ظاهرة تؤثر سلباً في تنشئة الأبناء

إدمان شبكات التواصل الاجتماعي يهدد الروابط الأسرية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تكوين العلاقة الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وأصبح أفراد العائلة لا يجدون ما يجمعهم في البيت الواحد لأن الكل له اهتماماته الخاصة التي يتابعها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الأخرى مثل التلفزيون أو الإذاعة، الأمر الذي أثر سلباً في تنشئة الأبناء داخل الأسرة، ونرى في صالة واحدة أفراد الأسرة، الكل منهمك بجهازه الخاص سواء الهاتف الذكي أو الآي باد، والكل يحاور ويتواصل مع الآخرين بعيداً عن الحوار بين الأسرة أو عرض هموم ومشاكل أفرادها أو مناقشة موضوع ما. فقد سلبت وسائل التواصل الاجتماعي الحوار الأسري الجماعي وجعلت أفراده منهمكين كلاً حسب هواه.

كما أن أسوأ ما يكون حينما يربي الوالدان ابنهما تربية سلبية تؤدي إلى فشله في تكوين أسرته، وقد أدى ذلك بالفعل إلى واقع مؤلم في فشل مشروع الزواج في المجتمع، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسب الطلاق بسبب تلك التربية.

معرفة ومهارات

يرى سلطان بن راشد الخرجي مستشار في وزارة الصحة، أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الأسرة في عصرنا الحالي ولعل أبرزها تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صحيحة، كما أن التربية عملية منهجية تحتاج إلى معرفة ومهارات وصبر على المتابعة، كما أن لأسلوب التنشئة الاجتماعية الذي يسلكه الوالدان في الأسرة أثره الفعال في الصحة النفسية لأبنائهما، فالأسلوب القائم على الشورى والتقبل يولد شعوراً إيجابياً لدى الناشئ تجاه ذاته أولاً ويساعده على التكيف مع الأسرة والمدرسة والمجتمع والأصدقاء ثانياً، بينما الأسلوب القائم على القهر والتسلط والإلزام الدائم فإنه يولد شعوراً سلبياً عند الناشئ تجاه ذاته أولاً ثم تجاه الأسرة والمدرسة والمجتمع والأصدقاء ثانياً، بل ويزيد من احتمالات ظهور مشكلات سلوكية لديه، لذلك لا بد أن يمتلك الوالدان المهارات الكافية التي تسهم في نجاح الطفل.

وأضاف أن أسوأ ما يكون حينما يربي الوالدان ابنهما تربية سلبية تجاه الأسرة الجديدة التي سيقودها، فيمتد ذلك الشقاء إلى الأسرة الجديدة التي لم يؤهل قائدها لإدارة دفتها، وقد أدى ذلك بالفعل إلى واقع مؤلم في فشل مشروع الزواج في المجتمع، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسب الطلاق بسبب تلك التربية، مبيناً أن الأسر تمر بها جملة من المتغيرات التي أثرت في الأدوار والمجالات التي تنهض بها الأسرة في تربية أفرادها، ولعل أبرزها المتغير الاقتصادي الذي كان له بجانب الجوانب الإيجابية جوانب سلبية، إضافة إلى تخلي الأسرة عن كثير من أدوارها في التعليم والتدريب على المهن المختلفة، وظهور بعض الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية عند الأبناء، لافتاً إلى أنه يجب إشاعة العلم بأهمية الثقافة الأسرية ورسم استراتيجية وطنية للنهوض بالتربية الأسرية يسهم فيها أجهزة المجتمع، بدءاً من وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل ووسائل الإعلام.

تحديات

ويقول الدكتور خالد الخاجة عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية في جامعة عجمان، إن هذه الحالة التي تمر بها العائلة، بإدمانها على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أدت إلى غياب الدور الذي يجب أن تقوم به الأسرة وهو الحفاظ على ثوابتها من أجل المحافظة على أفرادها، وأصبحت الأسرة تواجه العديد من التحديات مثل فقدانها للهوية الوطنية، وانتشار العزوبة والعنوسة والمربية الأجنبية، والزواج من الأجنبيات، وانحراف الأحداث، والطلاق، واستحداث قيم وسلوكيات في الأسرة بعد تراجع العادات والتقاليد، وظاهرة الانتحار، والإدمان على الكحول والمخدرات.

مسلسلات مسيرة

وأضاف، أصبح لكل فرد رغباته في مشاهدة القناة التي يحبذها، خصوصاً فئات الشباب الذين يفضلون المسلسلات المثيرة والمريبة للأخلاق والعادات الاجتماعية لكنهم يتأثرون بها ويعيشون عالماً خيالياً بعيداً عن المسؤولية، وبذلك أصبحت الفضائيات أداة تدمير لهوية الأسرة خصوصاً عنصر الشباب الذين هم نواتها في المستقبل في ظل غياب الرقيب وهو الأسرة إلى أن سلبت وسائل التواصل الاجتماعي دور الأسرة في تربية الأبناء، كما سرقت جل وقت الأبناء بما في ذلك وقت الدراسة، سواء في المدرسة أو البيت، ونتيجة لذلك وجد جيل لم يعد يهتم بالدراسة.

توعية

وتقول أمينة الحمادي مدير قسم الإعلام والعلاقات العامة بالكلية الجامعية للأم والعلوم الأسرية في عجمان، إن دور الأسرة ينبغي أن يكون حاضراً في توعية الأبناء بأفضل السبل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً عن التشويش – خاصة – في ظل انشغال الوالدين وارتباطهما بالعمل، ما يترك فراغاً واسعاً للأبناء في ظل عدم التحاور معهم، وبالتالي ينغمسون في تلك الوسائل التي بين طياتها الإيجابي والسلبي، لافتة إلى أننا بحاجة إلى إعادة النظر في المجال الذي يجب أن تستخدم فيه هذه الوسائل الجديدة، كما أننا في حاجة إلى توعية أبنائنا، توعية فردية واجتماعية تبدأ من الأسرة ذاتها، بأهمية استخدام وسائل التواصل في البناء لا الهدم، وألا تصبح سيفاً مسلطاً على رؤوس الآباء والأمهات، في الوقت نفسه.

عالم الأبناء

يقول يوسف محمد الشحي الموجه الأسري بمحكمة أم القيوين، إننا بحاجة إلى متابعة ومعرفة ما يتصل بعالم الأبناء وما يتبع ذلك من تقويم وإرشاد وتوجيه حتى لا ينحرف الأبناء ويتغير سلوكهم، وما محاولات التطرف والانحراف التي يشهدها العالم إلا نتاج لغياب الرقابة الأسرية وللبعد عن الأسرة كمؤسسة تربوية وإرشادية مهمة ولا بديل لها، مبيناً أننا نعيش زمن الانفتاح والتواصل وبث المعلومة في أقل من ثانية ما يستدعي تواجد الآباء والأمهات مع أبنائهم تواجداً مصحوباً بالحوار وليس تواجداً شكلياً، إضافة إلى ضرورة إلمام الآباء والأمهات ببرامج التواصل حتى يمكنهم مراقبة أبنائهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة بعيداً عن سلبيات تلك المواقع إضافة إلى غرس الوازع الديني في نفوسهم وتنشئتهم تنشئة صالحة، إضافة إلى ممارسة كل الأنشطة معهم من خلال المسابقات وممارسة الرياضة بهدف ملء أوقات فراغهم.

الحلقة الأضعف

من جهتها ترى الدكتورة مريم محمد العجمي من كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية بجامعة عجمان، إنه في ظل التسارع الذي تشهده الحياة الإنسانية على كل أصعدتها، أصبحت الأسرة تواجه عدداً كبيراً من التحديات والصعوبات التي جعلتها لم تعد المحضن الأساسي للأفراد ولا تمثل اللبنة الأساسية التي يُبنى عليها تنشئة الأجيال وتربيتهم وغرس القيم فيهم، بل ربما أصبحت هي الحلقة الأضعف في تلك العملية، حيث إنها واجهت عملية تشظي وتفكك بفعل كثير من الأدوات والوسائل، فلم تعد بذات القوة والتماسك التي ظلت تتمتع بهما في أزمنة سابقة، حيث أصبح لكل فرد عالمه الخاص الذي ينعزل فيه وبه، فضعف إحساسه بالانتماء لها والالتزام بمسؤوليته تجاهها وبذلك لم تعد هي المؤسسة الوحيدة التي تسهم في التربية، والفئة المراهقة كما هو معلوم هي أكثر الأبناء تمرداً وعناداً وانجرافاً وراء كل المستحدثات العصرية ما يجعلها تمثل عبئاً وهماً على الوالدين، تتنازعهما الشفقة والخوف من تأثيرات أدوات أصبحت في فعلها وسحرها هي المسيطرة على تفكير وسلوك هؤلاء الأبناء.

استحواذ على العقول

وأوضحت أن كل ذلك له انعكاسات سالبة على عملية التحصيل الأكاديمي والمستوى العلمي، فتلك الأدوات التي ما عاد لهذه الأجيال الفكاك منها استحوذت على عقولهم وأوقاتهم واهتماماتهم الأمر الذي يأتي خصماً من مساحات الاهتمام الأكاديمي، يضاف لذلك أن التفاعل مع العملية التعليمية أصبح أمراً تجارياً بحتاً يتعامل فيه الطالب بإحساس الواجب الذي عليه انفاذه كيفما اتفق ولا ينظر إليه باعتباره أمراً حاسماً ولازماً في بناء معارفه وعلومه وتحديد مستقبله وكذلك عملية لازمة في بناء وتوجيه شخصيته وسلوكه.

تثقيف أسري

أكد سلطان الخرجي أهمية التركيز على تضمين المناهج التعليمية في مدارس البنين والبنات الثقافة الأسرية المناسبة في أواخر المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، واشتراط حد أدنى من المعرفة والمهارة بإدارة الأسرة وحل المشكلات لدى من يريد بناء أسرة جديدة، إضافه إلى إقامة أسبوع سنوي للتربية الأسرية تكثف فيه البرامج التوعوية بهذا الأمر.

الحوار والنقاش مهم مع الأطفال لتحصينهم بالقيم والأفكار الإيجابية

رأت الدكتورة مريم العجمي أنه لا بد من الاهتمام بالحوار والنقاش وأن تقوم العلاقة بين الأبناء والآباء على الإقناع والحجة وليس الأمر والنهي، إضافة إلى مشاركة الأبناء في اهتماماتهم وجعلهم يحسون بقيمة وجودهم كأعضاء فاعلين في الأسرة، وإقناعهم بضرورة ترتيب أولوياتهم في الاهتمامات الخاصة بهم حتى لا تؤثر سلباً على محددات مستقبلهم، إضافة إلى تحصينهم بالقيم والأفكار القيمة منذ نعومة أظافرهم واذكاء روح النقد والاختيار الحسن لما يتعرضون له حتى لا يكونون هدفاً هيناً لكل فكرة أو سلوك، والاهتمام بمعرفة مجتمعهم ومجموعاتهم التي يتعاملون معها.

Email