مطالبة بوضع معايير موحدة في الإمارات لخدمة هذه الفئة

بيئة صديقــة للمعاقــين.. مشاريـع نُفّذت وتحديات في الانتظار

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أولت الإمارات الأشخاص ذوي الإعاقة كثيراً من الاهتمام والحقوق التي وفَّرتها من خلال التشريعات التي تكفل حقوقهم، فضلاً عن التوعية المجتمعية بما يستحقونه من رعاية، وصولاً لتيسير كافة الخدمات التي يحتاجونها، والتي تناسب مختلف إعاقتهم، وتوفير متطلباتهم عبر تدريب مقدمي الخدمات لهم للتعامل معهم بحرفية ولياقة، ومع انتشار ثقافة البيئات الصديقة لذوي الإعاقة والتي تبنَّتها الحكومة الإماراتية عبر كثير من المشاريع للارتقاء بالخدمات المقدمة، كان لزاماً أن تكون هذه المعايير الخدمية تجمعها مظلة واحدة، بدلاً من أن يكون لكل جهة معاييرها، التي ربما لا تكون بالشكل نفسه المقدم من قبل جهة أخرى.

وانطلاقاً من ذلك، فقد حاولت «البيان» أن تقف أمام أهم التحديات التي تشهدها مختلف وزارات ومؤسسات الدولة الاتحادية والمحلية التي تعمل جميعها من خلال معايير عالية ومتقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيما على مستوى التنظيم فيما بينها الذي يبدو ضرورياً للارتقاء بدرجة تنفيذها، وصولاً إلى المستوى العالمي، خاصة فيما يخص الإنشاءات والبنية التحتية التي توفرها الجهات الموكول لها ذلك.

دمج مجتمعي

وفي هذا الاتجاه أوضحت وفاء حمد بن سليمان مدير إدارة رعاية وتأهيل المعاقين في وزارة تنمية المجتمع، أن الوزارة أولت البيئة الملائمة لذوي الإعاقة عناية فائقة لأهمية ذلك في دمجهم مجتمعياً، حيث إن وجود بيئة مؤهلة مطلب أساسي من مطالب الدمج في بيئة العمل والدمج الاجتماعي والاقتصادي والتربوي وغير ذلك من أوجه الدمج المختلفة، لافتة إلى أن القانون الاتحادي 29 لعام 2006 طالب الهيئات والمؤسسات المختلفة في الدولة بتوفير البيئة المؤهلة في كافة الأماكن العامة والعمل ووسائل المواصلات، والأمر نفسه في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي وقَّعتها الدولة وصادقت عليها، حيث أفردت موادَّ متعددة في هذه الاتفاقية لموضوع البيئة المؤهلة.

أنشطة يومية

وأفادت بأن التسوق والتجوال في مراكز التسوق والشوارع والدخول إلى الأبنية العامة واستخدام وسائل النقل والتنزه في أماكن الترفيه والحدائق وزيارة المتاحف أو الدراسة في المدارس والجامعات، هي من الأنشطة التي يقوم بها معظمنا بشكل يومي، وقد لا ننتبه إلى الكثير من العوائق في مثل هذه الأماكن مثل المنعطفات والعتبات المرتفعة والدرج والممرات الضيقة والمصاعد، التي لا تحتوي على أي إشارة عدا الأرقام في لوحة المفاتيح والمداخل الضيقة أمام بعض الأبنية أو المدارس أو الأبواب الدوارة الضيقة أو السريعة في مراكز التسوق والفنادق، وهذه العوائق تشكل تحدياً خاصاً للأشخاص ذوي الإعاقة وتحد من حقهم في ممارسة أنشطة الحياة اليومية مثلهم مثل أفراد المجتمع الآخرين.

خدمات قاصرة

وأبانت أنه نادراً ما نفكر في كيفية ملاءمة الإعلانات الشفهية في المطارات ومحطات النقل الجماعي، لفاقدي أو ضعيفي السمع أو أهمية وجود الإشارات الضوئية الخاصة بالمشاة أو اللوحات الإرشادية التي توجههم نحو مكان معين وكيف ينتبه لها ضعيف أو فاقد البصر، لافتة إلى أن التطبيق والتنفيذ العملي لتلك المتطلبات هو النجاح الحقيقي.

غير قياسية

وذكرت بن سليمان أنه قد لا نعتبر درجة سلم ارتفاعها (10 سم) عائقاً، ولكن بالنسبة للمعاق حركياً تشكل هذه الدرجة أمام الأبواب عائقاً وتحدياً خاصاً عليه التفكير في كيفية اجتيازها أو عليه طلب المساعدة من الآخرين، وفيما يخص الأبنية والأماكن العامة والحدائق والمسارح والمطارات ووسائل النقل العام أو في نظام المعلومات، قد تشكل المواصفات غير القياسية عوائق حقيقية لذوي الإعاقة إذا لم نأخذ بعين الاعتبار الحاجات الخاصة لهم عند تصميم هذه الأبنية والأماكن العامة.

وأوضحت أن هناك حوالي خمسين دولة في العالم تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الخاصة لذوي الإعاقة في جميع الأبنية العامة ووسائل النقل، وبعض هذه الدول قد قطعت شوطاً كبيراً في مجال توفير البيئة المؤهلة، والبعض الآخر ما زال في البدايات، وهناك دول يقتصر الأمر على الجانب التشريعي فقط ولم يصل إلى حد التطبيق العملي.

مشروع رائد

وأوضح عبدالله الشيباني الأمين العام للمجلس التنفيذي لإمارة دبي أنه انطلاقاً من الاهتمام التي توليه حكومة دبي لهذه الشريحة المجتمعية المهمة، فقد أطلقت مشروع «البيئة المؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة» بناء على معايير ومبادئ التصميم العالمي، والذي ينفذ كمشروع مشترك بين كل من الأمانة العامة للمجلس التنفيذي وهيئة تنمية المجتمع وهيئة الطرق والمواصلات وبلدية دبي، بالإضافة إلى عدد من المطورين العقاريين، وذلك بهدف تحويل مدينة دبي بالكامل إلى مدينة صديقة ومؤهلة للأشخاص.

وأشار إلى أن المشروع يعد أحد المخرجات الرئيسة لاستراتيجية دبي للإعاقة 2020، حيث يهدف لتحويل دبي لمدينة صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة بحلول العام 2020، مبيناً أن استراتيجية دبي تتضمن عدداً من المحاور، تشمل الرعاية الصحية وإعادة التأهيل، وتوفير التعليم الدامج، والتوظيف والمساواة في فرص العمل، والمرافق والخدمات العامة لتكون الإمارة مدينة متاحة للجميع، بالإضافة إلى الحماية الاجتماعية المستدامة.

مراجعة شاملة

وقال إن المشروع يبدأ بمرحلة شاملة لمراجعة وتقييم البنى التحتية والمرافق ووسائل المواصلات العامة في الإمارة، ومن ثم وضع السياسات والمعايير اللازمة لملاءمتها بشكل كامل استناداً إلى النموذج العالمي للتصميم، لافتاً إلى أن هناك خطة خمسية لضمان تحويل جميع المباني والمرافق ووسائل النقل من أرصفة ومعابر مشاة وطرق وحافلات وقطارات ووسائل النقل البحري والجوي والمرافق مهيأة لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة بحلول العام 2020 بما يتيح وضع دبي ضمن قائمة أفضل مدن العالم الصديقة لذوي الإعاقة، حسب معايير التصميم العالمي، ووضع صياغة لمعايير التصميم وفق الرمز الخاص بإمارة دبي.

 

تقييم دقيق للخروج بمعايير لائقة

أكد عبدالله الشيباني أن هناك تقييماً للوضع الراهن، والنظر في كيفية الخروج بمعايير لائقة، ثم مرحلة تحديث القوانين واللوائح وإعداد دليل شامل للمعايير القياسية الخاصة بدبي، بالإضافة إلى مرحلة تحويل وتأهيل المباني والمرافق، يليها عمل برنامج تدريبي لتطبيق هذه المعايير يستهدف المهندسين والفنيين في أعمال التصميم للمباني، واختيار 4 مشاريع نموذجية لمواقع مختارة للتدقيق لتحديد الفجوات والأخطاء التصميمية لتلافيها مستقبلًا.

وأكد الشيباني أن هذا المجهود الذي تقوم به الإمارة للوصول لأفضل المعايير العالمية، متاح لجميع الهيئات الاتحادية والحكومات المحلية، للاستعانة بها وتطبيقها بمشاريعهم، وأن هناك تنسيقاً متواصلاً مع الجميع لإفادة شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة في كل مكان بالإمارات، وتقديم أفضل الخدمات لهم.

طريقة التنفيذ

من جهته أفاد الدكتور حسين مسيح خبير شؤون الرعاية الاجتماعية في هيئة تنمية المجتمع بدبي، بأن معايير الأشخاص ذوي الإعاقة على مستوى العالم بشكل عام تعتبر مشتركة، لكن طريقة تنفيذها تعد الرهان الذي على أساسه يتم الحكم في جودة أي خدمة مقدمة لهم، مدللاً على كلامه بمعيار (سهولة الاستخدام للمرافق)، إذاً كل المعايير العالمية تنص عليه، لكن ماهية السهولة ودرجتها ومناسبتها لكافة الإعاقات هي ما نبحث عنه لتطبيقه.

تعاون دولي

وأقر بأن هيئة تنمية المجتمع وشركاءها الآخرين من المؤسسات المعنية في حكومة دبي، يتواصلون مع أكثر من 10 دول عالمية لأخذ أفضل المعايير والتصاميم لتطبيقها على مرافق الإمارة ووضع كود خاص لدبي يتيح لها المنافسة عالمياً في هذا السياق، موضحاً أن كل المؤسسات والجهات في الإمارات تقوم بتنفيذ تلك المعايير، لكن قد يحدث اختلاف في درجة مواصفة جزئية معينة في مبنى ما، وقد تتسبب في إشكالية هندسية، مثل ما نراه من اقتراب أماكن الوضوء في المساجد من مدخل صعود كراسي ذوي الإعاقة، وتواجد الكثير من الأحذية التي تعوق حركة هؤلاء الأشخاص.

تنسيق كبير

وأبان أن هناك تواصلاً وتنسيقاً كبيراً بين كافة المعنيين بمشروع البيئة المؤهلة للأشخاص ذوي الإعاقة في دبي وبين وزارة تطوير البنية التحتية المسؤولة عن تصميم وتسليم المباني، كونها شريكاً رئيسياً والعمل ضمن فريق واحد على مستوى الإمارات خاصة فيما يخص المشاريع التي تخص إمارة دبي مثل المدارس والأبنية وغيرها، بحيث يكون هناك معيار موحد وملزم للجميع يعملون تحت مظلته، ويهدف لوضع منظومة ثابتة لكل خدمة يستفيد منها ذوو الإعاقة.

خدمة راقية

وقالت عائشة ميران مساعد الأمين العام لقطاع الإدارة الاستراتيجية والحوكمة في الأمانة العامة للمجلس التنفيذي لإمارة دبي، إن المجهودات التي تقوم بها الإمارة لوضع كود خاص بمستوى عالمي فيما يخص معايير الأشخاص ذوي الإعاقة، هي نتيجة لعمل دائم وفرق عمل تعمل من خلال منظومة متكاملة بالإمارة لتكريس هذه المعايير كمواصفات قياسية يجب أن تلتزم بها كل المؤسسات والمرافق في الإمارة، من أجل تقديم خدمة راقية تتيح اندماجاً سهلاً لهذه الشريحة المجتمعية، وخدمة راقية تساعدهم على قضاء احتياجاتهم بسهولة، فضلاً عن استمتاعهم بحياتهم الطبيعية دونما عوائق.

وأشارت إلى أن أي تجربة ناجحة في الإمارات، متاحة لأي جهة ترغب بتطبيقها، وهو ما تسعى إليه دبي من خلال مشروعها الخاص بتكريسها مدينة صديقة للبيئة.

مستوى مطلوب

من ناحيته أفاد ماجد العصيمي عضو اللجنة العليا لحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بأن المؤسسات في الإمارات تجتهد لتطبيق معايير الخدمات الخاصة بذوي الإعاقة، لكن بعضها لا يرقى للمستوى المطلوب، ولا يلتزم بوجود مواصفات قياسية صحيحة عند التطبيق لها، مرجعاً ذلك لعدم وجود قانون ملزم لهذه المؤسسات يتابع ما تقوم به بشكل صحيح ومطابق للمواصفات.

هيئة اتحادية

وطالب العصيمي وزارة تنمية المجتمع، لكونها المسؤولة عن ذوي الإعاقة بالدولة، بتكريس برامجها وأهدافها لخدمة هذه الشريحة بشكل أكبر والتواصل معهم بشكل مباشر للاطلاع على طلباتهم، مطالباً بوجود جهة عليا على مستوى الدولة، أو مجلس وهيئة ما، تكون مسؤولة بشكل خاص عن شؤون هذه الشريحة على مستوى الدولة، ويكون من حقها التواصل مع كافة مؤسسات الدولة لعرض قضاياهم، وعمل قاعدة بيان لهم، ويكون من شأنها تشريع قوانينهم، وتطوير خدماتهم، وتقليل أي سلبيات موجودة.

Email