الاقتصاد التشاركي يضع الحكومات أمام تحديات دورها وقوانينها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتباين الآراء حول الاقتصاد التشاركي خصوصاً بعد ظهور تجارب عديدة في العالم أمثال «أوبر» و«أر بي أند بي»، والتي تضع الحكومات في كل أنحاء العالم أمام تحديات كثيرة تطال دورها ومسؤوليتها وفعالية قوانينها.

ويتصدر الموضوع الذي يعتبر أحدث مثال يوضح قدرة الإنترنت على إضافة القيمة للمستهلكين، أحد أهم المواضيع التي ستتصدر أجندة القمة العالمية للحكومات، والتي تسلط الضوء على آفاق هذا القطاع في دولة الإمارات خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويؤذن الاقتصاد التشاركي، الذي يلعب جيل الألفية – المواليد بين أعوام 1908 – 2000 – دور البطولة فيه، بأن الوقت قد حان لتعيد الحكومات النظر في سياساتها لمواجهة هذا الواقع الاقتصادي الجديد.

نموذج

والاقتصاد التشاركي ببساطة هو نموذج اقتصادي يكون فيه الأفراد قادرين على اقتراض أو تأجير أصول أو موارد مملوكة من أشخاص آخرين. ويمكن توظيف هذا النموذج حين يكون سعر سلعة أو خدمة ما مرتفعاً أو لا يتم الاستفادة منها بالكامل طوال الوقت.

وبعبارة أخرى: ما أملك هو لك، لبعض الوقت ومقابل رسم معين. ووصلت أرباح سوق قطاع الاقتصاد التشاركي العام الماضي إلى أكثر من 20 مليار دولار، وتتوقع مجلة الإيكونوميست أن يحقّق هذا القطاع أرباحًا قدرها 335 مليار دولار بحلول العام 2025.

وطالما تقاسمت الجماعات من الناس استخدام الأصول عبر الزمن، ولكن ظهور شبكة الإنترنت عّزز إلى حد كبير من إمكانية التواصل بين أصحاب الأصول من جهة، وأولئك الذين يسعون إلى استئجار أو اقتراض تلك الأصول من جهة أخرى، ويشار إلى الاقتصاد التشاركي أحياناً باسم (P2P)، ويُعتبر انفصالًا عن النظام الرأسمالي التقليدي الذي يرتكز على الملكية الفردية.

ومن الشركات التي كانت رائدة في الاستفادة من الإنترنت في تطبيق نموذج الاقتصاد التشاركي حديثاً شركات مثل «إيباي» و«نابستر» و«كريغسليست».

تقاسم

وتضيف المجلة أن التقنية خفضت إلى حد كبير تكلفة الدفع عبر الإنترنت، ما يجعل تقاسم الموجودات أرخص وأسهل من أي وقت مضى وممكن بالتالي على نطاق أوسع بكثير بالمقارنة بالنماذج في الماضي، ومكنت الأفراد من تشارك خدمات وحلول في قطاعات مختلفة من استئجار الأدوات الرياضية إلى أماكن لوقوف السيارات. وأخيراً أسهم اقتصاد المُشاركة في ظهور عددٍ كبير من المواقع الإلكترونية والتطبيقات التي تشمل مجالات مختلفة، أبرزها تطبيق «أوبر» الذي يوفّر خدمات النقل ويسمح للأشخاص بتحويل سياراتهم إلى سيارات أجرة، ويحدّد البدل المادي لقاء هذه الخدمة، وكذلك موقع «إير بي إن بي» الذي يتيح للأشخاص عرض منازلهم أو شققهم أو حتى غرفهم للإيجار. وتحظى هاتان الشركتان بشعبية كبيرة لأن أسعارهما أرخص من سيارات الأجرة والفنادق التقليدية، ناهيك عن أنهما تزوّدان المستخدمين بالطرق اللازمة لاستخدام مواردهم وأصولهم بهدف جني المال، مع العلم أن تطبيق «أوبر» لا يملك أي سيارة وموقع «إير بي إن بي» لا يملك أي فندق، فهما يشكّلان منصّتين للعرض والطلب لا غير.

طيف واسع

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن عالمنا العربي ليس بمنأى عن عصر اقتصاد المشاركة، بل نشهد اليوم عددًا لا يُستهان به من التطبيقات والمواقع الإلكترونية العربية التي توفر طيفاً واسعاً من الخدمات بأسعار تنافسية. وترمي هذه المبادرات إلى إيجاد حلول لمشاكل تعانيها المنطقة.

وهنا تكمن أهمية تطبيق «كريم» الشبيه بتطبيق «أوبر»، ويمكن تحميله بسهولة على الهاتف المحمول لطلب سيارات فخمة تؤمّن نقل الأشخاص براحة ورفاهية في عددٍ من المدن العربية الكبرى. ومن بين الخدمات الأخرى التي تلاقي رواجًا في الإمارات موقع «يماميا» الذي يسمح بمشاركة الأطباق المطهوة في المنزل، من خلال جمع الطهاة الماهرين مع عشاق الطهو المنزلي في مناطقهم. وتضمن هذه المنصّة للطهاة كسب المال، وللجائعين تناول أطباق منزلية شهية.

ومن التجارب الناجحة التي سيتعرض لها «آرون ساندراجان» أستاذ وعضو هيئة التدريس في جامعة نيويورك خلال القمة الحكومية تجربة تطبيق «أوبر» وموقع «إير بي إن بي» اللذين يضعان الحكومات في كل أنحاء العالم أمام تحديات كثيرة أهمها توفير الأطر القانونية لتطوير الخدمات القائمة على الاقتصاد التشاركي. ويقول ساندراجان إن منصات الاقتصاد التشاركي تتطلب منا إعادة التفكير في الدور الذي تلعبه الحكومات في تحريك السوق.

ويضيف: «نحن نعيش في عصر باتت المنصات الرقمية فيه تحتل جزءاً متزايداً من تفاعلنا التجاري والاجتماعي، وتتلاشى خلاله الحدود بين المنصات من جهة والحكومات كالجهة الرئيسية المنظمة لسلوكنا من جهة أخرى، خصوصاً أن منصات الاقتصاد التشاركي في المستقبل سيكون لها تأثير كبير على أسواق العمل، وطبيعة العمل، وشبكات الأمان الاجتماعي». إذًا، يبدو واضحًا أننا كمستهلكين بدأنا بالاعتياد على فكرة استخدام الأشياء من دون اقتنائها، وعلى مشاركة الأصول والموارد مع غيرنا بدلًا من الاستئثار بها.

لذا، سيزدهر اقتصاد المشاركة أكثر فأكثر في السنوات المقبلة على الأرجح، ولن تقتصر مجالاته على طلب سيارات الأجرة واستئجار الشقق وإعداد الوجبات المنزلية، بل سيفرض هذا النموذج الجديد نفسه في عالم الأعمال لتزداد إيراداته على حساب الشركات ذات النمط الاقتصادي التقليدي.

فهذه الأخيرة ستلجأ حُكمًا إلى محاربة المنصّات والتطبيقات القائمة على اقتصاد المشاركة لأنها ستشهد انخفاضًا في الطلب على منتجاتها وخدماتها. وهي معركة ستخسرها الشركات التقليدية لأنها ستنافس وحدها ملايين الأفراد المنخرطين في اقتصاد المشاركة.

آمال

يقول ساندراجان: «بغض النظر عما ستحمل السنوات المقبلة لاقتصاد المشاركة، وعن المخاطر والعقبات التي قد تعترض سبيله، فالآمال معقودة على هذه المبادرات التي من شأنها أن توفّر فرصاً كثيرة للعمل والبناء للمستقبل. وكما ذكرنا آنفًا، فروّاد الأعمال في العالم العربي يركبون بحماسة كبيرة موجة هذه المبادرات المبتكرة.

ويبقى إذًا أن نترقّب بشوق ولهفة البصمة الفريدة التي ستتركها في هذا النموذج الاقتصادي الجديد ثقافات عالمنا العربي الغنية والمتنوعة».

Email