في محاضرة شهدها حامد بن زايد

مجلس محمد بن زايد يستشرف مستقبل الحوكمة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نظم مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بحضور سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، محاضرة في قصر البطين بأبوظبي أمس بعنوان «استشراف المستقبل ومستقبل الحوكمة»، تحدث فيها بيتر هو هاك إيان مستشار أول مركز المستقبل الاستراتيجي في سنغافورة، وشهد المحاضرة عدد من الشيوخ وكبار المسؤولين والشخصيات وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الدولة.

عالم معقد

وأكد المحاضر أننا نعيش في عالم معقد وتسوده العولمة لذلك سنظل دائماً نواجه مفاجآت، مشيراً إلى أن عدم قدرتنا على التنبؤ بهذه المفاجآت يعود إلى تحيزاتنا الإدراكية والحوكمة الجيدة في عالمنا تتطلب اكتساب القدرة على استشراف المستقبل وليس التنبؤ، إضافة إلى استخدام أدوات مثل تخطيط السيناريوهات وتقييم المخاطر واستكشاف الآفاق، ولمعالجة المشكلات المستعصية الناجمة عن التعقيد لا بد من اتباع نهج يشمل جميع أركان الحكومة والاستعداد لخوض التجارب وإدارة المخاطر.

وأوضح أنه من بين التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومات هي المفاجآت ومثل البلدان الأخرى واجهت سنغافورة الكثير من الصعوبات مثل أزمة 1997 وهجوم القاعدة على الولايات المتحدة في 10 سبتمبر 2001 وفيروس سارس الذي ضرب سنغافورة وأدى إلى حدوث انتكاسة اقتصادية والأزمة المالية العالمية في عامي 2008 -2009، والآن نواجه نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، لافتاً إلى أن هذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض وتواتر مثل هذه الصدمات الاستراتيجية والتداعيات تعتبر الأسوأ لأي حكومة.

وذكر المحاضر أن الكاتب نيوكولاس نسيم له وصف شهير للمفاجآت التي يصعب التنبؤ بها والتي تؤدي إلى تداعيات هائلة، حيث يسميها «البجعة السوداء» ومن الأمثلة على مفاجآت البجعة السوداء: هجمات 11 سبتمبر، وانهيار ليمان برذرز الذي شكّل بداية الأزمة المالية العالمية وهناك أنواع أخرى من المفاجآت التي تصدمنا باستمرار وكثير منها ناشئ عن تحيزاتنا الإدراكية.

وأضاف أن الصدمات والمفاجآت «اليوم» أصبحت تأتي بشكل أسرع وبوتيرة أكثر تكراراً نظراً لأن عالمنا متصل جداً ومعقد للغاية وطبيعة العالم المعقدة تزيد من صعوبة التنبؤ بما سيحدث لأن غالبية السلوك الذي تتمّ ملاحظته في الأنظمة المعقدة هو سلوك عرضي وغير متوقع، وبالتالي يصعب علينا إيجاد طريقنا في مثل هذا العالم، ومن المفيد أن نكون مجهزين بالأدوات الملائمة والعقلية المناسبة كي نتمكن من النجاة ومواجهة المفاجآت على النحو الأمثل.

عالم مترابط

ونوه بأن أحد الفلاسفة الصينيين قال منذ آلاف السنين إننا نعيش في عالم مترابط ومتواصل مع بعضه البعض والأحداث التي تجري في جزء من العالم تؤثر حتماً على الأجزاء الأخرى والإعصار الذي يمكن أن يصيب البرازيل على سبيل المثال يمكن أن تتأثر به تكساس، مشيراً إلى أن الفيلسوف الدنماركي سولن قال إننا يجب أن ننظر إلى الماضي لمقاربة الأسباب التي تقف وراء أحداث معينة لأننا ننظر دائماً إلى الوراء وتكون الأحداث خلف الأفق وتفاجئنا عندما لا نتوقعها.

وبين أنه في الفترة الأخيرة تفاجأنا بأن الحكومة البريطانية لم تعد خطط طوارئ للخروج من الاتحاد الأوروبي وكذلك الجيش البريطاني لم يعد أية خطط طوارئ، موضحاً أن توجه العقل الإنساني هو الاستخفاف بالأزمات المفاجئة والأحداث والتردد إلى حين وصول هذه الأحداث إلى أزمات، وهنا يتحرك المسؤولون.

وقال إيان إنه ليس من الممكن أن نتوقع المستقبل وإن كان باستطاعتنا أن نفعل ذلك لما كان هناك عاطلون عن العمل ولكن رغبتنا هي الحد من تواتر الأزمات، وفي سنغافورة نسمي ذلك «استشراف المستقبل والتفكير المستقبلي» وهذا يساعد معدي الاستراتيجيات على وضع السياسات وتحويل الجوانب السلبية إلى إيجابية، ويجب تحديد المستقبل قبل التنبؤ به.

التعامل مع المشاكل

وأكد أن العالم أصبح معقداً إلى درجة أن كل الأمور تتداخل ويمكن التحكم بها بطريقة مركزية وهذا يعني أنه لا توجد هيئة واحدة تتعاطى مع كل المشاكل وفي عالم اليوم لا بد من المحتم أن تدمج العديد من الجهات للتعامل مع المشاكل برمتها، وفي سنغافورة نسمي ذلك مقاربة الحكومة أو«الحكومة المتشابكة»، مبيناً أنه على الحكومة أن تذكر كل من يعمل لديها أن التعامل على مستوى القطاعات أولوية بدلاً من التعامل مع كل قطاع بمفرده وتم العمل بهذا النظام في التخطيط العمراني بسنغافورة والذي بحاجة إلى تعاون كل الجهات والتشاور مع المعنيين في القطاع الخاص والرأي العام.

وأشار المحاضر إلى أن ثمة العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها لمساعدة الحكومات في إيجاد طريقها في عالمنا المعقد، وإحدى هذه الطرق هو استشراف المستقبل وإحدى أدوات استشراف المستقبل التي نستخدمها في سنغافورة هي تخطيط السيناريوهات وتساعد السيناريوهات على توضيح الأوضاع المستقبلية المحتملة، ولكنها ليست نوعاً من التنبؤ بل هي بمثابة أداة للتفكير في الأوضاع غير المحتملة ولحض صانعي السياسات على التفكير خارج النطاق المريح المعهود وتحدي أساليبهم المعتادة في التفكير، وتعدّ عملية وضع السيناريوهات تمريناً مفيداً يساعد المسؤولين في المعاينة الدقيقة للقوى التي ستؤثر علينا وكيف أن تفاعل هذه القوى يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة جداً.

وقال إن تخطيط السيناريوهات وحده غير كافٍ لمساعدتنا على التعامل مع عالمنا المعقد والسريع التغير، لذا فنحن نستخدم أدوات أخرى لاستشراف المستقبل من أجل التعامل مع المخاوف المباشرة أو المتوسطة الأجل. وتشمل هذه الأدوات استكشاف الآفاق، والتخطيط المستقبلي القائم على التصور العكسي، ومؤشرات المراحل المستقبلية المختلفة وغيرها، مشيراً إلى أن هناك منصّات يمكنها أن تدعم هذه الجهود مثل الأدوات الرقمية لاستكشاف الآفاق وفي حين أن استشراف المستقبل قد لا يمكننا من الحد من المفاجآت إلا أننا نعتقد بأنه يساعد على الحد من تأثيراتها عند حدوثها.

وأشار المحاضر إلى أن عملية المراجعة الدورية للتخطيط سمحت لبلاده بأن تكون خططها مرنة وتتعامل مع النهج الذي يشمل كافة أركان الحكومة لأنك تحمي كل المصالح الوطنية ولا بد من التفكير ملياً في كافة الاستراتيجيات لأن السيناريوهات الطبيعية تساعد أعضاء الحكومة على توجيه كل ما يرونه للمصلحة العامة.

المستقبل المعقد

وأوضح أن المستقبل المعقد يمهد السبيل لوقوع مشكلات معقدة، يسميها البعض مشكلات عويصة أو مستعصية لعدم وجود حلّ واضح لها ولأنها تتطلب تضافر الكثير من المعنيين من أجل حلها ومن الأمثلة على هذه المشكلات العويصة التغير المناخي، والشيخوخة، والتلوث، وللتعامل مع هذه المشكلات يجب اتباع منهج يبدأ على مستوى الأنظمة نفسها ومن الضروري توافر قدرات عالية على استشراف المستقبل ففي سنغافورة تتعامل الحكومة مع مثل هذه المشكلات بأسلوب يشمل كافة أركان الحكومة ورغم أن التنظير أسهل من التنفيذ، إلا أن ذلك ممكن وقد نجحت سنغافورة بالفعل في تنفيذه في العديد من الحالات، مثل التعامل مع مشكلات التخطيط العمراني والمواصلات في البلاد.

أسئلة الحضور

وفي رده على أسئلة الحضور قال إن الحكومات سوف تقضي وقتاً أطول في عملية التشاورية مع القطاع الخاص والتعاون من أجل الوصول إلى قرارات صائبة للمصلحة العامة لأنه ليس هناك احتكار للحكمة والكثير من معارف القطاع الخاص ولدى الأفراد يمكن أن تكون بنفس القدرة لفائدة الحكومة لذا يجب على الحكومات أن تعطي وقتاً أطول للقطاع الخاص والأفراد وعليها أن تطور القدرات من أجل استشراف المستقبل والتفكير المستقبلي وأن تكون لديها القدرة على التعامل بنهج يشمل جميع أركانها.

وأشار إلى أن التخطيط بالسيناريوهات اتبعته بلاده في وزارة الدفاع لأنها كانت تعمل في برامج ومشاريع كبرى تتعلق بشراء سفن وطائرات كبيرة والتي تستمر لسنوات طويلة رغم علمنا بأن التكنولوجيا والبيئة الاستراتيجية سوف تتغير إلا أننا حاولنا أن نحق الاستفادة القصوى من تلك الأجهزة من خلال التخطيط حسب السيناريوهات وبعدها فكرت الحكومة في التخطيط على المستوى الوطني في العام 1990 وحالياً نقوم بإعداد سيناريوهات وطنية لم ننته منها بعد.

وأكد أن التخطيط حسب السيناريوهات يكون ناجحاً على المستوى الوطني في الجهات المستعدة للنجاح وعندما خططنا بالسيناريوهات في المرة الأولى لم يكن ناجحاً لرفضه من قبل صناعي التخطيط والسياسات ووجدنا أنه لا بد من تحقيق توازن بين صناع السياسات.

مقولة زايد

اقتبس بيتر إيان مقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، طيب الله ثراه، «إن التغيير يأتي من وقت لآخر والصديق قد يصبح عدواً والعدو قد يصبح صديقاً والحياة مستمرة التغيير ولا بد أن نكون مستعدين للتغيرات التي قد تأتي في طريقنا».

وقال بيتر إيان إن التحدي الدائم الذي تواجهه الحكومات يتسم بطابع المفاجأة وكما هي الحال مع غالبية الدول، واجهت سنغافورة الكثير من المفاجآت، والتي تأتي بأشكال عديدة وسبق أن توقّع الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ضرورة أن تستعد الإمارات لمواجهة تغيرات مفاجئة في طريقها وكذلك الأمر بالنسبة لسنغافورة، فقد قال رئيس وزرائها المؤسس الراحل لي كوان يو: «إن الماضي لم يكن مقدَّراً علينا، وكذلك المستقبل وكما واجهنا الكثير من المشكلات في الماضي، فأمامنا الكثير من المشكلات غير المتوقعة في المستقبل».

ثورة صناعية

أشاد بيتر إيان بالخطوات التي قطعتها الإمارات من أجل إعداد مقاربة تناسب الثورة الصناعية الرابعة، وقال: «لا بد أن نفهم أن يكون هناك عدم يقين في المستقبل ولكن السبيل للمضي قدماً نحو المستقبل إجراء تجارب وتفادي أن تقف الخطط القديمة أمام الخطط المستقبلية». وأوضح أن الكثير من هذه التجارب سوف تنجح وهناك البعض قد يفشل ولكن يجب ألا يردعكم ذلك عن المضي نحو المستقبل وعلى الحكومة أن تشرك الناس في قراراتها وهذا الخيار الوحيد أمامهم، وفي سنغافورة تم إشراك القطاع الخاص ونفعل ذلك من ثمانينات القرن الماضي والحكومة مستعدة إلى مراجعة السياسات إذا وجدت حاجة لذلك.

Email