هجرة العقول تتحول إلى «تدوير كفاءات»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخصص القمة العالمية للحكومات إحدى جلساتها لطرح الهجرة المعاكسة للعقول، وانعكاسات هذه القضية والتحديات التي تواجهها غالبية الدول العربية التي يغادرها أبناؤها بحثاً عن حياة أفضل، إضافة إلى أسباب وتأثيرات الهجرة ودور الحكومات في تغيير المعادلة وتحقيق هجرة معاكسة للعقول.

وظهر مصطلح هجرة العقول للمرة الأولى في المملكة المتحدة نتيجة هجرة الخبراء التقنيين من أوروبا إلى أميركا الشمالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وامتد لاحقاً لتوصيف هجرة المهندسين والعلماء من الهند إلى المملكة المتحدة، وغالباً ما تشكل الدول النامية المصدر الأساس للعقول المهاجرة، مع تباين في الآراء والنظريات حول كلفة وفوائد هذه الظاهرة.

وفي المقابل، برز في السنوات الماضية مصطلح «تدوير العقول» أو brain circulation الذي يشير إلى عودة العقول المهاجرة إلى موطنها، فعلى سبيل المثال، شهدت بدايات القرن الواحد والعشرين عودة العديد من المهندسين والخبراء الهنود إلى موطنهم، في ظل التطورات الإيجابية التي شهدتها البلاد من الناحية الاقتصادية، ويرى الخبراء أن ذلك أسهم في تدفق خبرات معرفية حيوية شكلت عماداً أساسياً لعملية التنمية الشاملة في الهند، ومن هنا اعتمد مصطلح تدوير العقول للإشارة إلى حركة الهجرة الدائرية للكفاءات البشرية بين الدول.

خبرات

ووفقاً لمؤشر تنافسية المواهب العالمي «جي تي سي آي» 2016 الصادر عن كلية إنسياد العالمية لإدارة الأعمال، فإن المهاجرين قد يأخذون معهم الخبرات ورؤوس الأموال حين يغادرون موطنهم الأصلي، لكن الأفكار والأموال قد تعود مرة أخرى في حال احتفظ الأفراد في المهجر بجذورهم الاجتماعية والثقافية، وينعكس ذلك في تحويلات الأموال التي تشكّل الظاهرة الأبرز في إطار هجرة العقول، حيث تساعد الأسر في الموطن الأصلي على الاستثمار في التعليم وزيادة الإنفاق في آن واحد، مما يتيح للمغتربين الاستثمار في بلدانهم الأصلية التي تستفيد من عودتهم بما يتمتعون به من خبرات ومعرفة اكتسبوها خلال العمل في دول أخرى، مما يفتح الباب أمام إنجاز مشاريع ناجحة بتكاليف أقل مقارنة بتلك الدول، وهو ما قامت به تايوان لتطوير صناعة الأجهزة الإلكترونية محلياً والمنافسة بها عالمياً، حيث استفادت من الخبراء التايوانيين الذين عادوا إلى موطنهم، بعد أن عملوا سنوات عدة في وادي السيليكون، وتطمح بعض الدول كالهند والصين إلى استنساخ هذه التجربة.

وقد باتت القدرة على التنقل بين المؤسسات والدول أكثر أهمية بالنسبة إلى ذوي الكفاءات أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من عملية التطور المهني للأفراد، وبالنسبة إلى عملية التنمية الاقتصادية على حد سواء. وفي السابق، كان التركيز منصباً على دمج المهاجرين في الثقافة المحلية للبلد المستضيف، لكن تدوير العقول بات يتجه أكثر إلى استقطاب العقول، مع الحفاظ على روابطهم الثقافية والاقتصادية مع موطنهم.

مسيرة مهنية

ولفت مؤشر تنافسية المواهب إلى أن العالمية باتت أبرز ملامح قطاع التعليم، كما باتت تؤثر في المسيرة المهنية للخريجين الجدد أيضاً، وبدأت بعض الأبحاث بتأكيد أثر الخبرة في الأسواق العالمية على زيادة الابتكار والقدرة على حل المشكلات في العمل بالنسبة إلى الأفراد.

كما تؤدي الحكومات دوراً مهماً في تحقيق الاستفادة المثلى من عودة العقول والكفاءات، وذلك من خلال تعزيز الروابط مع المغتربين خلال فترة عملهم في دول المهجر واكتساب أكبر قدر من المعرفة والخبرة، إضافة إلى تطوير البنية التحتية والمجتمعية، ورفع مستوى التعليم المهني لإتاحة المناخ المناسب لعودة المغتربين، وإطلاق شركات ومشاريع ناشئة من قبل رواد الأعمال المحليين.

استقطاب الكفاءات

وفيما تسعى العديد من الدول لتعزيز جاذبيتها لاستقطاب الكفاءات، على غرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا وسنغافورة، يبقى السؤال الأهم عن أبرز المميزات الجاذبة للعقول المهاجرة، وهنا تأتي الإجابة المعروفة المتمثلة في الدخل المرتفع، والحوافز الضريبية، ونمط الحياة المناسب، لكن تحليل بيانات مؤشر تنافسية المواهب يظهر أيضاً دوراً مهماً للممارسات والأساليب الإدارية المتبعة في استقطاب المهارات، ويشمل ذلك مدى احترافية الإدارة ومعايير منح المناصب بناءً على الكفاءة بعيداً عن العلاقات والاعتبارات الشخصية، إضافة إلى مدى الاهتمام بتنمية قدرات وخبرات الموظف، وما يمكن تقديمه لدعم التطور المهني والوظيفي.

9 عوامل

حدد تقرير «مستقبل الوظائف» الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي مطلع العام الجاري 9 عوامل من شأنها التأثير في توجهات سوق العمل خلال الفترة بين 2015 لغاية 2020، وتتمثل في الموارد الجديدة للطاقة والتقنيات، وإنترنت الأشياء، والصناعات المتقدمة والطباعة ثلاثية الأبعاد، وهيمنة الشيخوخة على بعض المجتمعات نتيجة ارتفاع معدل حياة الإنسان، إلى جانب تزايد قلق المستهلكين تجاه قضايا الخصوصية والممارسات الأخلاقية للشركات، إضافة إلى تنامي دور وتأثير المرأة اقتصادياً واتساع طموحاتها وتطلعاتها، وتطور أجهزة الروبوت والمواصلات ذاتية القيادة، إلى جانب الذكاء الاصطناعي وتعلم الآليات، وتقدم علوم المواد والتقنيات الحيوية وعلوم الجينات.

وأشار التقرير أبرز التوجهات الرئيسة في مجال الموارد البشرية على المستوى الدولي التي تتمثل في الاستثمار بإعادة تأهيل الموظفين، ودعم التنقل وتولي مناصب وأدوار وظيفية متنوعة، إلى جانب إقامة شراكات تعاون مع المؤسسات التعليمية، واستهداف النساء الماهرات، واستقطاب المواهب الأجنبية، وتوفير برامج تدريب مهنية، وتزايد التعاون بين المؤسسات في مختلف الاختصاصات.

وخرج التقرير بعدد من التوصيات لتطوير سوق العمل، بما يتوافق مع المستجدات التي يشهدها العالم، يكمن أولها في إعادة تغيير دور قسم الموارد البشرية، بحيث يتم اعتماد مقاربات استباقية تواكب مستجدات سوق العمل، وبروز مهارات جديدة لردم الفجوة بين القدرات البشرية للمؤسسة والمتطلبات التي تفرضها التقنيات والتوجهات الجديدة في مختلف قطاعات العمل، واستخدام تحليلات البيانات في تخطيط القوى العاملة وإدارة الكفاءات البشرية، بحيث تتم بشكل مركزي، إلى جانب التركيز على التنوع في تركيبة القوى العاملة، كما دعا التقرير إلى تعزيز آليات العمل عن بعد واستخدام المنصات الإلكترونية.

Email