في محاضرة شهدها محمد بن زايد تناولت «علم الدافعية الجديد في المؤسسات»

دانيال بينك: «عام القراءة» تجربة إماراتية رائدة عالمياً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في مجلس سموه الرمضاني أمس محاضرة بعنوان «علم الدافعية الجديد في المؤسسات» ألقاها المحاضر دانيال بينك الكاتب الرئيسي لخطابات نائب الرئيس الأميركي آل جور بين العامين 1975- 1997 وذلك في إطار برنامج المحاضرات والأمسيات الفكرية الرمضانية التي ينظمها مجلس صاحب السمو ولي عهد أبوظبي بقصر البطين بأبوظبي.

وأشاد المحاضر بتجربة دولة الإمارات المتميزة بتخصيص عام للقراءة والذي يعتمد على تحفيز الناس على القراءة بتوفير الكتاب في أماكن عديدة، وتقديم مبادرات من شأنها تحقيق ذلك سواء في المدرسة أو المكتبات العامة والمؤسسات الحكومية وغيرها، داعياً دول العالم إلى أن تحذو حذو الإمارات والاقتداء بها ويكون لديها عام للقراءة، كما أشاد بمعدلات الإنتاجية المرتفعة في الإمارات والتي تعد الأولى في المنطقة في هذا المؤشر.

حضر المحاضرة معالي الدكتورة أمل عبدالله القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين والشخصيات العامة وممثلون عن بعض السفارات في الدولة.

وتقدم المحاضر بالشكر إلى صاحب السمو ولي عهد أبوظبي على استضافته في مجلسه العامر، وأعرب عن تشرفه بأن يكون في أبوظبي خلال شهر رمضان الكريم.

تحفيز الأفراد

وتناول المحاضر أحد أهم مفاهيم القيادة وهي القدرة على تحفيز الأفراد وفرق العمل في المؤسسات، مستعرضاً ما قدمه العلم وبحوث العلماء والخبراء في مجال علم الإدارة على مدار 50 عاماً، والتي كانت تدور حول تحفيز الناس وما الذي يحفزهم في مجالات علمهم لكي يكون الأداء أفضل.

واستهل دانيال بينك محاضرته قائلاً إنه وراء كل قرار تتخذه المؤسسة يكون السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يبث الدافعية في نفوس الموظفين فيجعلهم يبذلون أقصى طاقاتهم في العمل ويؤدون بشكل أفضل ويزيدون من إنتاجيتهم، مشيراً إلى أنه خلال العقود الماضية كانت الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على الحدس والبديهة أما اليوم فقد أصبح بإمكانهم الإجابة عنه اعتماداً على العلم مستفيدين في ذلك من البحوث التي أجريت على أسرار آليات الدافعية البشرية طيلة الخمسين عاماً الماضية.

المهام البسيطة والمعقدة

وأضاف أن نتائج هذه البحوث معقدة ولكن ثمة فكرة واحدة محورية فلقد أخبرتنا العلوم السياسية على مدار الخمسين عاماً الماضية بأن الشكل الأساسي للدافعية في معظم المؤسسات فعال للغاية من أجل إنجاز مهام العمل البسيطة والقصيرة المدى، وأن خلاصة ذلك هي أنه إذا فعلت كذا فستحصل على كذا ولكن مثل هذه الحوافز ليست فعالة بالنسبة للمهام المعقدة الكبيرة ذات الأهمية في المؤسسات والمنظمات ذات النظرة المستقبلية البعيدة المدى.

وأشار بينك إلى أن العلم ينبئنا بكيفية بناء مؤسسات أكثر قدرة على تحفيز موظفيها في الاقتصادات التي يتم فيها تعهيد وأتمتة المهام الحسابية البسيطة بحيث يكون العلم القائم على الأفكار المبتكرة هو مصدر الأفضلية التنافسية.

ما بعد النفط

وأضاف المحاضر أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة سبق أن تحدث عن عالم ما بعد النفط عندما قال «إذا كان استثمارنا اليوم صحيحاً فسنحتفل بتصدير آخر برميل نفط بعد 50 سنة» وذلك تأكيداً على أهمية الاستثمار الصحيح في الإنسان وقدرته على العطاء والإنتاجية والإبداع والابتكار.

وتطرف المحاضر بينك إلى ما يسمى بالمعرفة العلنية والمعرفة غير العلنية، مشيراً إلى أن المعرفة العلنية هي أن يعرف الشخص معلومات ما وغير العلنية أن تكون لديه معرفة ببعض الأشياء ولكن لا يعرف أنه يعرفها.

وأوضح أن المعرفة المرتبطة بعملية التحفيز هي معرفة غير علنية، لأننا عندما نكافئ شخصاً أو موظفاً في مجال عمله نحصل على إنتاجية أفضل والعكس يحدث عندما نعاقبه فإننا نحصل على إنتاجية أقل.

مكافأة السلوك

وأضاف أن علماء علم الاجتماع ولأكثر من خمسين عاما ًاختبروا النظريات المتعلقة بالدافعية وتوصلوا إلى نتائج مهمة وهي أننا عندما نكافئ السلوك نحصل على نتائج أفضل وعندما نعاقب السلوك نحصل على نتائج أقل، وكذلك الأمر يحدث في محيط الأسرة والعمل والمؤسسات الحكومية ولكن هناك بالطبع هامشاً من الخطأ عند قياس نتائج ذلك.

وقال إنه بتكثيف فهم التحفيز سنخرج بفكرة واحدة وهي التي ركزت عليها أبحاث علماء الاجتماع، ومن واقع تجربة قام بها أربعة علماء اقتصاد من أميركا الشمالية في بلادهم وفي جنوب آسيا حيث قسموا المشاركين في البحث إلى ثلاثة فرق عمل أشاروا للفريق الأول إلى أنهم لو قاموا بأفضل أداء فسيحصلون على بعض المال وقالوا للفريق الثاني إذا قاموا بأفضل أداء فسيحصلون على مال أكبر ووعدوا الفريق الثالث بمال 10 أضعاف ما سيحصل عليه الفريق الثاني، وهذا يعني تلقائياً أن الفريق الثالث سيحقق أفضل أداء بين الفرق الثلاثة وبالفعل حقق الفريق الثاني أداء أفضل من الفريق الأول والثالث حقق أداء أفضل من الفريقين الأول والثاني.

وأضاف المحاضر أنه تمت تجربة مماثلة في الهند وتخيل العلماء أن المال المنخفض للتحفيز في أميركا الشمالية سيؤدي إلى نتائج أفضل في الهند وبالفعل تحقق ذلك نظراً للفروقات الاقتصادية والاجتماعية والمادية هناك هذا ما يطلق عليه نظام المكافآت وهذا ما توصل إليه العلماء بعد سنوات طويلة من الأبحاث والذي ثبت أنه جيد للوظائف والمهن الصغيرة.

التشجيع على العمل

وأكد دانيال بينك أنه ما دامت المهمة التي يقوم بها الموظف في مؤسسته أو منظمته تنضوى على مهارة ميكانيكية فقط فإن تقديم الحوافز للموظف يقوم بمفعول كبير في تشجيع وتحفيز الموظف على أداء عمله بشكل أفضل وأنه كلما كان الراتب أعلى كلما كان الأداء أفضل مشيراً إلى أنه عندما يتطلب أداء مهمة ما مهارات إدراكية، فإن المكافأة تؤدي إلى أداء سيئ وهذا أمر مؤلم بعض الشيء.

وقال إن الناس يحبون ويعشقون المكافآت وإن أي مؤسسة تقدم مكافأة لشخص أو موظف ما فإنها تحظى باهتمامه والتي تقدم لهم نظير أدائهم ما يطلب منهم، وإذا ما كانوا على دراية ومعرفة بما يقومون به فإن المكافأة تكون متميزة وعلى المؤسسة أن تشير لهم بذلك.

وأكد أن المكافأة ليست مهمة على المهام المعقدة طويلة المدى ولكنها ناجحة في المهام البسيطة والتي تتطلب مدى قصيراً ولكنها ليست ناجحة في المهام المعقدة لأنها تحتاج إلى بعد نظر وأفق أوسع، وبالتالي إذا كانت المكافأة جيدة على المهام البسيطة فإنها لن تكون كذلك للمهام المعقدة على المدى الطويل.

قال المحاضر دانيال بينك إنه يجب أن تتسم بيئة العمل بثلاثة مبادئ معروفة في علم الإدارة وهي الهدف والبراعة والاستقلالية.

وأوضح أن الهدف يتمثل في إمكانية واستطاعة الموظفين إحداث فرق أو تقديم إسهامات معينة في عملهم والهدف كلمة محفزة وعلينا أن نفكر في شيء كبير لعمله، حتى نحقق النجاح ونقول دائماً لأنفسنا لماذا نفعل ذلك، ولماذا هذا مهم، وهذه الكلمات قوية ومهمة ومحفزة.

أما الثاني وهو البراعة أو الإتقان فيتمثل في مدى إحراز الموظفين تقدماً في عملهم وتحسين أدائهم في القيام بمهام وأشياء مهمة، وأن تكون لدينا الرغبة في تحسين وتطوير أنفسنا لهذا نرى بعض الأشخاص يمارسون الرياضة في نهاية الأسبوع، مشيراً إلى أن هناك أبحاثاً ودراسات أثبتت أن المحفز الوحيد هو إجراء تحسين على المستوى اليومي في حياة الناس حتى يشعروا بالتحفيز كالطلبة والرياضيين الذين إذا ما تم تحفيزهم فسيحققون النجاحات ويسيرون قدماً إلى الإمام.

الاستقلالية

وأوضح دانيال بينك أن المبدأ الثالث هو الاستقلالية وما إذا كان الموظفون يمتلكون نوعاً من السلطة حيال ما يقومون به وتوقيت وكيفية القيام به ومع من يتعاونون للقيام به وما إذا كان لديهم نوع من الاستقلالية لجعل الأشخاص يفعلون ما يريدون وبالطريقة التي نريدها.

وأشار إلى أن الإحصاءات حول العالم تشير إلى أننا لدينا شخص واحد ملتزم في أداء العمل الإنتاجية من بين كل عشرة أشخاص.

إلى ذلك أشاد المحاضر بدولة الإمارات والتي تعد الأولى في المنطقة في معدلات الإنتاجية وقال إننا إذا ما استطعنا أن نزيد التزام الأشخاص غير الملتزمين فسينعكس ذلك إيجابياً على البشرية، مشيراً إلى أننا يجب أن ندفع للأشخاص أجوراً جيدة ونعطيهم الاستقلالية حتى يكون لدينا فرق عمل متميزة.

وفي رده على أسئلة الحضور أشار دانيال بينك إلى أن البحوث الدولية تعطي اليوم القليل من الاستقلالية للطلاب وعلينا أن نجعلهم يمضون الكثير من الوقت للاهتمام بالمشاكل وإيجاد حلول لها.

وقال إنه لا يمكن تفضيل مبدأ على آخر من بين المحفزات أو المبادئ الثلاثة للأداء «الهدف والبراعة والاستقلالية» وهي تعمل وتكمل بعضها البعض، وإننا إذا كانت لدينا الاستقلالية وإذا لم نحسن البراعة والإتقان فسوف نفتقدها ولكنها تعتمد على أهمية المبادئ والتي تختلف من شخص إلى آخر.

وأوضح المحاضر أن البحوث تؤكد أننا يجب أن ندفع ما يكفي من أجور وبشكل عادل للموظفين وإذا لم نقم بذلك فلن نحصل على أي تحفيز منهم، الأمر الذي يؤكد أهمية المال كمحفز عادل على أداء العمل وبطريقة جيدة وأن أفضل منهج يمكن اتباعه لخلق الدافعية بين الموظفين يكمن في دفع رواتب جيدة للموظفين ومعاملتهم بإنصاف.

Email