزائر.

Email