سيارات تزداد ابتكاراً في عالم بلا سائقين

مركبات ذكية تركن نفسها على بوابات القمة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يكون عنوان القمة العالمية للحكومات «استشراف حكومات المستقبل»، تصبح الابتكارات الجذرية والاستثنائية والقدرات الخارقة للذكاء الاصطناعي والروبوتات، هي المواضيع التي تطرح نفسها أمام الجمهور الذي زار خلال هذا الحدث العالمي «متحف المستقبل»، الذي ينتقل بنا إلى عالم لمَّا نعشه، بينما تمدنا تجربة «ابتكارات الحكومة الخلاقة» بدفعة ثقة بمستقبل أولادنا.

ومنذ الخطوات الأولى التي تدخل بها إلى مكان انعقاد القمة، تلفت نظرك سيارة «لينك آند غو»، والتي تعرض للمرة الأولى في المنطقة، وتنتمي إلى ما يعرف باسم «المركبات ذاتية التحكم»، ويمكن أيضاً قيادتها يدوياً، أنتجتها شركة «آكا تكنولوجيز» الفرنسية، وتتميز باستهلاك وقود منخفض، وتتماشى مع ما يدعى التنقل الذكي، وهو من الأمور التي تعزز تحويل المدن إلى ذكية.

ويقول فيرول ماراندي المدير العام لشركة «آكا ميدل ايست»، إن هذه المركبة تستطيع السير جانبياً، وركن نفسها آلياً، باستخدام الهواتف الذكية، وذلك بفضل تزويدها بحساسات ليزر وكاميرات، وتستطيع السير في جميع الاتجاهات، وضمن أضيق المساحات، كما يتمتع هذا المنتج المستقبلي بتقنية حفظ الطرق في المدينة. وهي سيارة ضواحي كهربائية ثنائية النمط، بمعني أنه يمكن قيادتها يدوياً أو بشكل آلي.

ويقول ماراندي إن مركبتهم متميزة عن غيرها، وذلك لأنه لا توجد حتى الآن مركبات ذاتية التحكم تعمل بالكهرباء، فهي إما أنها تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي وسائقين آليين، أو أنها مركبات تجريبية منخفضة السرعة، تعمل بالطاقة الكهربائية. وقد استطاعت آكا دمج هذين الأمرين في سيارتها، لتلبية الاحتياجات الحقيقية للسائقين.

ولدى آكا 12 ألف موظف، وتأسست سنة 1984 من قبل موريس ريتشي في مدينة ليون، وأدرجت في السوق المالية سنة 2005. يبلغ دخلها التشغيلي 100 مليون يورو، وتخصص ثلثي مواردها لصناعة المركبات والطيران، وهي الأولى أوروبياً في قطاع التنقل. وتقدم خدمات تكنولوجية لشركات كبرى، مثل دايملر وإيرباص، حيث تشارك بتصميم وهندسة واختبار الطائرات، وقد أخذت السيارة نظام التعليق والإطارات والمقود من شركة إيروسبيس.

أما «آكا ميدل إيست»، فبدأت عملها في دبي بشهر أغسطس 2010، ومقرها في أبراج بحيرات جميرا، وتعمل في ثلاثة مجالات رئيسة، هي تعديل الطائرات وأنظمة العرض والتحذير في الطائرات.

خيار آمن

في حين انتظرنا لأكثر من ثلاثة عقود قبل أن تُطرح في الأسواق «الهوفر بورد» (لوحات تزلج متطورة تعمل على البطارية)، التي قدمها المخرج الأميركي روبرت زيميكس في فيلم «العودة إلى المستقبل»، فاز فريق علمي من جامعة ستانفورد في تحدي «وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية» (داربا) التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، وهو عبارة عن سباق للسيارات ذاتية القيادة، وحصل على أعلى جائزة بقيمة مليوني دولار، بفضل سيارته «ستانلي» الروبوتية، إلا أن مشاريع البروفيسور سبستيان ثرون مدير «مختبر الذكاء الاصطناعي» في ستانفورد لم تتوقف عند هذا الحد.

لم يمرّ وقت طويل قبل أن يتولى ثرون مشروع غوغل للسيارات ذاتية القيادة، الذي جذب انتباه العالم، بالإضافة إلى تطبيق «غوغل ستريت فيو» للتجول الافتراضي. ومنذ ذلك الحين، أخذت الشركة تكثف من تجاربها على السيارات ذاتية القيادة، لتقطع سيارات الاختبار مسافة تقارب ثلاثة ملايين كيلومتر، بالقيادة اليدوية والذاتية معاً.

ونظرياً، يبلغ إجمالي طول الطرق بالإمارات نحو خمسة آلاف كيلومتر، أي أن سيارات غوغل التي ما زالت قيد التجربة، قطعت مسافة تبلغ 600 ضعف طولها تقريباً. وبعد موجة سيارات «ستانلي» وسيارات الاختبارات التي كانت نسخة معدلة من «تويوتا بريوس» و«لكسوس»، عكفت غوغل على تصميم سياراتها التجريبية من الصفر وزوّدتها بأجهزة استشعار متطورة متصلة بهياكل السيارات مباشرة.

بالنظر داخل مقصورة السيارة التي صممتها الشركة العملاقة بطريقة تضمن عدم إعاقة أنظمة الاستشعار أو تشكيل زاوية رؤية منعدمة، يلفت انتباهنا، عدم وجود عجلة قيادة ولا دواسة المكابح أو الوقود، لا بل فقط زر تشغيل وآخر للطوارئ باللون الأحمر. ونظراً لكل هذه العوامل، لا عجب أنّ مدير مشروع سيارة غوغل ذاتية القيادة، كريس أورمسون، حرص على تخصيص قدر كبير من جهوده لمناصرة تطوير السيارات ذاتية القيادة، موجهاً رسائل لطمأنة الرافضين والمشكّكين بالمشروع.

مسافات

طوال عام 2015، قطع أسطول الشركة من السيارات ذاتية القيادة، الذي يتجاوز 20 سيارة، مسافة فاقت 16 ألف كيلومتر أسبوعياً، أي أكثر مما يقطعه معظم سائقي السيارات في عام. لكن تعرض هذا الأسطول لإحدى عشرة حادثة طفيفة (أضرار طفيفة بدون إصابات) على مدار السنوات الست الماضية. قد تثير هذه الأرقام إعجابنا، إلا أنّ أورمسون يذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أنّ سيارات غوغل لم تكن السبب في أي من هذه الحوادث.

مسيرة التطور

وقد كان لنشأة أول محرك بنزين، قصة مختلفة تماماً. فخلال مؤتمر «تيدكس 2015»، قصّ أورمسون حكاية ولادة أول محرك بأسطوانة واحدة ثنائية الأشواط في ليلة عيد رأس السنة عام 1897، عندما قام كارل بنز (مصمم محركات سيارات مرسيدس بنز الشهيرة)، بقيادة السيارة واصطدم مباشرة بأحد الجدران. ومن الناحية العملية، نجد أن ذلك النموذج يتطابق تقريباً مع ما نراه على الطرقات في الوقت الحالي، أي محركات احتراق داخلي مثبتة داخل جسم معدني ومجهزة لتحريك أربع عجلات على محورين. واليوم، يرتفع مستوى المخاطر مع تضاعف أعداد السائقين، إلى جانب تعرضهم للمزيد من عناصر الإلهاء «الذكية».

ويوضح أورمسون وجهة نظره قائلاً «ركزت صناعة السيارات على مدار 130 عاماً على العنصر الأقل اعتمادية في السيارة، ألا وهو السائق. طوّرنا السيارات لتكون أقوى، وأضفنا إليها أحزمة الأمان والوسائد الهوائية. ولكن، طوال العقد الأخير، واصلنا محاولتنا لنجعل السيارة أذكى من أجل إصلاح العلة الأساسية، وهي السائق». قد يجد البعض وصف العنصر البشري بمصدر العلة ظريفاً، إلا أنّ الأرقام صادمة.

خسائر بشرية

يفقد ما يقرب من 1.2 مليون شخص حياتهم سنوياً على الطرق في العالم. أما في دولة الإمارات، فتعتبر الحوادث السبب الثاني للوفاة بعد الأسباب الطبيعية. وعند تصميم السكك الحديدية في القرن التاسع عشر، ظن بعض العلماء أن جسم الإنسان يعجز عن التكيف مع معدلات السرعة الزائدة (التي كانت حينها 80 كم/‏ساعة)، لكننا تعلمنا أن السرعة لا تقتل.

في الولايات المتحدة، تشير الإحصاءات التي أعدها موقع distraction.gov، أن أكثر من 660 ألف شخص يتغافلون وينصرفون عن القيادة يومياً لإلقاء نظرة على أجهزتهم المحمولة، ويتعرض قرابة 27 % ممن يكررون ذلك الفعل 20 مرة تقريباً لحوادث قاتلة. وفي المقابل، لا تتوفر أي إحصاءات مماثلة في الإمارات، وتلك المتوفرة سيئة، ما يترك مجالاً للتحسين.

وبات الأمل في التوصل إلى تقنيات قيادة ذاتية أكثر أماناً في المستقبل، حقيقة، في ظل ما نشهده من منافسة شرسة بين صناعة محركات الاحتراق التقليدية وصناعة المحركات الهجينة الكهربائية الآخذة في النمو، التي ستغزو الأسواق قريباً. قد يبدو، من الوهلة الأولى، صعباً على الجمهور أن يمنح ثقته «العمياء» للسيارات ذاتية القيادة. لكن الحقيقة هي أن التقنيات المساعدة للسائق، أخذت تغزو الأسواق بالفعل، ما يسهم في الحد من المخاوف المتعلقة بالسلامة أو القدرة على التقدم.

وتزامناً مع ما أثارته غوغل من ضجة تصدرت الصحف العالمية، كشفت شركة تصنيع السيارات الأميركية العملاقة «تيسلا موتورز»، عن إضافة تقنية القيادة الآلية (السائق الآلي) لسيارة «موديل إس»، وهي عبارة عن مجموعة من الخصائص الإلكترونية المساعدة للقيادة التي تشمل نظام تحكم بواسطة رادار قادر على إيقاف السيارة تماماً في حالات معينة، وإمكانية توجيه عجلة القيادة ذاتياً، وتغيير المسار المروري مع التنبيه بالإشارات الضوئية لذلك، وإمكانية صف وركن السيارة آلياً في وضع موازي للرصيف لمن يعاني من إتقان هذه المهارة في القيادة. ويُعد ما توصلت إليه تيسلا، خطوة صغيرة في رحلة القيادة الذاتية كلياً، إلا أنّها قد تُرضِي المعترضين على التجربة والجهات المسؤولة، وتُثبت بشكل كبير أن أعمال البرمجة السليمة قادرة على تجاوز توقعات البشر. فإذا سمحت الجهات المنظمة لغوغل أن تتولى القيادة، حينها سيكون الأمر مجرد مسألة وقت لتحقيق النجاح.

60 % من المستهلكين مستعدون لاستقبال السيارات ذاتية القيادة

أشار ما يقرب من 60 % من المستهلكين في مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم، عن تقبلهم واستعدادهم لاستقبال السيارات ذاتية القيادة، وفقاً لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن كونسلتينغ غروب، بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي.

وشملت الدراسة أكثر من 5500 مستهلك في عشرة بلدان، وتقدم فهماً أعمق لانطباعات المستهلكين حول مستقبل السيارات، وتقدم رؤى فريدة من نوعها حول تقبل واعتماد السيارات ذاتية القيادة من قبل المستهلكين، ودعم السيارات ذاتية القيادة من قبل صانعي السياسات، في مدن مختلفة حول العالم. ويعد تقبل السيارات ذاتية القيادة أعلى في الأسواق الناشئة، مثل الصين والهند ودولة الإمارات العربية المتحدة، في حين أنه يمثل نحو 50 % في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ويعد أدنى في اليابان وألمانيا. علاوة على ذلك، فعلى الرغم من تطرق الكثير من وسائل الإعلام لإمكانية تطوير شركات التكنولوجيا للسيارات ذاتية القيادة قبل غيرها، تكشف نتائج الاستطلاع عن وجود تفضيل قوي من قبل المستهلكين لريادة خطوات تطوير واختبار هذه المركبات من قبل شركات تصنيع السيارات التقليدية.

أدوار

وقال نيكولاس لانغ شريك أول بمكتب مجموعة بوسطن كونسلتينغ غروب في ميونيخ: «تمثل هذه الدراسة أخباراً جيدة ومطمئنة لشركات السيارات التقليدية، حيث تشير نتائجها إلى أن المستهلكين يتوقعون تأدية مصنعي السيارات التقليديين دوراً قيادياً في دفع عجلة تطوير السيارات ذاتية القيادة، في حين يتوقعون من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل آبل أو غوغل، المساهمة عبر توفير خبراتها في هذا المجال».

مبادرة

أظهر الاستطلاع أن عدداً كبيراً من المستهلكين (46 %)، يرغب في تولي شركات تصنيع السيارات التقليدية قيادة مبادرات تطوير السيارات ذاتية القيادة، وليس أي نوع آخر من الشركات، حيث عبر المشاركون في فرنسا وألمانيا واليابان عن إيلائهم أعلى مستويات الثقة لشركات تصنيع السيارات التقليدية. ومن ضمن هذه النسبة، أعرب 69 % عن تفضيلهم للسيارات التي يتم إنتاجها في إطار الشراكة بين مصنعي السيارات والشركات التكنولوجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية المستهلكين، يتوقعون أن تكون السيارات ذاتية القيادة كهربائية أو هجينة. وتعزز نتائج هذه الدراسة ما توصلت إليه دراسات سابقة، هدفت إلى تحديد العقبات في هذا المجال، مثل الأمن الرقمي والتشريعات، والتي سيجب على جميع الجهات المشاركة في تطوير السيارات ذاتية القيادة إلى التغلب عليها معاً، للتمكن من تطوير حلول مربحة للجميع.

استعداد

أشار نحو 60 % من المستهلكين إلى أنهم على استعداد للتنقل في سيارة ذاتية التحكم بالكامل. وأشاروا إلى أن معايير الراحة التي تقدمها خلال ركن السيارة ودورها في تعزيز مستويات الإنتاجية أثناء التنقل والسفر، هما أبرز الأسباب التي تدفعهم للرغبة باقتناء مثل هذه السيارات.

وقد وجدت مجموعة بوسطن كونسلتينغ غروب، من خلال دراسة سابقة أن المستهلكين في الولايات المتحدة على استعداد لشراء السيارات ذاتية القيادة. وقال 53 % من المستهلكين العالميين المشاركين في هذه الدراسة، إنهم على استعداد لشراء ذاتية القيادة بالكامل، ما يؤكد على أنهم متحمسون وحريصون على استخدام السيارات ذاتية القيادة، كما هو حال المستهلكين الأميركيين.

تكلفة

كما أن المستهلكين على استعداد أيضاً لدفع مبلغ أكبر للاستمتاع بالمزايا ومعايير الراحة التي توفرها السيارات ذاتية القيادة، حيث أشار أكثر من 40 % من المشاركين في جميع الدول التي شملتها الدراسة، إلى أنهم على استعداد لدفع مبلغ أكبر، في حين أعرب أكثر من نصفهم أنه على استعداد لدفع أكثر من 5000 دولار للاستمتاع بمزايا السيارات ذاتية القيادة بالكامل.

معايير

من جانبه، قال أليكس ميتشل رئيس قسم صناعة السيارات في المنتدى الاقتصادي العالمي: توفر نتائج هذه الدراسة معلومات قيمة لفهم معايير التصميم اللازمة لتخطيط نماذج مواصلات حضرية جديدة تقوم على المركبات ذاتية القيادة. وعلى الرغم من أن صانعي القرار وواضعي السياسات الحضرية يفضلون أن تكون السيارات ذاتية القيادة بمثابة الحل الأخير في المناطق ذات الكثافة السكانية الأقل، فالمستهلكون يتطلعون إلى حل شامل ومريح للتنقل.

تقبل

على الرغم من ارتفاع نسبة تقبل السيارات ذاتية القيادة، إلا أن المستهلكين لا يزال لديهم مخاوف جدية حول معايير السلامة والموثوقية. وقد أعرب 51 % من المشاركين، الذين قالوا إنهم غير مستعدين للركوب في سيارة ذاتية القيادة بالكامل، عن مخاوف وشعور بعدم الأمان في هذه السيارات، في حين قال 45 %، إن عدم وجود رقابة يمثل العائق الرئيس بالنسبة لهم. وتشمل هذه المخاوف أيضاً عدم القدرة على التدخل في قيادة السيارة خلال عملها والمخاطر المحتملة جراء الهجمات الإلكترونية.

مطلب

قالت أنطونيلا مي-بوشتلر شريكة أولى بمكتب مجموعة بوسطن كونسلتينغ غروب في فيينا: «تمثل حماية السيارات ذاتية القيادة ضد الهجمات الإلكترونية، ووضع إطار تنظيمي ملائم لهذا النوع من القيادة المتطلبات الرئيسة، لدفع عجلة تطور هذا القطاع الجديد.

علاوة على ذلك، أفاد 35 % فقط من الآباء والأمهات أنهم ليسوا على استعداد للسماح لأولادهم بالركوب وحدهم في السيارات ذاتية القيادة.

Email